مـن يـوميــات الصــائـم صوم رمضان.. مجاهدة للنفس وامتناع عن السلوكيات السيئة أم انفعال وتوتر؟!

مـن يـوميــات الصــائـم صوم رمضان.. مجاهدة للنفس وامتناع عن السلوكيات السيئة أم انفعال وتوتر؟!

شعوب وعادات

الجمعة، ١١ يوليو ٢٠١٤

الدنيا صيام… اللهم إني صائم… وغيرها من العبارات التي تتردد طيلة هذا الشهر على مسامعنا، فإذا كنت من القوم الذين غضب الله عليهم ستقودك قدماك لتركب ميكرو يقوده سائق صائم، أو تذهب إلى موظف حكومي في رمضان لإجراء معاملتك، وعندها سترى بعينك العذاب بألوانه..
هو مشهد قديم جديد، تعايشنا معه في كل عام من هذا الشهر الفضيل، وهو عصبية بعض الصائمين، وكأنهم يحمّلون المواطنين عناء صيامهم، ولكن رمضاننا خلال الأزمة ربما هو الأصعب علينا، وربما سيكون مزاج العصبية أضعافاً مضاعفة، فالأحداث التي مرت علينا لا تجعل الصائم يفكر في  الفطور فقط، فالآن يفكر كيف يتم القضاء على المرتزقة وممتهني الإرهاب والقتل والتخريب، وغيرها من الأحداث العصيبة التي تمر بالبلد….
امتناع قسري
تستمر أجواء المشاحنات بين الناس من شروق الشمس حتى مغيبها منذ اليوم الأول من رمضان، فكثيرون تتقلب امزجتهم لأسباب عديدة، ما ينعكس سلباً على أدائهم الوظيفي وعلى علاقاتهم الاجتماعية أيضاً، ولا تقتصر العصبية بالنسبة لبعض الصائمين على الخلافات والمشاحنات الاجتماعية، فهي قد تمتد لتشمل سلوكيات أخرى كعدم احترامهم لقواعد السير واستخدام السرعة الزائدة..
وحول أسباب تزايد عصبية السوريين في رمضان، يعتقد وائل عجيب ” مهندس” أن نسبة المدخنين عالية جداً، وابتعادهم قسراً عن التدخين يزيد من العصبية، إضافة إلى أن  الأزمة التي نمر بها، ومنغصات العيش المتزايدة يوماً بعد يوم كلها تثير الأعصاب، إلا أنه ينبغي للصائم أن يحقق معاني صومه، ومنها الصبر وعدم الغضب خلال هذا الشهر.. ويرى كريم عباس “موظف” أن طبيعة شهر رمضان المبارك ودرجات الحرارة المرتفعة التي ترافقه تعمل على زيادة العصبية لديه، إضافة إلى أن الازدحام المروري وطبيعة العمل الشاق الذي يقوم به، وامتناعه عن التدخين كل ذلك يجعل منه إنساناً مختلفاً كثيراً عما هو عليه في الحقيقة.. أما عبير رضوان” ربة منزل”  فترى أن سبب تغير المزاج برمضان “هو الامتناع عن كل شيء كان مباحاً في الأيام العادية، فالسبب الرئيس بتغيير المزاج هو كثرة التفكير، وانتظار الوقت، ودائماً الانتظار تنتج عنه العصبية، فكيف إذا كان الانتظار هو للطعام والشراب.. وتعتقد سميحة حسن “موظفة” أن المدخن ومدمن شرب القهوة إنسان ”مسلوب الإرادة” خصوصاً إذا ادعى عدم القدرة على التخلص من تلك العادة، فتتحول مشاعر الخشوع والحب عند الصائمين إلى عصبية وسلوك عدواني، وإذا انتقلت هذه العصبية إلى منزل الزوجية تشتعل الخلافات لأتفه الأسباب، لذا فإن مقولة “أنت صائم إذا أنت عصبي” خاطئة، فهي تربط بين الصوم والسلوك الذي يعبر عن ضعف الإرادة، ذلك أن الصوم يعبر عن قوة الإرادة وليس الضعف.

أعراض الحرمان
توضح الدكتورة محار زيود “أخصائية تغذية”أن المخ يعتمد أساسياً على السكر‏، حيث إن كل كيلو واحد يستهلك‏25%‏ من سكر الجسم‏، كما أن المخ يكون أكثر عضو يتأثر نتيجة قلة السكر، لذلك عندما يقل السكر في الجسم تزداد عصبية الشخص‏.. ‏وأضافت زيود أن العصبية الزائدة لبعض الأشخاص في رمضان تكون لسببين،‏ الأول أن قلة الأكل تجعل الشخص عصبياً‏‏ لأن العامل النفسي يؤثر على المخ‏،‏ مشيرة إلى أن نسبة السكر تقل في الدم ونسبة المنبهات العصبية تزداد عند الشخص خلال الصيام‏، والثاني أن الأشخاص المدخنين يكونون أكثر عصبية أثناء الصيام في شهر رمضان فعندما ينقطع المدمن عن التدخين لبضع ساعات يبدأ يعاني من أعراض الحرمان من النيكوتين الذي اعتادت عليه خلايا دماغه، فيشعر بالعصبية وسرعة الغضب والتململ والصداع، وضعف التركيز وانخفاض المزاج، والقلق وضعف الذاكرة واضطراب النوم، لذا هنا ننصح المواطن ألا يسهر كثيراً، ولا يستمر بتناول الأكل والشرب، لأن ذلك يفقد الجسم تركيزه ويصبح بالتالي عصبي المزاج، فالجسم بحاجة إلى ساعات كافية من النوم كي يستعيد نشاطه، وإذا لم يأخذ كفايته من النوم ستكون ساعات العمل بالنسبة له شاقة نتيجة نقص النوم وليس نتيجة للصيام.

