رسالة النص الشعري الوطني المقدس .."على ضفتي الجرح" لمحمد خالد الخضر نموذجاً..

رسالة النص الشعري الوطني المقدس .."على ضفتي الجرح" لمحمد خالد الخضر نموذجاً..

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٣١ مارس ٢٠١٥

رضوان هلال فلاحة
 في مجموعته الشعرية الصادرة عن دار الشرق للطباعة والنشر شكل الأديب محمد خالد الخضر بشعره عوالم رمزية، بلا تكلف وتعقيد يحول اللغة الشعرية إلى" طلاسم" يؤولها متفيهقو النقد على أنها حفر إركيلوجي للغة، ليكوّن سيرورة شعرية بمواصفات بنيوية وموضوعية يتلقاها الجمهور بسواده الأعظم بكل انفعالاته الحسية والعقلية، فشاعرنا المبدع خلق تواصلاً يمتد عميقاً في بواطن ذاته المعرفية والوجدانية بجسور من الصور التركيبية والتمثيلية ,مزاوجاً بين روحه وروح الطبيعة اللتين تماهتا ليكوّنا مضخّة من خيال خصيب ليتدفق في خلايا الجمل الشعرية متناغما مع انسيابية الألفاظ ومرونتها لتلامس بشفافيتها آلام وآمال المجتمع الذي لا يحاكيه من وراء حجاب، بل تجربة ومعاناة تنبو عن انتماء عضوي بينه وبين زمان ومكان وإنسان مجتمعه، ما يثمر| ارتكاساً| عملياً في بنية المجتمع، فيقول في قصيدة تداعيات الغياب الحزين:
 هذا الصباح..جمال وجهك والسنا.. يستقبلون قصيدتي..حتى أنا بعد التلاقي واشتعال الروح..فيما بيننا.. طلعت على كفيك زهرة أقحوان واخضوضرت.. ويقول أيضاً : واللصوص على مفارق بيتنا..يتهامسون..يهلوسون ويشعلون النار في الغابات.. في عش الحمائم في البلاد.
إن شعر الأديب محمد خالد الخضر لا يوصِّف ويشخِّص الدورة الحياتية بلوثتها الأخلاقية والفكرية والإنسانية فحسب بل يسعى إلى علاج اللوثة، وتغيير العادة السلوكية الآثمة المستقرة في النفوس وتوجيه أبناء مجتمعه نحو قضاياه المصيرية بلحمة تؤمن بوحدة المصير، وإيمانه الراسخ بأن الشعر قضية نضالية اعتلى فيها مرات... ومرات.. بعزة وإباء مذبح الذئاب واللصوص لأجل خلاص عائلته.. عائلته الكبيرة جدا على امتداد وطنه ليبعث من جديد قصيدة يكتبها تارة... وتكتبه تارة أخرى وهو ممسك بيد أصالة الماضي وعراقته بكف أبيه المتشظية أفقياً في فضاء الوطن وفضاء شعره وباليد الأخرى كف ابنه التي تفتح نافذة من نور نحو مستقبل آمن واعد بمسرات وخير عظيم فيناجي والده:
سليمة يا أبي قد مات فيها..بضربة غادر وبكى الكثيب
فخبأه... لأن الضبع يأتي... وهذا اليوم يوجد من ينوب
سأفضح يا أبي تاريخ قوم..لقيط ثم تفضحه الشعوب
ويخاطب ابنه:
ولدي حسين..أنت الصديق...وأنت خلاصة الأحلام...أنا خبأتك.. يا حبيبي للردى..ومرارة الأيام
لا يريد شاعرنا لهذا الحبل السّري بين الماضي والمستقبل أن ينقطع، كما لا يريد لجرحه النازف أن يضمّد فقد وهبه للتراب.... وديمومة الألم على ضفتي جرحه لا تستكين إلا في الموسيقا الإلهية المنبثقة من إيمان وعقيدة راسختين والتي تنبلج وضاءة في تفعيلات مقطوعاته الشعرية لتشعل فيها أنغاماً |ركحية | الدلالة مجسدة اللامرئي واللامادي في موسيقا تصويرية معنوية، فيقول شاعرنا في قصيدة أخرى ما تبقى في الأرض: قابيل يدخل.. من نوافذنا..ويشرع عورة أخرى.. ويبدأ فصله المجنون.. التوتة الحمقاء تمسك نفسها..والستر في أوراقها مرهون.
إن جرأة الشاعر محمد خالد الخضر في كشف عورات الأفّاقين وغرابيب الظلام ومواجهتهم بالقلم والكلمة الحق توءمها الوقار والانضباط بالقيم، والتزام الوفاء للصديق ورفيق الدرب والقضية والاجتهاد لرغيف خبز مملّح بعرق الفضيلة والطريق إليه جسد تنازعته الخفافيش فيقول في قصيدة حريق الذكريات: فالقرية الشماء تنكث بالعهود.. وأبو أنس.. اللص يأخذها بعيداً والعناكب.. حول منزلنا تسود ويقول: إن مت ينتصر اللصوص..وتفك أقفال البنوك اقرأ كتابك يا بني.. لم يبق إلا أنت يا ولدي, ويشدو قائلاً في قصيدة الخبز:
لو كنت تعلم يا بني
الخبز أصبح قاتلي
وأنا أفتش في المسافات البعيدة كي أراه
ودمي تقاسمه الطريق. ويقول أيضاً: ولدي.. صديقي يا حبيبي..قد كبرت وذاك الليل المريب.. هو فاغر متأهب ويريدني فيمد في عمري يداه..الخبز أصبح خنجراً في الظهر يا ولدي.
ولأن القصيدة هي ولادة طبيعية أنجبتها رابطة مقدّسة بين ذات الشاعر القدير محمد خالد الخضر لغة وهوية، وبين كينونة الأجرام والأزمان جاءت قصائده أيضاً منضبطة بقافية لم تخنق شعره وتأسره، أو تضيق أفق الانطلاق والحرية التي يهواها الشعر إنما كانت بعداً موشورياً يحلق في فضاءات رحبة وجرساً موسيقياً متوافقاً مع كل سكنة في النفس وسكتة في الحرف، ومع كل ثورة في النفس وثورة في الحرف، لينفجر الباء بكاء وعويلاً مسافراً عبر زمن القصيدة إيقاعاً ودماً والشاعر يبث أمه خوالج النفس ومواجع الوطن من ذلك يقول :
رأيت الشمس تسقط والهضاب.. ويبكي في مغانينا التراب
رأيت الله يا أماه يأتي.. ويعقد حول قريتنا الحساب
وسأل كيف مال الدهر حتى.. رماني الذئب وانكسر العقاب
إن لم يكن الشعر قضية، وتاريخاً نضالياً مشرفاً فماذا إذا !!!؟
وهل هو مهارة واستعارات وصور ومحسنات بديعية ولعب بالتراكيب والأفكار !!؟
إنه رسالة.. والسماء تختار رسلها.