بحثاً عن الأمل والمستقبل السعيد: قارئو الأكف والفنجان يرسمون الأوهام ويسقطون الواقع والأمنيات في أفخاخ التنجيم والتبصير!

بحثاً عن الأمل والمستقبل السعيد: قارئو الأكف والفنجان يرسمون الأوهام ويسقطون الواقع والأمنيات في أفخاخ التنجيم والتبصير!

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

في الحدائق العامة.. بمحاذاة المؤسسات الحكومية… وبجانب أبواب الجامعات تجدهم يتبرعون بقراءة كفك وهم ينادون “بصارة.. براجة” طمعا بالحصول على أجر مما “يطلع من خاطرك” حسب زعمهم، ولكن الكارثة تحصل والأصوات تعلو في حال كان المبلغ غير مناسب لجهودهم الجبارة…وطبعا تختلف التسعيرة هنا بين قراءة كفك بشكل عام وبين قراءة وتفسير كل الخطوط والتجاعيد التي تختبئ بينها خفايا وأسرار حياتك الماضية وترسم لك المستقبل الذي تنتظره، فالإنسان يدمن معرفة الغيب ويقتله الفضول، ليسعى إلى كل من يأخذ بيده إلى أي شيء من خلف ستر الغيب، حتى وهو يعلم يقيناً أنه يسعى خلف أفق كاذب، فيقنع نفسه بالوهم حتى ترتاح بداخله الهواجس والقلق، وتهدأ العانس حين يقول لها قارئ الكف ستتزوجين خلال شهرين، ويهدأ المتعثر مالياً حين يقول له قارئ الكف ستخرج من أزمتك المالية خلال أسبوعين.
منجمون جوالون
ولكن ما فاجأنا هو وجود هذه الظاهرة في المقاهي والمطاعم، ففي باب توما تجد رجالاً متنقلين يتناوبون على زيارة تلك المقاهي وحجز طاولة بانتظار أن يزورهم أحد الزبائن ممن يبحثون عن التبصير، وأغلبهم شباب في الثلاثين، يصعب على البعض تصديق أنهم يقرؤون المستقبل، وعند سؤالنا للنادل عن كيفية الاتصال بهم لأخذ موعد من هؤلاء المنجمين قال لنا: هؤلاء غير ملتزمين بأيام ثابتة في المقهى لذا عند مجيئهم يقترب النادل من الزبائن في المقهى ويسألهم عن رغبتهم في التبصير، وفي حال الموافقة يتناول هؤلاء كوباً من العصير أو الشاي بانتظار أن ينادي عليهم المنجم، وفي مشهد آخر تجد في حديقة عامة امرأة خمسينية اتخذت ركناً لها جمعت فيه أدوات العمل الخاصة بها والمؤلفة من بضعة حجارة ملونة بعثرتها على قطعة قماش رثة لتجذب حولها عشرات الشباب والشابات منصتين إلى ما تقوله هذه الأحجار البُكم عن مستقبلهم بعد عن تقوم بوضعها على خطوط يدهم لتستطيع فك شيفرة خطوط اليد، مصطادة في النهاية ما حوته جيوبهم من مال وعقولهم من علم وثقافة، وهنا تقف حائراً متسائلاًً بشيء من التعجب لا بد منه، أننا ورغم أنف عصر التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الباهر الذي نسبح في بحوره، انتقل المنجمون من دهاليز الخرافات والحكايا الأسطورية فوصلوا إلى بيوتنا، وأقاموا بيننا، وراحوا يشيرون لنا كي نتبعهم، فإلى أي مدى من الجهل وصلنا إليه لنقرأ مستقبلنا من أشخاص لا تقرأ ولا تكتب؟.

