«حتى الانتصار.. وبعد ذلك» تجربة شعرية عاصرت آلام العدوان

«حتى الانتصار.. وبعد ذلك» تجربة شعرية عاصرت آلام العدوان

شاعرات وشعراء

الأربعاء، ١١ أكتوبر ٢٠١٧

أن تكتب بريشة المتفرج البعيد عن مجريات الأحداث فهذا أظنه بالأمر الهين، ولكن أن تغمس ريشتك في جرحك الدامي لتخرج منه قطعا من كبد مزقته الحرب حتى كاد أن يكون أثرا بعد عين، فوالله لهو بالأمر الذي يصعب علينا الغوص في تفاصيله والتقاط تلك المشاعر التي سكنت شاعرنا محمد خالد الخضر الذي أيقن بحقيقة واحدة فقط،

أن النصر آت لامحالة، والنصر هو عنوان معركتنا وإن طالت أيامها ولياليها، ومهما كان لباطلهم من جولات، فلنصرنا جولات وجولات ترفع فيها الهامات عاليا.‏

 

وقصائده التي كتبت في مواجهة المؤامرة الصهيونية، قصائد محملة بعشق الوطن، وهي تارة تحمل الوجع الذي ألم بالأهل والخلان والشعب السوري جميعه، وتارة تنتفض متصدية في عنفوان لكل أشكال المؤامرة التي حيكت على سورية:‏

من ذاق طعم الحب أصبح فارسا‏

أوشاعرا مستبسلا متكلما‏

يسمو كما تسمو الصقور ويعتلي‏

قمرا فيوصله معاريج السما‏

حينما يشق الغيم في عليائها‏

أو لا يعود إلى الديار مسلما‏

لا ينحني ويزود عن حسنائه‏

مثل الشآم عنها الظالما‏

صلى على شرف الحدود مقدسا‏

ومضى إلى صوت الشآم وأقسما‏

وينطلق الشاعر في قصائده من واقع حقيقي ألم به وبعائلته ومنزله ومكتبته وهو العاشق لكل تفاصيل قريته الساكنة في عشق الطبيعة الأزلية، والتي ما عرفت يوما معنى أن تكون رهينة في أيدي الإرهابيين الذين أوجعوها قهرا وتخريبا ودمارا، وهنا تعلو صرخة مدوية، صرخة مضرجة بالوجع والأنين:‏

اقرأ على قبر المروءة سورتين.. ولاتغادر..‏

إن زيتون البلاد بلا شتاء..‏

والطريق بلا شباب‏

الواقفون هناك.. على المفارق..‏

يرتدون ثيابهم متأهبين..‏

وسوف يبتدىء الذهاب‏

مروا على اخوانهم.. كنا معا.. والصيف غاب.. اليوم كانت.. حلوة في الدروب تسألني مرارا‏

أخبرتني كيف راودها صديق..‏

قلت: هيا احذري..‏

هي ذاتها سرقت قليلا من حياتي‏

ومن عنوانات القصائد تظهر معاناة الشاعر يبثها في رسائل تارة إلى ابنه علي، وتارة إلى حلب، وفي أحيان إلى زوجته التي قاسمته علقم الألم وفقد البيت والذكريات وسكينة الحياة ووداعتها، وتارة نرى كيف يصب جام غضبه على الخونة المتآمرين على سورية.‏

وعن حزنه الذي لم يفارقه مذ غادر داره مخلفا وراءه ضريح والده في القفار يقول:‏

حزين أنا مثل هذا الصباح.. على سطح داري.. أسافر وحدي هناك..‏

وضاع مداري لآخر صوت انفجار‏

على وصمة الانفجار تركت السلاح وحيدا‏

جوار ضريح أبي.. في القفار كأي شجاع‏

ولاشك من يطالع مجموعة الشاعر محمد خالد الخضر «حتى الانتصار.. وبعد ذلك» سيدرك التزامه بالمنظومة الشعرية الحقيقية، حيث استطاع أن يجمع بين الأصالة والتراث، يسجل خلالها وثيقة حية للتاريخ والأجيال، بعبارات وصور هي أقرب إلى الروح لغلبة الواقعية فيها، والصدق النابع من تجربة شخصية، ومن جرح لايريد أن يلتئم حتى يتحقق النصر الكبير للوطن سورية.‏

أعطيك عمري ياوطن.. أعطيك عمري..‏

اعتبرني مرة حلما وخبئني بأهداب الكفن‏

هو ذاهب لابد في سر حزين‏

ثم يأتي مرة أخرى‏

على جنح الزمن.. أواه ياهذا الوطن‏

في مجموعته الشعرية التي تقع في 104 صفحات، من منشورات دار فلستينا للعام 2017 نعيش خيبات الحرب وآهات الالم، ولكن يبقى لمذاق النصر نكهة السمو في الأعالي وبأن القادم من الأيام سيزهر من جديد على بوابات سورية الصامدة والعصية دوما على الهزيمة.‏