لاتغني عن الملتقيات التقليدية… المقاهي الأدبية الإلكترونية.. مواقع فاقدة للدفء والحضور الحسي في عالمها الافتراضي

لاتغني عن الملتقيات التقليدية… المقاهي الأدبية الإلكترونية.. مواقع فاقدة للدفء والحضور الحسي في عالمها الافتراضي

شعوب وعادات

الجمعة، ٩ مايو ٢٠١٤

لن تحتاج أن تكون أديباً ، شاعراً،ولا كاتباً ساخراً،ولا روائياً أو مسرحياً ولافناناً أوصحفياً ..لتكون من مرتاديها أو عضواً فيها، إذ يكفي أن يكون لك حساب على الفيس بوك لتنضم إلى الكثير من الصفحات الأدبية على اختلاف عناوينها وألوانها وأيقوناتها وأعضائها الأصلاء إن جاز القول والمنضمين الجدد والمهتمين إعجاباً ،مشاركة،وتعليقاً. واللافت في هذه الصفحات تحولها إلى مقاه أو ملتقيات أدبية ثقافية ، فاردة جدرانها بلاحدود لأقلام الكثير من الأدباء على اختلاف صنوفهم الأدبية ودرجة شهرتهم وتوزعهم الجغرافي واتجاههم السياسي وانتمائهم الوطني.واللافت أيضاً أن هذه الصفحات انقسمت بين مهلل ومزمر لسفهاء المعارضة وبين ملتقيات أدبية ممتلئة بالعاطفة الوطنية المشروعة ، ومن يتجاوز الحائط المرسوم أو الغايات المحددة لهذه الصفحات ترفع بحقه البطاقة الحمراء ويطرد من “اللعبة ” كما قال أحد الأدباء. وليس هذا بيت القصيد ،فمع انتشار ظاهرة الملتقيات الأدبية الإلكترونية وتكاثرها الملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك،تصبح أسئلتنا التالية مشروعة،فهل تشكل هذه الملتقيات بديلاً عن المقاهي الأدبية التقليدية الكلاسيكية العابقة جدرانها برائحة الأدب والأدباء وصوت القصيدة وأنغامها، والحضور الحسي لروادها؟وهل تمحو هذه “الظاهرة الأدبية” من الذاكرة تلك المقاهي الأدبية الشهيرة بشهرة روادها وأدبائها والتي شكلت فيما مضى مراكز ثقافية تفخر بها الذاكرة الأدبية والثقافية؟أم أن هذه الملتقيات الإلكترونية ليست إلا تفريغ شحنات وفقاعات صابون غير مثمرة ، تفتقد المصداقية..كما أدلى بعض الأدباء…
افتراضيون ومترفون
الأديب والكاتب والصحفي عدنان كنفاني أكد أن المقاهي الأدبية الإلكترونية التي بدأت تنتشر وتتكاثر وبخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي /فيس بوك وغيره/لايمكن أن تكون بديلاً عن المقاهي الأدبية الكلاسيكية، إذا صح التعبير، فهي بالأساس لاتملك ذلك الحضور الحسي بل مجرد شخوص افتراضيين بل ومترفين كل في مكان وموقع وظروف وبيئة، لا أعتقد أن تكون بينهم أي صفة جمعية أو حتىاجتماعية، الذي يجمعهم فقط ذلك الفضاء الافتراضي الذي لايمكن أن يحمل ذلك الإحساس بالكلمة والموقف والنظرة والحركة التي تبدو واضحة وجلية في المقاهي الأدبية.وأضاف الأديب كنفاني أن أكبر الأدباء كان منطلق انتشارهم محلياً وعربياً وعالمياً من خلال تلك المقاهي الحقيقية والتي أصبحت مشهورة بشهرة روادها وعطاءاتهم ، ولاننسى أن تلك المقاهي كانت السباقة في فرض تجمعات للأدباء مثلت خلال فترات طويلة جداً وفي كثير من الدول العربية ،الرواد في مجال الأدب “مصر وسورية والعراق ولبنان وغيرها”،مثلت مراكز ثقافية بصفة أصلية وخرجت بالتالي المشاهير في المجالات الأدبية وأصبحت علامات دالة على موقعها ومكانها والممثلين فيها، ومازالت حتى يومنا هذا تمارس وتشارك في خلق القامات الأدبية الواعدة.وتابع الكاتب والصحفي كنفاني قائلاً :كانت تلك المقاهي الأدبية مدارس يلجأ إليها كل طالب علم، يسمع ويستمع ويتعلم ويشارك ويلقى التشجيع ويفخر بأنه تخرج من تلك المقاهي الرائدة. ويأسف الأديب كنفاني فهذه المقاهي الإلكترونية _برأيه_لايمكن أن تصل إلى تعميم هذه المشاعر والأحاسيس إذ لايمكن لفضاء افتراضي أن يعبر عن حالة حسية ناهيك عن نزعة الأنا وحب الظهور التي أتاحت ومن خلال المقاهي الإلكترونية لكثيرين ممن لا يملكون القدرات الأدبية لفرض حضورهم الافتراضي ما استدعى بالتالي ابتعاد المتمكنين من الأدباء عن الجو فاقد الدفء..

