السوري الذي تغنى به الشعراء…أكثر من 35 شاعراً أشادوا به في قصائدهم

السوري الذي تغنى به الشعراء…أكثر من 35 شاعراً أشادوا به في قصائدهم

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٢١ يوليو ٢٠١٥

عامر فؤاد عامر :

«حين أقوم بالعزف أمام سكان مدينتي حلب، وبين خمائل أشجارها، أشعر وكأن الكمان جزء مني. ولا أشعر كيف تتحرك أناملي عليه، فأخرج نغماً يختلف كثيراً عن باقي أنغامي التي أعزفها في أي مكان بالعالم». جاء هذا الكلام لأمير الكمان «سامي الشوّا» في حديثه للأديب «سامي الكيالي» صاحب مجلة الحديث.

في المقدّمة
«لا يخلو بيت من بيوتها من آلة موسيقيّة أو صوتٍ جميل، وعلى امتداد تاريخها أنجبت المئات بل الآلاف من الموسيقيين الكبار الذين دانت لهم الموسيقا العربيّة بالفضل» هذا شيءٌ مما جاء في مقدمة كتاب «أمير الكمان سامي الشوّا» التي كتبها «أحمد بوبس» ويضيف في مكانٍ منها: «في هذا الكتاب حاولنا تسليط الضوء على مختلف جوانب حياة ونشاطات سامي الشوّا وإضافة إلى السيرة الذاتيّة له، يتضمن الكتاب نشاطاته الموسيقيّة وجولاته العربيّة والعالميّة، وإبداعاته الموسيقيّة في مجالي التأليف الموسيقي والعزف. وخصّصنا فصلاً للقصائد التي نظمها الشعراء في عبقرية سامي الشوّا الموسيقيّة».

أسرة الشوّا الموسيقيّة
تعدّ من أهم وأعرق الأسر الموسيقيّة في مدينة حلب، وهي كذلك على الصعيد العربي، فقد أنجبت العديد من العازفين والمطربين، وفي الموسيقا جاء أول ذكرٍ لعائلة الشوّا في بداية القرن التاسع عشر.
أنطوان الكبير هو أول الموسيقيين في حلب ممن عزفوا على الكمان الصغير والكمان الأكبر حجماً، أمّا يوسف فكان إضافة إلى العزف يجمع الموشّحات الأندلسيّة ويعلمها لأبنائه، وله فرقة موسيقيّة مؤلّفة من آلات القانون، والناي، والكمان، والدّف، والعازفون كانوا من الأولاد والأشقاء. وفي العام 1831 استمع ابراهيم باشا لعزف أنطوان الكبير ويوسف فأعجب بهما وقربهما إليه. ولدى الانسحاب من سورية اصطحب معه هذين الشقيقين إلى مصر مع أسرتيهما.
أنجب يوسف إلياس عازف القانون، والأخير بدوره أنجب عبود وأنطوان. وعبود كان من كبار مطربي حلب، وكان يعزف على العود، أمّا أنطوان الابن فكان نابغة في العزف على الكمان وتعمّق في دراسة الموسيقا العربيّة، وعام 1883 وضع رسالة في علم النغم والألحان وإيقاعاتها، وكان له جولاته في مصر، وتركيا، وأنحاء الوطن العربي. ويعدّ أنطوان أول من أدخل الكمان في الفرق الموسيقيّة العربيّة في مصر ومنها إلى باقي البلدان العربيّة، وقبل ذلك كانت الربابة هي المعتمدة في التخت الشرقي، وأنجب أنطوان ثلاثة أولاد هم سامي، وعبد الكريم، وفاضل، وقد أخذ سامي، وفاضل عزف الكمان عن أبيهما، وعبد الكريم أخذ العزف على القانون. وسامي أصبح فيما بعد من أفضل عازفي الكمان الشرقي في الوطن العربي في القرن العشرين.

