شبكة الإنترنت تصنع المعرفة والأفكار والابتكارات والعلاقات.. أيّ منهج يقود هذه الصناعة؟

شبكة الإنترنت تصنع المعرفة والأفكار والابتكارات والعلاقات.. أيّ منهج يقود هذه الصناعة؟

شعوب وعادات

الجمعة، ٤ أكتوبر ٢٠١٣

إذا أتيح لنا أن نتخيل أن جحا يتعامل مع الإنترنت، قد نكتشف أن جحا موجود في الكثير من البيوت والمجتمعات، وأن تعامل الكثيرين مع الشبكة العنكبوتية، لن يختلف عن تعامل جحا، وقد لاتسعفني الكلمات التي تصور هذه الحالة.
في فيلم كرتوني نشر على الـ «يوتيوب» بعنوان «جحا والإنترنت»، يقول جحا لحماره إنه سيرسل رسالة لصديقه من خلال الكمبيوتر، فيجيبه الحمار: وهل هناك حمام زاجل في الكمبيوتر؟ وعندما يقول جحا لحماره أنه سيتحدث إلى صديقه الذي لايعرفه على الإنترنت، يستغرب الحمار ويجيب: كيف تقول إنه صديقك وتقول في الوقت نفسه أنك لاتعرفه.
 تحدي الإنترنت
 لم يكن سهلاً دخول الإنترنت إلى عالمنا بشكل مفاجئ، من دون أي تحضيرات أو معايير أو استعداد نفسي وتربوي، ما انعكس اضطراباً ليس على الأطفال فحسب بل على الأهل والمعلم في المدرسة والبيئة بشكل عام.
 في شبكة الإنترنت قضايا مفيدة جداً وفيه أيضاً معلومات مثيرة، وحوافز لاتعد ولا تحصى، تجعل اهتمام الطفل بها يتجاوز كل حدود.
 وفي الإنترنت قضايا سلبية أيضاً مثل قصص العنف والمفردات البذيئة والمشاهد الإباحية وملفات عن تناول الكحول والمخدرات وعادات سيئة كثيرة.
 وبين ماهو إيجابي وما هو سلبي يقع الطفل في فخ لا يمكنه الخروج منه بسهولة، فهو من ناحية يريد التعامل مع الإنترنت كمنفذ حضاري معاصر ينسجم مع تطلعاته، وكبوابة ثقافية علمية تتيح له الاطلاع على كل شيء، وفي الوقت نفسه يريد الابتعاد عن الهجوم المباشر من المكونات السلبية، التي قد تفقده صوابه، فيبحث عن دور للأهل والمعلم والمجتمع، يخفف عنه العبء، ويتيح له تحقيق طموحاته.
 - فعاليات توجيهية
 - دور الأهل والمدرسة
 - الإنترنت وإبداع الطفل
 - تطوير الاستيعاب العلمي
 إدارة العلاقة
 نعود إلى قصة جحا والإنترنت ونطرح الأسئلة نفسها التي طرحها عليه حماره ولاسيما فيما يتعلق بالحمام الزاجل في البريد الإلكتروني، وصديق جحا على الإنترنت (الذي لايعرفه).
 هذه الأسئلة ليست مجرد طرفة، إنها حقيقة واقعة، وهي تتكرر في كثير من البيوت والمدارس، وحتى بين الأطفال أنفسهم، وتالياً فهي بحاجة إلى تحليل ومتابعة، أي أن تجاهلها يخلق الكثير من المتاعب.
 إذاً، نحن بحاجة إلى إدارة منهجية للعلاقة بين الطفل والإنترنت، تختفي فيها الأساليب الارتجالية والمزاجية وردود الأفعال.
 من الخطأ مثلاً أن نمنع الأطفال عن الإنترنت، ومن الخطأ أن نتركها تنهش من أفكارهم وتتلاعب بعقولهم، ومن الخطأ أن نُبعد هذه التقانة الحديثة عن الاستثمار الإيجابي، الذي يرفع من مستوى الطفل العلمي ويتيح له مصادر جديدة في طرق التعلم الذاتي والتفكير الحرّ.
 العلاقة الانتاجية
 تعدّ شبكة الإنترنت معملاً كبيراً لصناعة المعرفة، وتالياً معملاً منتجاً للأفكار والمواقف والسلوكيات والابتكارات والعلاقات.
