أيام الشعر السوري في فعاليّات معرض الكتاب الدولي خطوة جمعت لقاء الشعراء وجمهور الشعر

أيام الشعر السوري في فعاليّات معرض الكتاب الدولي خطوة جمعت لقاء الشعراء وجمهور الشعر

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٦ سبتمبر ٢٠١٦

عامر فؤاد عامر

يبقى لسلطان الشعر وألقه المكانة المختلفة بين أنواع الفنون الإبداعيّة، ولهذا الإبداع صفاته الخاصّة في الشارع الثقافي السوري، وبناءً على هذه الخصوصيّة فقد أُقيمت فعاليّة أيام الشعر التي أشرنا إليها في الصفحة الثقافيّة ضمن نشاطات الدورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب الدّولي في مكتبة الأسد الوطنيّة، والتي تألّفت من جلستين حضرها قامات من كبار الشعراء السوريين، ألقوا فيها قصائدهم، في جلستين مسائيتين، حملت إصغاء الجمهور وتفاعله، وقد أدار الجلسة الشاعر «محمد حديفة» في حين كان الشعراء، الذين أدلوا بقصائد تتناسب مع الظرف والمرحلة، وظهروا وفقاً للترتيب التالي: «فايز خضور»، و«إبراهيم عباس ياسين»، ود. «وفيق سليطين»، و«ليندا إبراهيم»، ود. «ثائر زين الدين»، ود. «صابر فلحوط»، في الجلسة الأولى، أمّا في الجلسة الثانيّة، التي أدارها د.«نزار بني المرجة» فكان الشعراء: «خالد أبو خالد»، ود. «نزار بريك هنيدي»، ومناة الخيّر»، و«انتصار سليمان».

قامات في الشعر العربي

ألقى في مطلع الفعاليّة رئيس اتحاد الكتاب العرب «نضال الصالح» كلمته التي جاء فيها: «… أجد نفسي عاجزاً عن تسمية هذه القامات، لأن كلاً منها يمثّل متناً كبيراً في المدوّنة الشعريّة العربيّة، وهؤلاء المبدعون الشعراء، نعتز بكونهم أعضاء في اتحاد الكتّاب العرب، وتتشرف المؤسسة بأنهم جزءٌ ومكوّن أساسي فيها… وفي هذه المناسبة أعلن افتتاح أيام الشعر ضمن الفعاليّات الثقافيّة المرافقة لأيام معرض دمشق للكتاب». وقف الحضور بعد ذلك دقيقة صمت تقديراً لأرواح شهدائنا الأبرار، وليستلم الجلسة الأولى في إدارتها الشاعر «محمد حديفة» والجلسة الثانية د. «نزار بني المرجة، وفي الجلسة الأولى ألقى «محمد حديفة» كلمة تذكّر فيها هو والحضور بعض المقاطع الشعريّة لثلاثة من الشعراء الكبار مما قالوه في دمشق وهم «نزار قباني»، ومحمد مهدي الجواهري، و«محمود درويش»، وما تغنوه فيها، ونذكر شعر الكبير «نزار قباني»:
قلّ للذين بأرض الشام قد نزلوا
قتيلكم لم يزل في الحبّ مقتولا
ياشام يا شامة الدنيا وبهجتها
يا من بحسنك أوجعتِ الأزاميلا
يابلدة السبعة أنهار يابلدي
ويا قميصاً بزهو الخوخ مشغولا
النهر يسمعنا أحلى قصائده
والسرو يلبس في الساق الخلاخيلا
وددت لو زرعوني فيك مأذنةً
أو علقوني على الأبواب قنديلا

استغاثة فايز خضور
بعدها بدأ تقديم الشعراء والبداية مع الشاعر «فايز خضور» شاعراً من شعراء الزمن الجميل، الذي امتاز بين زملائه بإبداعه لكلمات جديدة يضيفها إلى لغة الشعر، وألقى 4 قصائد نذكر من بينها قصيدة «استغاثة» التي جاء فيها:
عجافاً تمرّ الليالي ولا يعتريها ارتعاش المطر
تشكّت علينا جيوش الجراد إلى حاكم الغيب
لا عشب في ظامئات الحصى
لا عشب في ظامئات السهول
ولا ورقاً يبدع الظلّ في يا بسات الشجر
ولا نبع في خاصرات السهول
ولا شيب يكسو رؤوس الجبال نصيح بساءٍ
غيّمت… بخبخي يا دموع القمر
صعدنا عراةً إلى جنّة البرتقال ورحنا نصلي كأنا على موعدٍ للقتال

