شابة سورية تمتهن تعليم قيادة المركبات لإعالة أسرتها

شابة سورية تمتهن تعليم قيادة المركبات لإعالة أسرتها

شعوب وعادات

الخميس، ١٨ سبتمبر ٢٠١٤

لم يتسن للشابة إسعاف العبد الله أن تكمل تعليمها مع رفاقها في المدرسة ولم تكن تعي أن أناملها الصغيرة ستفارق مقعد الدراسة إلى غير رجعة لتلبس خاتم الزواج وأن جسدها الغض سيخلع لباس المدرسة ليرتدي الثوب الأبيض وسيحمل قلبها الصغير عبئاً كبيراً وهي ذات الخامسة عشر ربيعاً.

هكذا بدأت إسعاف تسرد قصتها لنشرة سانا الشبابية بمزيج من الأسى الذي بدا واضحاً في حديثها وكثير من الفخر والاعتزاز فكان الصمت يسرد قصصاً بين كلماتها المفعمة بالأمل والعزيمة والتصميم تختبئ خلف ابتسامتها تارة وتارة أخرى يكون التأمل والشرود سيد الحديث.4

أثمر زواج إسعاف عن 3 أولاد وجدت نفسها المسؤول الوحيد عن إعالتهم لا تمتلك أي مورد رزق يعيلها وأسرتها الصغيرة وهي في منتصف الثلاثينيات من العمر بلا مأوى ولا معيل ولا حتى أي خيار أمامها سوى البحث عن سبيل رزق في الوقت الذي كان تصميمها أن يكمل أولادها تعليمهم هو بمثابة خط أحمر لا يمكن تخطيه.

و آثرت إسعاف أن تتعلم مهنة شريفة تعيلها وأسرتها فاختارت تعلم قيادة السيارات التي طالما دغدغت مشاعرها منذ الصغر فما كان منها إلا أن التحقت بمدرسة لتعليم قيادة السيارات ونالت إجازة سوق في مدة زمنية قصيرة لتحصل على الموافقة لتعليم قيادة السيارات الخاصة للإناث لتباشر عملها في أوائل عام 2005 مع
بداية ترخيص المدارس الخاصة لتعليم قيادة السيارات.3

واشارت إلى أن طموحها لم يتوقف عند هذا الحد بل تطور إلى أن تدربت إسعاف على قيادة المركبات العمومية الصغيرة والكبيرة لتمتلك إجازة سوق عمومية تخولها قيادة المركبات الكبيرة كالباص والشاحنات الصغيرة داخل وخارج المحافظة ونالت شهادة تكريم من الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق في محافظ حمص لإسهامها في نجاح ورشة العمل الأولى بعنوان (دور مدارس تعليم قيادة المركبات في تأهيل سائق جيد) لتصبح فيما بعد أول وأصغر مدربة لتعليم قيادة المركبات الخاصة والعامة في المحافظة وتم تعيينها في شباط الماضي مديرة مكتب مدارس حمص الخاصة لقيادة المركبات.

ولفتت إسعاف إلى أنها دربت أكثر من 2000 سيدة تراوحت أعمارهن بين 18و 69 عاماً مؤكدة أن تدريبها للمتدربات لم يقتصر ضمن المدارس الخاصة بالقيادة بل تعداه إلى شوارع المدينة حيث تقوم بتدريب المتدربة على القيادة ضمن شوارع حمص بعد تلقيها دروساً عملية ونظرية في مدرسة السواقة.1

وحول المواقف الطريفة التي تعرضت لها إسعاف أثناء مسيرة عملها ذكرت أنه: “في أحد الأيام استوقفها شرطي مرور أثناء قيادتها شاحنة متوسطة عند دوار الثامن من آذار في المدينة طالباً منها أوراق السيارة وشهادة السوق ليتفاجأ بامتلاكها إجازة سوق عمومية فما كان منه إلا أن ابتسم وحياها مبدياً إعجابه بقوة شخصيتها وعزيمتها.”

وأضافت: “إن أكثر ما يواجهها من صعوبات في عملها كمدربة هو خوف المتدربات وترددهن أثناء ركوبهن السيارة لكنه سرعان ما يزول مع عباراتها وكلماتها التي تحاول بها أن تهدئ من روعهن بجملتها الشهيرة لا مستحيل أمام إرادة الإنسان وبالتصميم والعزم نصنع المستحيلات.”

وأشار لبيب حمدان مدير أحد المدارس الخاصة لتعليم قيادة السيارات في المحافظة إلى التزام إسعاف بعملها حيث أنها تعمل 9 ساعات يومياً وأكثر إن اقتضت ضرورة العمل دون أي تذمر والابتسامة لا تفارق محياها وهي تستقبل طلبات المتقدمين والمتقدمات للتدرب على القيادة لافتاً إلى أنه خلال فترة عملها كمدربة والتي بلغت 9 سنوات لم تسجل بحقها أي مخالفة مرورية.5

ويقول الكميت بكر أبنائها وهو الطالب في كلية الهندسة الزراعية في جامعة البعث بحمص: “أحس بالفرحة والفخر الذي يغمر قلبي عندما أتكلم عن أمي التي اعتبرها مثلي الأعلى في الحياة ورمزاً من رموز التضحية والإيثار مع العلم أن عملها كمدربة والتي اعتدنا على امتهانه من قبل الرجال لم يثنها عن عطائها وحنانها كأم وصديقة بل زادها رقة وتصميماً وإصراراً على تحدي العادات البالية في المجتمع التي حاولت تثبيط عزيمتها.”

وأضافت كل من ريمان 15 ربيعاً ويمان 9 سنوات أنهما لن تنسيا حجم المعاناة والمشقة التي تكبدتها أمهما وهي تناضل في سبيل الحصول على مصدر عيش لائق وشريف يؤمن حياة كريمة ومستوى تعليمياً جيداً لهم وأنهما يستمدان القوة والإرادة كلما نظرتا إلى عيني أمهما وهما مصممتان على مواصلة تعليمهما عرفاناً وتقديراً لحجم تضحياتها .