بين الولادة والانطلاقة
يعدّ سامي الشوا أهم عازفي الكمان الشرقي في القرن العشرين، فقد بلغ مكانة لم يبلغها عازف من قبله في زمن كان يحتفى به بالطرب فقط. فكان أول موسيقي تصدر له اسطوانات تتضمن عزفه الإفرادي على الكمان. وكان إضافة إلى ذلك عالماً متبحّراً في الموسيقا، فتعمق في المقامات والإيقاعات والأوزان، ودرس النظريّات الموسيقيّة العربيّة والغربيّة، وباختصار شديد كما يشير الكاتب «أحمد بوبس» فإن سامي الشوّا نذر نفسه للموسيقا عامة ولآلة الكمان بشكل خاصّ، حتى غدا عالماً في المجالين. احتل مكانة مرموقة في العزف بين سورية، ومصر، وعرف ببراعته في الارتجال على الكمان، فحمل لقب أمير الكمان الشرقي، وقد كان أمير الشعراء «أحمد درويش» هو من أطلق هذا اللقب عليه، وقد عرف عن سامي الشوّا الذاكرة القويّة التي ساعدته على حفظ اللحن كاملاً، ومن سماعه له مرّة واحدة، فكان لا يشارك في التدريبات، ويكفيه أن يحضر التدريبات مرّة واحدة ليستمع إليها ثم يغادر فلا يعود إلا يوم التسجيل، ويذكر الكاتب «بوبس» حادثة فريدة من نوعها ففي عهد الملك فؤاد الأول زارت القاهرة فرقة رباعيّة من العازفين الإيطاليين، وأقامت الفرقة حفلة بحضور الملك، وفي نهايتها طلب الملك من سامي عزف مقطوعة موسيقيّة شرقيّة، لكن سامي الشوّا طلب من الملك أن يعزف المقطوعة الموسيقيّة التي عزفتها الفرقة الإيطاليّة، فأذهل الشوّا الإيطاليين ببراعة العزف، على الرغم من عدم سماعه المقطوعة قبلاً.

خالد في التاريخ
لم تهبط مكانة الشوا الموسيقيّة بعد رحيله، فلم يظهر عازف كمان عربي يحتل مكانته ويزيحه عن إمارته للكمان. وصدرت له في أوروبا العديد من الأسطوانات الليزرية «CD» عن المؤسسات الفنيّة الأوروبيّة. ومن الأسطوانات التي وصلتنا له أسطوانة صدرت عن نادي الأسطوانة العربيّة بباريس بعنوان «الموسيقا المصرية في عصرها الذهبي».
يتنازع في تاريخ ولادة سامي الشوا بين تاريخي 1889 و1885 وكذلك تتنازع الروايات حول موطن ولادته، فبعضها يشير إلى ولادته في حلب، وبعضها في القاهرة، لكن الدراسات تؤكد أكثر أنه من مواليد مدينة حلب في دار ملاصقة لجامع الهزازة بحلب، ما زالت تعرف إلى اليوم بحوش بيت الشوّا. وهذا ما ذكر في كتاب الموسيقا الشرقيّة، والغناء الشرقي للمؤرخ «قسطنطين رزق» المصري، ودراسة لـ«عبدالله يوركي حلاق»، وكذلك الباحث الفرنسي «فريدريك لاغرانج».

نبوغ مبكر
جاء نبوغ سامي الشوّا في الموسيقا والعزف على الكمان منذ عمر الخمس سنوات، ويروي الكاتب رواية ظريفة حول هذا النبوغ ويقول: «ففي إحدى الليالي استيقظ الطفل على صوت آذان الفجر ينطلق من مئذنة جامع الهزازة القريب من المنزل، ولم يشعر الطفل بنفسه إلا وهو ينسحب من سريره متوجهاً إلى غرفة نوم والده، فيمسك بكمانه ويعود إلى غرفته قبل أن ينتهي المؤذن من رفع الآذان. ويمسك الطفل بالكمان يعزف عليه الأذان، فكان الكمان وكأنّه ينطق بكلمات الأذان. ولتكون مقطوعة «أذان الفجر» أول مؤلفاته الموسيقيّة، واستيقظت والدته من النوم على صوت عزفه الكمان، وصبت جام غضبها عليه في ثورة عارمة، لاستيقاظه فجراً من أجل العزف على الكمان. كانت هذه المرّة الأولى التي يمسك فيها الطفل سامي الكمان ويعزف عليه….».
كان أمير الشعراء أحمد شوقي أول المعجبين بعبقريته الموسيقيّة، فاصطحبه في عام 1910 في زيارة إلى الأستانة، فانتزع إعجاب الجميع بعزفه البارع، وبشكل خاص بالقفلات الخلابة التي تسمى الحفلات الحراقة، ويطلق عليها أهل الشام «البرمة»، وقد كان من بين المعجبين كبار مطربي وموسيقيي ذلك الزمان، ومنهم الموسيقار محمد عبد الوهاب فقرروا ضمه إلى تخوتهم أو فرقهم الموسيقية، فكان أن انضم فيما بعد إلى الفرقة الموسيقية لكوكب الشرق «أم كلثوم» وبدأ العزف معها منذ أن بدأت الغناء بمصاحبة آلات موسيقية في أولى حفلاتها العامة يوم الخميس الثاني من تشرين الأول عام 1926 على مسرح دار التمثيل العربي بالقاهرة… وقد استمر الشوا عازفاً في فرقة أم كلثوم لسنوات عديدة.