تطور قراءة الكف
تنجيم الفنجان والورق والحجارة وقراءة الكف وترقب حركة الكواكب كلها سلوكيات قديمة تعود لآلاف السنين تصب في بحر التنجيم والفلك الذي نشأ مع نشأة الحضارة الإنسانية، حيث بدأ الإنسان رصد مواقع النجوم والكواكب وحساب الحركة المنظمة للأجرام المختلفة لاستغلالها في التنبؤ بما قد يحدث له في المستقبل كأسلوب لطمأنة نفسه الخائفة دائما من المستقبل، وفي رحلة بحثه عن كيان أكبر يتحكم في أقداره، وكانت تلك الحسابات هي الأشكال الأولى لعلم الفلك، ولكن قراءة الكف ظهرت لأول مرة في الهند، ثم عبرت الحدود إلى الصين ومنها إلى مصر فاليونان القديمة، والطريف أنها في كل حضارة كانت تكتسب ملامح خاصة تتناسب وطبيعة الشعب وأشكال أجسادهم، ومع تقدم علم الوراثة، اهتم الباحثون بدراسة خطوط الكف ودفعها إلى الاستمرار، حتى عصرنا الحديث وفي عام 1901 تبنت الشرطة البريطانية أسلوب طبع أصابع اليد في التحقيق الجنائي والتعرف إلى الأشخاص، واكتشف باحثون طبيون روابط بين حالات الشذوذ الوراثية والعلامات غير العادية في اليد، وكذلك أكدوا وجود علاقة بين مرض القلب وبصمات الأصابع.
انتظار للمجهول
هي نوع من فقدان الثقة بالمستقبل، ورغبة في كشف الغيب بكلام معسول،  ناهيك عن حالة كبيرة من الملل والفراغ يعيشها الفرد الذي يجري نحو قراءة الأبراج بشكل يومي والركض خلف المنجمين أينما وجدوا، كلها أسباب لخّصها لنا الدكتور همام عرفة” أمراض نفسية”، وهي سلوكيات جديدة على مجتمعنا ولم تكن منتشرة من قبل وهنا يلعب المستوى التعليمي والثقافي للفرد دورا كبيرا فكلما قل المستوى يصبح التأثير عليه سهلا ومن المؤسف أن هذه الظاهرة تعمل على تغييب الوعي وتعود أفراد المجتمع على التواكل وانتظار المجهول إذ هناك من يحدد ويربط مصيره وفق ما يقوله المنجمون وتقوده هذه الخرافات لتدمير أسرته وفشل حياته بشكل أو بآخر.. ومن المؤسف وجود من يدفعون أموالا طائلة ليعرفوا طالعهم، وهم بذلك يكونون طعما جاهزا للدجالين ومن يلتفون حول القانون بغرض الكسب المادي بطرق غير مشروعة…. وبين عرفة ان انتشار هؤلاء البصارات والمنجمين في الشوارع والمقاهي هو نتاج طبيعي لانتشار برامج الأبراج على القنوات الفضائية الناجم عن الانفتاح الثقافي والتكنولوجي الذي نعيشه هذه الأيام.
شرك بالله
وفي سؤالنا لرأي الدين في قراءة الكف كان للدكتور عبد الرزاق المؤنس معاون وزير الأوقاف سابقا رأيه بأن قراءة الكف من الكهانات القديمة التي كانت موجودة عند الإغريق والهنود والصينيين والعرب قبل الإسلام، وخطوط الثني ليست لها علاقة بحالة الإنسان الصحية والعقلية أو النفسية كما يزعم الكهان، ثم لماذا لا تأخذ هذه الخطوط كعلامة من علامات قدرة الله في خلقه، ومن يتمعن في خلق الله يجد فيه دلائل القدرة والإعجاز ومن هنا ينطلق الوازع الديني العقلاني المبني على الفكر، ونحن في أمسّ الحاجة إلى الالتزام الشرعي الوسطي، خاصة في زمن يخشى أن تختلط الأفكار والمعتقدات السلبية الدخيلة التي يمارسها البعض أحياناً من باب التمدن والتطور والتسلية، ولكن تلك التسلية تدخل فيما يتنافى مع تعاليم الشريعة، بل وقد يصل لدى البعض إلى الدخول في ميدان الشرك، وللأسف ينخدع كثير من شبابنا في هذه الأيام بقارئ الكف، وللأسف الشديد معظم هؤلاء الشباب متعلمون وفي الجامعات وفي كليات مرموقة ويلجؤون إلى قارئ الكف الذي يتقاضى منهم أموالاً طائلة مقابل فعلته وتحايله على هؤلاء الشباب.