مكابدة وفيق سليطين
ألقى الشاعر «وفيق سليطين» بعد ذلك قصيدته في هذه الفعاليّة، وعن اختياره لهذه القصيدة، ومناسبتها لهذا الزمن يقول لنا: «عن لغة الكتابة والشعر وبنيان القصيدة، أقدّر أن ما يكتب الآن في اتجاهاتٍ مختلفة لا بدّ أن يكون فيه أثر أو ينطوي على عمقٍ مما نحن فيه، والقصيدة الحديثة لا موضوع لها كما في القصيدة القديمة، لكن في مخاطبتنا للناس لا بدّ أن تعكس شيئاً من زمنها، ومن قلقه، ومن جروحه، ومن أفق تطلّعه، وقد جئتُ من اللاذقية إلى هذه المناسبة، وأقدرها من أكثر من وجهٍ، ومن هذه الوجوه أذكر: فعندما يعود للأدب ألقهُ ووهجهُ، ذلك يعني أن دمشق تستعيد ألقها ووهجها، وأقدّر أن المستقبل سيكون أفضل، ومن جهة أخرى المشاركون ولاسيما الشعراء لا يكادون يلتقون بسبب تباعد المسافات إلا في ملتقيات كهذه، وهذا المحور الوطني والشعري هو الجامع بين هؤلاء جميعاً، الذين جاؤوا من أصقاع شتى ليكونوا حضوراً وشهداء ومشاركين على نحوٍ آخر في هذا الملتقى. أمّا عن منعكس شعر اليوم للواقع فيجيبنا: «هو ليس منعكساً تماماً، ولكن أقول عندما يبني الشاعر نصّه فلا بدّ أن ينسرب إلى هذا البناء شيءٌ من المكابدة، حتى لو كان على المستوى اللاشعوري، ويبدو ذلك متحققاً في مستوى الصورة، وفي المبنى، وفي اللغة الشعريّة نفسها، وأقدر أن جميع المشاركات تنطوي على شيءٍ متفاوت من هذا الذي أتحدّث عنه، ونأمل أن يكون مثل هذا الملتقى لنهوض قادم نرجوه».

شآم ليندا إبراهيم
قدّمت الشاعرة «ليندا إبراهيم» في الشام قصيدتها، وفي تطور القصيدة لديها وبنائها منذ البدايات إلى اليوم ما بين المفردات، والتكوين، والإيقاع تقول: «أنا هنا في هذه الفعاليّة لأشارك في أيام الشعر السوري، وأقدّم قصيدة عن الشآم. أمّا عن قصيدتي وتطورها فأقول تبدأ القصيدة مع مبدعها بشكلٍ يمكن أن أطلق عليه تسمية مرحلة الطفولة الشعريّة، وقد ثابرتُ واشتغلتُ على هذه الموهبة، فقد آمنتُ بأنها لا بدّ أن تتطور في كلّ فترة من الزمن، وبحسب تجربتي فقد كتبت القصيدة التقليديّة نظراً لتأثري بمناهجنا الدراسيّة وما حملته من قصائد عبر كلّ المراحل، فكنت أجتهد على التمكّن من قوافي الشعر، وموسيقاه، ولذلك كتبت في القصيدة العموديّة وبعدها التفعيلة، وبعدها تعرفت إلى قصيدة النثر حديثاً، وقريباً سيصدر لي الديوان الرابع «أنا امرأة الأرض» عن اتحاد الكتّاب العرب في دمشق».