 كل واحد من هذه المنتجات، هو بحاجة إلى التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم، وهذا يعني أيضاً أنه بحاجة إلى التنسيق والتعاون والتكامل.
 إذاً، نحن أمام مسؤوليات كبيرة، تقع على عاتق الأهل والمدرسة والمؤسسة التعليمية بشكل عام وحتى على المربين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس التربوي والجهات الوصائية المختلفة، وهذا ما نفتقده حتى هذه اللحظة، وما هو أخطر من ذلك، أن أي من هؤلاء لا يشعر في كثير من الأحيان بالمسؤوليات المنوطة به، فيتعامل مع الموضوع بحيادية ولا مبالاة.
 الإدمان
 إحدى أخطر الحالات السلبية التي نواجهها في تعامل الأطفال مع الإنترنت، هي حالة الإدمان، التي يعاني منها الكثير من أطفالنا، ولاسيما في مجال التعامل مع الألعاب الإلكترونية، ومع المواقع التي تستلب ذهنية الطفل عبر الإغراءات والإثارة وما إلى ذلك.
 ثمة من يقول: إن الإدمان على الإنترنت هو أخطر من الإدمان على المخدرات، لكن ذلك لم يكن له أي وقع في حياتنا وعلاقاتنا مع أطفالنا، سوى التجاهل والإهمال.
 إدمان لا يقلق الأهل
 بعنوان «إدمان الإنترنت» صدر كتاب عام 2010 من تأليف الطبيب النفسي الفرنسي ميشيل أوتفُي والدكتور دان فيليا دكتور نفسي في عدة مستشفيات في باريس ومسؤول في عدة مراكز نفسية علاجية في فرنسا.
 الدكتور ميشيل أوتفُي مؤسس لمركز «إماجين» في فرنسا لعلاج المدمنين، الكاتبان هما أول من أشار إلى وجود عنصر الإدمان في الإنترنت وأول من كتب عن نظرية إدمانه من دون مخدرات سواء للبالغين أو للأطفال. وعدّا أن هذا النوع من الإدمان مُعترف به من المجتمع بعكس المخدرات، فهو لا يُقلق الأهل ولا يصدم المجتمع. ويريان أن إدمان النت أحد فروع الأمراض النفسية والعقلية.
 يقول الكتاب: إن المجتمع المعاصر أصبح نشيطاً في الهرب من الواقع، من الملل والإحباط والإنترنت ساهم في هذا الهرب. فعالم الإنترنت عالم سهل الوصول إليه والسيطرة عليه وتغييره.
 المشكلة تكمن في وجود عنصر الإدمان، وإدمان النت ضار للكبار والصغار على حد سواء ويتفاقم بالنسبة للصغار بسبب نظرة الأهل الإيجابية له.. ويرى مؤلفا الكتاب أن هذا الإدمان حديث ومن دون مخدرات ومقبول، فالمجتمع لا يقبل الإدمان الذي لا تمكن السيطرة عليه أو الذي يشكل خطراً عليه لذا يتم تجاهل إدمان النت أو عدم التعرف عليه.
 أطفال التواصل الاجتماعي
 أوضحت دراسة نشرت على شبكة التواصل الاجتماعي أن ملايين الأشخاص الذين يسجلون عبر الشاشة لأجل الصداقة، أطفال من عمر 8-17 سنة، أي أن أجزاء بأدمغة الأطفال تبدو مُهددة وهي ممارسة لا يمانعها الأهل لأنهم يشعرون بالأمان لبقاء أولادهم في المنزل بينما يجد الطفل كامل حريته عبر الشاشة.
 وتشير الدراسة إلى أن مشتركي الفيس بوك يعبرون عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل دقيق، وهم بذلك يمنحون كمية كبيرة من خصوصيتهم للآخر، بالرغم من أنهم قد لا يعرفون الشخص الذي يتحدثون إليه في الحقيقة بل يتحدثون لمجرد صورة ومعلومات شخصية قد تكون حقيقية أو زائفة، وهو عالم خيالي يمكنك به ان تكون من تشاء ولكن ليس بالضرورة أنت.
 هكذا كان يقصد حمار جحا في سؤاله عن الصديق الذي لايعرف صديقه... من دون أن يجد من يجيب.