ثقافة تقليد المشاهير! اضطراب في ضبط معايير التربية الأسرية بين مرحلة الطفولة والمراهقة أم موضة متمردة على التقاليد؟

ثقافة تقليد المشاهير! اضطراب في ضبط معايير التربية الأسرية بين مرحلة الطفولة والمراهقة أم موضة متمردة على التقاليد؟

شعوب وعادات

الجمعة، ٣ أكتوبر ٢٠١٤

شعر طويل.. عدسات ملونة، وبشرة بيضاء ممتلئة بالسيلكون، وحواجب موشومة بالتاتو، وتسريحات غريبة الشكل ووو…الكل يريد أن يصبح نانسي عجرم و شاكيرا و مايكل جاكسون وجاد شويري وغيرهم من المشاهير العرب والأجانب الذين تهافت شبابنا على تقليدهم الأعمى في أشكالهم وتصرفاتهم، متنافسين فيما بينهم للفت الانتباه والأنظار إليهم وجذب المعجبين، ولم يقتصر التقليد على المراهقين والمراهقات بل تعدى ذلك إلى دفع الكثير من الأزواج زوجاتهم لإجراء عمليات تجميل وتسريحات شعر تشبه فنانة معينة، وهذا ما يدفع للتساؤل: هل هذه الظاهرة ايجابية في محاكاة شبابنا للمشاهير، أم هي ظاهرة سلبية تعكس عدم القدرة على ضبط معايير التربية الأسرية بين مرحلة الطفولة والمراهقة ومرحلة النضج لدى الشباب؟….
تقليد أعمى
وإذا كان الكثير من الأسر يتساهل أمام هذه الموجة الجارفة في أوساط المراهقين في تقليدهم للمشاهير تحت تأثير عاطفة الحب لأولادهم، فإن المسوؤلية الكبرى تقع هنا على عاتق المدرسة التي لم تنجُ من آثار تلك الموجة رغم احتجاج المعلمات على الكثير من المظاهر من تسريحات شعر للشباب والفتيات والمكياج الشبه كامل لهن، رغم التشديد والتحذير على حد قول سهير ديوب “مديرة مدرسة” مما اضطرهم في العام الماضي إلى فصل خمس طالبات لمدة أسبوع عن الدوام بسبب تسريحاتهن وتقليدهن للمشاهير.. أما سامر زينة “صاحب أحد صالونات التجميل” فقد زاد الطلب على صالونه في السنوات الأخيرة إلى خمسة أضعاف ما كان عليه سابقا من قبل الفتيات من سن الثالثة عشرة فما فوق لصبغ خصل الهاي لايت (الشقراء أو الحمراء أو البلاتينية)… وهنا -في اعتقاد زينة- إن هذا الهوس ناتج عن الدور السلبي للأمهات الواقعات تحت تأثير برامج التلفزيون وما تقدمه هذه البرامج من صرعات موضة جديدة، بالتالي تتشوه قيم الجمال لدى الأم، وتنتقل إلى البنت لتكشف في النهاية عن جهل بمعنى الجمال، ماديا ومعنويا، وجهل بطريقة تلبية رغبات البنات في ما يفيدهن من هوايات تتناسب مع طفولتهن.. كذلك الأمر بالنسبة لسامر عمران “حلاق رجالي” فتختلف الحلاقة بين الشباب من شخص لآخر، ولكن أغلب المراهقين يطالبون حاليا بقصات غربية، والكثير منهم يأتي بصورة لأحد المشاهير يريد مني أن أطبق له نفس الموديل، ومن وجهة نظري ما دامت هده التسريحات لا تؤذي أحدا فما الضرر منها؟! لأنها تساعد الشاب على الظهور بالمظهر الجميل، وأحياناً لنيل إعجاب الفتيات.

بين الرفض والقبول
البعض يرى أن التقليد الأعمى من قبل شبابنا للمشاهير في شكلهم وتصرفاتهم، وأحيانا طريقة حديثهم وضحكاتهم وتسريحات شعرهم، هو أحد مظاهر التخلف وجهل هذا الجيل الذي يعوّل عليه الآباء في بناء المجتمع، وسحر “طالبة هندسة زراعة” تجد أن تقليد الفتيات للفنانات ظاهرة منتشرة بحيث لا يخلو مكان إلا ونرى هناك من تحاول محاكاة الفنانات متناسية وجود عادات وتقاليد تحكمنا، وأن طبيعة عمل الفنانة تتطلب منها التجمل والظهور بشكل لافت من مكياج وملابس، وتقليد الفنانات باختيار ملابس مشابهة لهن أمر عادي لكن المشكلة تكمن في من تحاول تقليد الفنانة في الشبه وملامح الوجه والجسم، لنجدها تتجه نحو العمليات التجميلية طالبة تغيير بعض الملامح لتكون شبيهة فنانة ما… بينما يرى آخرون أن محاكاة المشاهير هي تعبير عن روح الشباب المحب للتغيير، وعادات اليوم -برأيهم- غير عادات الأمس، وكريم “طالب أدب عربي” يؤيد الموضوع فالاهتمام بالمظهر الخارجي أمر ضروري، لا سيما الاهتمام بتسريحات الشعر للشباب، فالقصات الغربية والعصرية باتت مطلب معظم شبابنا، وهذه القصات حرية شخصية ولكنها يجب أن تكون في حدود، وأيّده زميله رامي” طالب حقوق” مضيفاً أن المظهر الخارجي للشخص لا ينعكس على تصرفاته وأخلاقه، وهو عادة يختار تسريحاته من الفضائيات والفيديو كليب.

عقول مهمشة
هناك دوافع وراء اتجاه الشباب لاتّباع الموضة وتقليد الفنانات والفنانين واللاعبين، أبرزها عدم ثقة بالنفس، وضعف بالشخصية الذي يجعله دائماً يشعر بالنقص على عكس الاعتزاز بالنفس والثقة العالية التي تجعل الشاب أو الفتاة وأي إنسان محط إعجاب الآخرين به، ناهيك عن أن هذا السلوك مرتبط بمرحلة عمرية معينة، إذ أن المراهقين غالبا ما تكون لديهم الرغبة في التقليد والاقتداء بسلوك المشاهير، على حد ما وصفته لنا الدكتورة رشا شعبان “علم اجتماع”، ولا ننسى أيضا الرسائل المبعوثة من خلال وسائل الإعلام التي بدورها تثير هوس تقليد المشاهير، فمع انتشار وسائل الإعلام والإنترنت ازداد الانفتاح على المجتمعات الأخرى، وأصبح من السهل متابعة الموضة والجديد منها، وقد تروق فكرة لأي متصفح ليجد نفسه في موقع التنفيذ دون الرجوع إلى واقع حياته وخصوصية شخصيته، وهنا يبدأ دور البيئة الاجتماعية من الأسرة والمدرسة وغيرها في مراقبة أولادهم والحرص على تربية أبنائهم، على أهمية الحفاظ على المظهر اللائق اجتماعيا وأخلاقيا، والذي يتماشى مع تقاليدنا، كما أن التقليد الأعمى دون وعي يؤدي لضياع الشخصية، لأن هذا الهوس يؤدي لقلة التحصيل العلمي بشكل عام، وخلق أجيال ضعيفة الشخصية، ذات عقول مهمشة، تعاني من اغتراب نفسي واجتماعي.