تساؤل ثائر زين الدين
كانت مشاركة الشاعر د.«ثائر زين الدين» في قصيدتين الأولى بعنوان «لماذا نلتقي خصمين؟» وتطرح هذه القصيدة مفارقةً في ذهن الرجل عموماً، والبداية كانت في الاتكاء على شعر «نمر بن تولب» الذي كتبه نحو 1500 سنة، عندما قال:
أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت
أوكل بدعدٍ من يهيم بها بعدي
وعلى ذلك يعلّق لقد أحبّها هذا الشاعر لدرجة أنه يوصي بها بمن يحبّها بعد موته، وهذه مسألة سببت له مشكلة وقتها، لكن نحن حتى في هذا الزمن – الألفية الثالثة – لن نجد من يطرح هذا الطرح ولا نجد لهذه الفكرة مكاناً، لكنها فكرة عالجت الحبّ الإنساني العميق، وليس الحبّ الجسدي السطحي، وهذا الحبّ الذي يخلّد، ولا يكون المحبّ أنانيّاً فيه». أمّا القصيدة الثانية فجاءت بعنوان «مشاهد سوريّة» والتي ألقى منها 10 مقاطع شعريّة، وعنها يعلّق: « تقع قصيدة «مشاهد سوريّة» في ديوانٍ كامل وتتميّز بتقنيّة رصد عين الكاميرا لمشاهد تخصّ السوري، لكن يكتشف القارئ أن لهذه الكاميرا موقفاً مما يجري من حولها».

تأملات إبراهيم عبّاس ياسين
اختار الشاعر «إبراهيم عبّاس ياسين» قصيدة «وقتٌ لسيدة النهار» وعن اختياره لها يقول: «ربما لأن هذه القصيدة تتماشى مع واقع الحال، مع أنها ليست مكتوبة في وقتٍ قريب، فإنتاجها ليس حديثاً، لكن دمشق حاضرةٌ على الدوام في شعري، وشعر غيري، ومن جانبٍ آخر اخترتها لأنها تليق بهذه المناسبة، ولأن الشام كانت ماضياً وحاضراً ومستقبلاً هي أملنا بالغد الأفضل». عن واقع الشعر اليوم ومقدرته في أن يكون منعكساً، كانت إجابة الشاعر إبراهيم عبّاس ياسين: «الشعر ليس فنّاً تسجيليّاً في الواقع، وليس وليد اللحظة الراهنة، بل قد يمر وقت طويل حتى نرى هذا الانعكاس على الشعر، فلا بدّ للقصيدة حتى تنضج، وتنتقل لمستوى إبداعي حقيقي، لا بدّ لها من ذروة، وهذا ما سنلحظه في المستوى القريب أو البعيد، ولكن في الحقيقة هذه الأحداث الدائرة لا بدّ أن تكون حاضرة في الشعر أولاً وأخيراً».

حلم نزار بريك هنيدي
ألقى الشاعر د. «نزار بريك هنيدي» مجموعة من القصائد كانت قصيدة « حلم بطعم الشام» هي الأبرز من بينها، وحول مشاركته وأجواء أيام الشعر يتحدّث: «لا شكّ أن لمعرض الكتاب في هذا العام خصوصيّة تتمثل بأن الحياة الثقافيّة في دمشق مستمرة ونشيطة، وأن هذه الحرب الظلاميّة التي تُشنّ على بلدنا الحبيب، لم تؤثر على النشاط الفنّي، والأدبي، والثقافي في بلدنا، وأن الثقافة، والشعر، والفنّ أقوى بكثيرٍ من كلّ قوى الظلام التي تريد بنا العودة إلى الوراء… وأيضاً تأتي أيام الشعر السوري في هذا المعرض لفتح تقليدٍ جديدٍ لمعرض الكتاب، وأن يرافق هذا المعرض نشاط ثقافي مثله، لا بدّ أن ذلك يمثّل جسراً بين المبدعين. أمّا القصائد التي اخترتها لهذه الفعاليّة فتمثلت في تركيزها على الانتماء العربي والسوري، وتأكيد العلاقة الحميمة القائمة بين الشاعر ودمشق، المدينة التي تمثّل ولادة الإنسانية، ومركز الحضارة الدائم، ولذلك كانت القصيدة الرئيسة تتحدث عن دمشق وهي«حلمٌ بطعم الشام». عن الأجيال المشاركة في أيام الشعر والتي حملت قصائدهم من أكثر من مرحلة وبتنوع مذاهبها يعلّق الشاعر «نزار بريك هنيدي»: «لا شكّ أن التنويع الحاصل في الأجيال الشعريّة، والمذاهب الفنيّة التي قُدّمت هو أمرٌ حيويّ وصحيّ، فهو يمثّل مجمل التجارب الشعريّة التي تمرّ بها الساحة الشعريّة في سورية، ونتمنى أن يكون هذا الملتقى الشعري في المستقبل ملتقى عربياً يمثّل حركة الشعر العربي المعاصر».