عبادة تجريدية
وحول رأي الدكتور عبد الرزاق المؤنس معاون وزير الأوقاف سابقاً في انتشار العصبية كظاهرة في رمضان بين لنا أن حقيقة الأمر أن رمضان هو شهر العبادة، وشهر الهدوء النفسي والعصبي، وأكد لنا أنه إذا فهمت العبادة فهماً حقيقياً؛ فلابد أن تؤكد الغاية من الصوم التي جُعلت من أجلها هذه العبادة، وبين أن هذه العبادة جُعلت لإحداث جانب من التوازن النفسي عند الإنسان، فهي تقوي الضمير، وتزيد من قدرة الصائم على تحمل الشدائد والمصاعب، منوهاً أن الصوم عبادة رائعة، فالصوم ليس للصوم وإنما هو جهد يبذله الإنسان ليصل إلى السماحة في أخلاقه حيث يصبح هنياًً وميسراًً ثم يصل إلى الإحساس بالآخرين، وهنا نصل إلى العبادة التجريدية فليس مقبولاً ولا معقولاً ولا مرتبطاً بالصيام أن يكون الإنسان سيئ الأخلاق وعصبياً، فكل النصوص تأتي بعكس ذلك، فكلمة إني صائم لا تعني أن أردّ السيئة بالسيئة، بل أن أحسن السيئة بالحسنة، وما نراه اليوم من تعصيب ونفور عند الصائمين يدل على أن الصوم صار تقليداً وليس تهذيباًً تربوياًً بحكمة العبادة، لأن العبادات ليست لأجل العبادات فالله تعالى لا يحتاج إلى صيامنا وإطاعتنا وإنما هي تكريس لحياة الإنسان نحو البناء والمشاركة والإيثار وصنع المبادرات الكريمة في المجتمع والوطن، فالله غني عن العالمين وهذه العبادات للخلق وليست لله، فالهدف من الصوم وسيلة لتقوية الإيمان، ثم تحقيق الوقاية على كل المستويات: الفرد، والنفس، والقلب، وكذلك المجتمع، ونوه المؤنس إلى أنه إذا كانت الوسيلة الإيمانية صحيحة؛ فسوف يتحقق الهدف الصحيح،  في حين إذا كان إيمان الفرد ظاهريا وليس حقيقيا فبذلك لا يمكن تحقيق الهدف من الصوم.

ضبط للنفس
إذا نظرنا للعادات نرى أن من الشعوب من يأكل وجبة ومنهم ثلاث وجبات، ومنهم الذي يأكل حتى يشبع، ومنهم يأكل ولا يشبع، وبالتالي القضية هي قضية عادة، وكما اعتدنا على العادة السيئة؛ فالأصل أن نعتاد على العادة الحسنة؛ فإذا كانت هناك مجموعة عادات ألفناها، واعتدنا عليها، تظهر هنا عظمة الصوم، فهو لا يجعل لحياة الإنسان رتابة معينة حسب رأي أستاذة علم الاجتماع  الدكتورة رشا شعبان مضيفة :”إن مسألة الانفعالية التي نراها في شهر رمضان سائدة نتيجة سببين الأول العامل النفسي المتوارث بيننا، حيث يعتقد الجميع أن الصائم لابد أن يصاب بنوبات العصبية والتوتر، وهو ما يجعل كثيرين ينساقون خلف هذا الإحساس حتى وإن كانت حالتهم النفسية جيدة، إذا هي حالة وهمية أكثر من أن تكون طبيعية، والسبب الثاني لعصبية الصائم هي حالة الإدمان على بعض المنبهات “كالقهوة والشاي والدخان..”، فالصيام ليس صيام المعدة فقط إنما هو حالة تنمّي عند الصائم استطاعة ضبط النفس، لذا مثلما نحن قادرون على ضبط انفسنا دون طعام وشراب يجب أن نملك القدرة على ضبط أنفسنا، فالابتسامة في وجه المسلم صدقة، اذاً المغزى  الحقيقي للصوم هو أنه مجاهدة للنفس، والامتناع عن السلوكيات السيئة، وليس الطعام والشراب فقط.