فاقدة للحميمية والحوارات الجدية
بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بسبب أجهزة التواصل،انحسرت أو كادت تنحسر تلك المقاهي الأدبية أو على الأقل أصبحت قاصرة على أعداد قليلة من الأدباء الذين تجمعهم مدينة واحدة من حيث السكن والإقامة.هكذا بدأ حديثه الشاعر أحمد محمود حسين وأضاف:رغم أهمية هذه المقاهي وماقدمته للإبداع في العقود الماضية من عوالم مشرقة وأفكار نيرة إلا أنها الآن ماعادت قادرة على التأثير في الحركة الأدبية بتلك القوة منذ عقود..وأوضح الشاعر حسين أن أجهزة التواصل /الفيس بوك وغيرها/لن تكون البديل الأفضل لأن الصداقات على تلك المواقع تفتقد إلى الحميمية في العلاقات وعدم القدرة من خلالها على إدارة حوارات جدية بين أشخاص افتراضيين تتنوع آراؤهم ومشاربهم الفكرية حسب توزعهم الجغرافي والسياسي.ويرى الشاعر حسين أن تلك المواقع على أهميتها لاتقدم الشيء الكثير للأدب .
واكتفت الأديبة أميمة إبراهيم إبراهيم بالقول: إن المقاهي الإلكترونية الأدبية لن تكون بديلاً حقيقياً عن المنتديات الأدبية التي نعرفها ، هي فقط محطة ما، استراحة ما، في زمن قد يصعب فيه التلاقي نتيجة مانحن فيه من وجع وقهر وشعور بعدم الأمان والاحباطات . وأضافت الشاعرة إبراهيم أنا مع هذه المقاهي كحالة بديلة فقط، ولاتغني عن التواصل الحي مع قصيدة يلقيها شاعر أو قصة يسردها قاص،هنا للكلام طعم آخر حتى اللغة تحلق عالياً وعالياً ويزداد إحساسنا بالكلمة المسموعة وتقترب الأرواح من بعضها .

تفتقد إلى المصداقية
الروائي والكاتب المسرحي علي ديبة بدوره قال:لاتشكل الملتقيات والمجموعات الأدبية الإلكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي،لاتشكل مصداقية أو مصدراً للثقة ، ولعلها في أحوال كثيرة تأخذ شكلاً مازحاً بعيداً عن جدية المعنى ، وفي أحوال أخرى لا تعدو الموضوعات أن تكون فقاعات صابون غير مثمرة ولامنتجة ولاتشكل اتصالاً مع جهة معرفية ذات شأن. وأضاف الكاتب ديبة كان لي تجربة مع عدة ملتقيات،وأحد هذه الملتقيات حجب المادة التي نشرتها بعد أقل من دقيقة معتذراً وكتب بالأصفر حرفياً: أنت تجاوزت الحائط المرسوم أو المحدد لغاياتنا، ولنا أن نتخيل-يقول الأديب-الحدود المعرفية وخواتيمها لأي موضوع نطرقه وكأن نهاية الأحكام النقدية المعرفية قد تجمعت عند هذا الأمر الناهي، ولأنني أصريت على كتابة مواد تحقق الهدف الحر المعارفي استبعدني نهائياً.وتابع الأديب هناك ملتقيات ممتلئة بالعاطفة الوطنية المشروعة لأن مايجري في سورية انتزع من النفوس كل الموازنات العقلانية والشكلانية وشحن العاطفة شحنات مشروعة قوامها العودة إلى بر الأمان المعتاد..وأوضح الأديب أن هناك مواقع وملتقيات لأسماء كانت تعمل في الأدب وأنا لاأسميها ملتقيات أدبية لأنها غدت مقوداً للشتائم لاسيما حين يدخلها من كان وطنياً ..

حاجة للتواصل والانتشار
الشاعر أيمن رزوق أوضح أن لوسائل الاتصال الحديثة دوراً في إنشاء علاقات بمواصفات خاصة ترمي لإيصال ماينتجه الإنسان المعاصر إلى الآخرين، وهذه حالة إنسانية خالدة متجددة تبحث عن حالة خلود ما أو تفريغ شحنات. وأضاف الشاعر : المقهى حميم وعنوان للتواصل ،نرتاده لنلتقي مع أنفسنا من خلال الآخر الذي يشبهنا أو لا يشبهنا ، نعرفه أو لانعرفه،شجره ومقاعده وكراسيه، وهو لصيق بنا نفسياً،قريب لدرجة أنه يصبح بعض الكلام وبعض القصيدة وبعض الأصدقاء ،العلاقة مباشرة والزيف فيها قليل وكذلك التمثيل السلبي. وأوضح الشاعر رزوق أن الملتقيات الأدبية الإلكترونية هي تجارب في الوسيلة ، لم تأخذ شكلها النهائي المستقر ، وفيها من عيوب النشر الإلكتروني المعاصر الذي دخل إليه القاصي والداني وأصحاب الأغراض الأدبية والحاجات التجميلية والتكميلية لنقص ما في شخصيتهم الاجتماعية-حسب رأيه-وبين هذا وذاك يأتي الأدب الحقيقي والأدباء الحقيقيون المتمكنون من الكتابة والصادقون فيما ينشرون ويملكونه تاليفاً وإبداعاً. وتابع الشاعر إن الملتقيات الأدبية الإلكترونية من حيث المبدأ جيدة وحاجة للتواصل والنشر والانتشار شرط أن يكون المشاركون حقيقيين كأشخاص وإنتاج ، ومع ذلك لن تصل هذه الوسيلة إلى حالة المقهى حيث ينقصها الإنسان الطبيعي برائحته وأخطائه العفوية وردة فعله وحزنه وفرحه وغضبه وختم الشاعر حديثه بالقول : هذه الظاهرة في بداياتها ومن الصعب الحكم عليها وسنشارك بها لأن مستواها مرهون بمن يشارك وكيف؟وتبقى المقارنة حتى الآن لصالح المقهى والعلاقات المباشرة …..