«أين أنتَ؟» ديوان معجون بقواعد المحبة والكونيات واللون

«أين أنتَ؟» ديوان معجون بقواعد المحبة والكونيات واللون

شاعرات وشعراء

الأحد، ١٥ مايو ٢٠١٦

عامر فؤاد عامر

عندما تقرأ عناوين قصائد هذا الديوان ستعلم فوراً أن كلمات النسيج معجونة بالحبّ، وبين دفتي الكتاب تفوح روائح الغزل، والمحبّة، والجمال. ديوان «أين أنتَ» نتاج التجربة الرابعة للشاعرة «رانيا كرباج» في 62 قصيدة من النثر المغزول بكلام من نور.
وجه إنسانٍ أم وجه ملاك؟! مع حمامتين تزينان الحقيقة، لنكتشف أنها فنانة تشكيليّة بل مهندسة في الإنشاء وميزان اللوحة الفنية إن كانت لوناً وإن كانت كتابة.

قصائد هذا الديوان منسوجة من ثنائية كونيّة، تتجلى في البحث الدائم عن النصف الآخر، وكينونة الحياة بين الإيجابيّة والسلبيّة وبين الحبّ واللاحبّ، وبين القوّة والضعف، وبين مضادات ومتكاملات.
بنت الشاعرة قصائدها على ميزانٍ وترتيبٍ وثقة بأن عبارات الزمان والمكان والحرية والنور وغيرها من المقاسات المقدّسة هي ما سيمنح ديوانها الاتساع، ولربما نجحت في إعطائه تلك القوانين من النقطة الأولى حتى الأخيرة، وبذلك سنّت له قوانين تمّ احترامها في كلّ القصائد المختارة في عنوان الحبّ والإنسان، فكانت من مثيلاتها عبارات: «النور»، و«القمح»، و«النجم»، و«الأرض»، و«المسار»، و«القمر»، و«الشمس»، و«الكون»، وغيرها.
تذكر مواقع كثيرة من قصائد الديوان عن بتلات الوردة، ولا يوحي ذلك في أعمق بعد إلا لوردة اللوتس وبتلاتها المنقذة في عملية إخفاء بوذا السلام والمحبّة، ففي النصوص إيقاع روحاني خفي وظل ساحر من الألوان، والغزل المدروس بأحاسيس عالية، وهذا نلمسه بصورة مباشرة في قصيدة «يا لون» ومنها نأخذ:
أتقبِّلني يا لون
لأعود طفلةً
تعشقُ هذا الكون
هل تكحِّلني يا لونُ
لأعود أنثى
وتحكمُ هذا الكون…

النهاية أو البداية وهما متلازمتان لحقيقةٍ واحدة وفيهما الحلقة والدائرة والانطلاق والبقاء، وفي قصيدة «أنا وأنت» نرى هذه الحكاية فلآدم وحواء ظهورٌ خلف كلمات تلك القصيدة، فكانت مساحة من الحرية والقيد معاً ومن هذه القصيدة نقتطف أيضاً:
أنا وأنتَ
وثالثنا طفلٌ حزينٌ
ضلّ طريقه إلى الولادة

أنا وأنتَ
نشدُّ حبال الوقتِ
لنلتقي
ونشدُّ حبال الوجدِ
ولا نكتفي

هل يمكن للشعر أن يروي حكاية التكوين!؟ وهل يمكن أن ينضمّ لنظريات العلم بلغته العاطفية الشاعرية؟! ولربما المحاولة مشروعة بغض النظر إن كان الآخر قد قبل أو وافق أو اعترض أو استنكر، ففي قصيدة «حين أنسج الكلام» هناك حكاية التكوين باختصار، وهناك لغة في منح الحياة مسوغاتها في نسج نفسها وتقول هذه القصيدة:
حين أنسجُ الكلام
أحوكُ منه زماناً
حين أنسجُ الكلام
أحوكُ منه فستاناً
أرقصُ على مسرح القصيدة
حين أنسجُ الكلام
أرقصُ على مسرح الحقيقة
وأحوكُ منه إنساناً.
للموسيقا حضورها البالغ في قصائد الشاعرة «رانيا كرباج» فكثيرٌ كان تكرار كلمات مثل العزف والموسيقا والإيقاع وغيرها من الترانيم التي تخدم القوانين التي سُنّ عليها ديوانها «أين أنتَ»؟ وفي هذا خصوصيّة وجمال فلا نملّ من استخدام تلك الكلمات المتكررة الاستخدام لأن وقعها استخدم بالصورة السليمة والمناسبة.
يخرج الديوان من لغة الانسجام والوئام والتصالح والكونيات إلى لغة فيها صور من البشر أكثر في قصائد مثل: «من قال إنك نور»، و«أنت الذي لم تذهب بعد»، و«سلمتك للورود»، ففيها لغة من تحدّي المرأة للرجل وفيها من رغبة المواجهة والصراع بينهما، فالمباشرة في العتاب حملت صورها الدنيويّة. أيضاً للوجد والحرقة طعمهما البارز في قصائد مثل: «قصّة»، و«هل نلتقي»، و«نفسي»، و«نفسي الحزينة»، و«فراغ»، و«إنّه الطعم المرّ» ففي هذه القصائد يولد العتب فجأة ويولد الندم غير الصريح فجأة، وتتلون الكلمات بصورة جديدة فيها من إيقاع البشر وعلاقات الحبّ القاسية وقصص الفرقة والاشتياق.
لثورة الأنثى مكانها أيضاً لكنها مكثت في قصيدة واحدة حملت عنوان «من أنت؟» وهنا تعلو المفردات لتتوسط حالة بين الشكوى البشرية والاستعانة بلغة الكون الربّانيّة، لكنها قصيدة ذات خصوصيّة ففيها من القوة ومن الاعتراض ومن التحدّي والضعف معاً.
ما يميّز هذا الديوان انسجامه في مواضيعه عن الحبّ والشوق والمحبّة بلغة خاصة اختارتها الشاعرة مبتعدة عن إيقاع الحرب والموت والدم والاغتيال والقلق والدمار فيكاد الديوان يخلو حتى من هذه العبارات، فبقي ضمن المجال الأرحب في اللغة والكتابة وهي لغة الكون لغة المحبّة.