حياة حافلة بالموسيقا
كان لسامي الشوا نشاطات موسيقية أخرى، فتشارك والموسيقي المصري منصور عوض في العديد من المشاريع الموسيقية فأنشأا المدرسة الأهلية لتعليم الموسيقا التي افتتحت عام 1907 وتحمل اليوم اسم المعهد العالي للموسيقا العربية بالقاهرة. كما تشارك الإثنان عام 1946 في تأليف كتاب القواعد الفنية للموسيقا الشرقية والغربية ومن ثم تشاركا وحدهما أو مع موسيقيين آخرين في عزف الكثير من الأعمال الموسيقية التراثية أو التي جاءت من تأليف أحدهما.

مؤتمر الموسيقا العربية
من أهم نشاطات سامي الشوا مشاركته في المؤتمر الأول للموسيقا العربية الذي انعقد بالقاهرة في شهر آذار من عام 1932 والذي شارك فيه كبار الموسيقيين العرب والأجانب. فكان له مشاركة فعالة، إذ كان عضواً في لجنة المقامات والإيقاع والتأليف التي كان يترأسها الموسيقي التركي رؤوف بكتابك، وكان في عضويتها إلى جانبه الموسيقيون السوريون جميل عويس والشيخ علي الدرويش. في ذلك المؤتمر تمّ نقاش السلم الموسيقي العربي، واتخذت اللجنة قراراً باستخدام السلم الموسيقي المعدّل بدل السلم الموسيقي الطبيعي الذي كان مستخدماً في الموسيقا العربية.

جولاته الموسيقيّة
زار الشوا العديد من البلدان العربية والعالمية مشاركاً في حفلات ومهرجانات ومنها كان في تركيا ومصر والقارة الأميركية وبرلين وباريس وروما وبلجيكا وبلغاريا ورومانيا وإيران والبرازيل والأرجنتين وتشيلي والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان ولبنان والأردن واليمن وفلسطين والعراق والقدس.
توزعت إبداعات سامي الشوّا الموسيقية في منحيين، المنحى الأول يتمثل في التأليف الموسيقي، فقد كان مؤلفاً موسيقيّاً مبدعاً. والمنحى الثاني تمثل بكونه عازفاً بارعاً على الكمان. ومنذ مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، بدأت رياح التغيير تعصف على الموسيقا العربية، وبدأت تأثيرات الموسيقا الغربية تتزايد في الموسيقا العربية على يدّ محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وغيرهما. ولم تكن هذه التغييرات تروق لسامي الشوا الذي كان متعصباً لشرقية الموسيقا العربية، فأخذ ينسحب شيئاً فشيئاً من الساحة الموسيقية، ليعتكف في منزله حتى رحيله مساء الجمعة 31 كانون الأول 1965 في القاهرة ودفن فيها عن عمر يناهز ستة وسبعين عاماً.

الشوا في عيون الشعراء
ذكر الكتاب مجموعة من القصائد التي ذكر فيها أصحابها الشعراء أمير الكمان متأثرين بإبداعاته ومجمل ما قدّم وقد اقتطفنا منها أبياتاً للشاعر أحمد شوقي الذي يقول في قصيدة «يا صاحب الفن»:
يا صاحب الفنِّ.. هل أوتيتهُ هبةً
وهل خلقت له طبعاً ووجدانا
وهل وجدتَ له في النفس عاطفة
وهل حملت له في القلب إيمانا
أولى الرجال به في الدهر مخترعٌ
قد زادهُ جدولاً أو زاد ريحانا

ومن قصيدة «أوتار الكمنجة» للشاعر إيليا أبو ماضي أيضاً هذه الأبيات:
عندي لكم نبأٌ عجيبٌ شيّقٌ
سأقصّهُ… وعليكم تفسيره
بالأمس مر بنا فتى من قومكم
رقّت شمائلهُ… ورقّ شعوره
يلهو بأوتار الكمنجة والدجى
مرخيّةُ فوق العبابِ ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامَهُ
ويناشد الوطن الذي سيزوره

وأيضاً مما جاء في قصيدة «يا أبا الفن» للشاعر إبراهيم ناجي:
آهٍ من لحنٍ سماويٍّ عجيب النغمات
أيها الساحر لم تضرب بقوسٍ بل عصاة
يا أبا الفنّ المصفى هات ألحانك هات
في شطوط النيل مهد الفنّ مهد المعجزات
الصبا في ريح لبنان الرقيق النسمات
وحجاز رقَّص الآهات من شطِّ الفرات

وقصيدة «الوتر الساحر» للشاعر بشارة الخوري ومنها:
أجراحٌ تسيلُ… أم أرواحُ على أنمليك ذابت حنينا
أم شآبيبُ من جداول شتى يتفجرنَ ضاحكاً… وحزينا
وترٌ يأخذ العيون… فيجـ ـمدن عليه كأن خلقن سكونا
هجرت وكرها القلوبُ لتقتاتَ غراماً… ونشوةً… وجنونا
فترفق إذا ضربتَ فما تضـ ـربُ إلا مكان الحسِّ فينا