وجه صوت مناة الخيّر
تشارك الشاعرة «مناة الخيّر» الملتقى بمجموعة من القصائد المنتقاة وعن الملتقى تعلّق لنا قائلةً: «أولاً هو ملتقى يقام على هامش معرض الكتاب، فجميلٌ جداً أن يكون هناك وجهان للكتاب: وجهٌ ورقيٌّ، ووجهٌ صوتيّ، فهذه الأصوات هي وجه آخر من هذه الاحتفاليّة، وهذا ما يحمله الملتقى بجماله، ونرجو أن يتمّ تكريس هذه الفعاليّة، حتى يصبح للشعر احتفاله أيضاً المرافق لمعرض الكتاب، وتنوّع الأسماء التي حضرت والمدارس التي ألقت، يعني أن الساحة السوريّة ما زالت حافلةً بأصوات مهمّة، وكتابات مهمّة، وقد تتنوّع بين عمودي ونثر، لكنها تصبّ في ركنٍ واحدٍ أو تشربُ من نبعٍ واحدٍ، هو الأزمة التي أوجعت الجميع، وانسكبت في شعر الجميع. وعن القصيدة كمنعكس واقعي وكيفيّة تشكيلها ضمن هذا المنعكس تجيبنا الشاعرة «مناة الخيّر»: «لا تستطيع القصيدة أن تكون منعكساً متكاملاً، بل تأخذ زاويةً ما، أو جرحاً ما، أو مشهداً ما، وهذا من ناحية، أمّا الناحية الأخرى فالألم السوري الذي يكاد يكون لا مثيل له بفرادته في حروب العالم؛ فلا قصيدة ولا ملحمة تستطيع أن تكون منعكساً حقيقيّاً له، بل ربما سنحتاج إلى سنواتٍ طويلةٍ حتى نكتب عمّا حدث».

طلال الغوّار ضيفنا العربي
حلّ الشاعر العراقي «طلال الغوار» ضيفاً عربيّاً عزيزاً على أيام الشعر السوري ليشاركه قصائد تفوح بالمحبّة وبالعلاقة الأصيلة التي تجمع سورية والعراق معاً، وتعليقاً على مشاركته يصرّح: «هذا المهرجان الشعري المتزامن مع معرض الكتاب، وفي مكتبة الأسد الوطنيّة، يعطي شكلاً من أشكال التحدّي، التحدي الذي تواجهه سورية، فالثقافة هي التي ترسم معالم الحياة، وما هذا المهرجان، وهذه النشاطات الثقافيّة إلا لها دلالاتٌ كثيرةٌ، فأولاً: إن سورية ما زالت مفعمةً بالحياة، وكذلك شعبها، والدلالة الأخرى إنها حالة تحدٍ متعددة الأشكال، والثقافة هي الخندق الرئيس لمواجهة الفكر الظلامي، المستثمر من أعداء سورية، واليوم يغزوننا فكريّاً، وليس فقط بالسلاح يخربون الآثار والبيوت والبشر، بل يخربون القيم والتاريخ، ولهذا لا بدّ من وقفةٍ من كلّ المثقفين، وبكلّ الأساليب لمواجهة هذا الغزو». وعن علاقة الشعر والقصيدة بالمجتمع والأثر المترتب بينهما جاء تعليقه: «بالتأكيد الشعر على مرّ العصور له دورٌ فعّالٌ في خلق حالة الوعي، وإثارة الأحاسيس، فالشاعر القديم هو الصوت الإعلامي للقبيلة، وبمتغيّرات اليوم أصبح الشاعر رافداً من روافد الثقافة، وخلق روح جديدة في الحياة، وهذا يكوّن عند الإنسان حالةً من التحدّي، وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة المملوءة بالأمل والتفاؤل، وعدا ذلك لا يمكن أن يؤدي الشعر دوره في الحياة».