هل بإمكان الإنسان الوصول إلى الشخصية الكمالية؟! … التردد والحيرة تعد راعياً رسمياً بحياته مما يتداخل مع إنجازه للمهام

هل بإمكان الإنسان الوصول إلى الشخصية الكمالية؟! … التردد والحيرة تعد راعياً رسمياً بحياته مما يتداخل مع إنجازه للمهام

شعوب وعادات

الثلاثاء، ٢٦ مارس ٢٠١٩

متردد في اتخاذ قراراتي… أجد نفسي حساساً جداً اتجاه النقد، أحياناً أتجهُ بذاتي إلى الجلد أو إلى ذوات الآخرين، هل أكون من الأشخاص الساعين إلى الكمال، هل تلازمني الكمالية العصابية، وهنا سنتعرف عزيزي القارئ على هذه الحالة ومجرياتها.
الكمالية كما عرفها علم النفس: هي سمة شخصية تتسم بكفاح الفرد لبلوغ الكمال ووضع معايير عالية جدًا للأداء، يصحبها تقييمات نقدية مبالغة للذات ومخاوف من تقييمات الغير، والأفضل تصويرها على أنها صفة متعددة الأبعاد، حيث اتفق علماء النفس على اشتمالها على العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية، وفي صورتها السيئة التكيف، تدفع الكمالية الأفراد لمحاولة تحقيق المثالية التعجيزية، وقد تدفعهم كماليتهم التكيفية في بعض الأحيان إلى الوصول لأهدافهم وفي النهاية يستمدون الشعور بالسعادة من فعلهم هذا، وعندما لا نستطيع بلوغ الكمالية كما خططنا لها، كثيراً ما تصيبنا الكآبة.
 
مقياس الكمالية العصابية
للكمالية مقاييس وعلامات، يمكن من خلالها معرفة الشخص الكمالي دعنا نقرأ عنها.
لا يشعر الشخص الكمالي بالثقة فيما يعمل أبداً، لاعتقاده أن هناك دائماً ما هو أفضل، لا يشعر الكمالي بالرضا عن نفسه إلا عندما يبهر نفسه ومن حوله.
الشخص الذي يعاني من الكمالية العصابية يكون مدمناً على العمل، فهو يؤمن أنه لا كسب من دون جهد وأن معاييره العالية هي التي تحقق له هذا الإنجاز.
غالباً ما يعاني الشخص الكمالي من حالة الخوف من الفشل، أو انتقاد الآخرين أو رفضهم له.
يتميز الشخص الكمالي بشدة انتقاده للآخرين، فهو يرفض في الآخرين ما لا يستطيع تقبله في نفسه.
الكمالية العصابية تجعل الشخص يحاسب نفسه بشدة، حتى على أبسط الأمور أو الأخطاء، ونجده يجلد نفسه على الرغم من يقينه أن هذا الأمر لا ينفع.
يحب أن يكون دائماً قوياً ومتحكماً، وهذا ما يمنعه من الانفتاح على الآخرين.
غالباً ما يكون الشخص الكمالي اندفاعياً عند توجيه أي نقد له.
أحياناً يفرح الشخص الكمالي من فشل الآخرين، لأن ذلك يشعره بالتفوق عليهم.
يمضي الشخص الكمالي وقت فراغه بالتفكير بما عليه القيام به، فهو لا يستطيع الجلوس وأخذ قسط من الراحة.
يمتلكه الولع الشديد بالتنظيم.
التردد والحيرة تعد راعياً رسمياً بحياته، مما يتداخل مع إنجازه للمهام، ويدعم استمرار القلق حتى بعد الإنجاز.
هل لي بلحظة سؤال؟
هل هناك شبه بين الكمالية العصابية والوسواس القهري؟
إليك الجواب هناك جوانب مشتركة وجوانب تتشابه، أول وأهم فارق أن الأفكار المصاحبة لهذا الاضطراب ليست مجرد مخاوف زائدة بشأن مشاكل حقيقية في حياة الفرد كما هي في حياة «الكمالي»، فالكمالي قد يحافظ على نظافة أرضية منزله بشكل قد يبدو مبالغاً فيه، كي يستطيع تناول الطعام الذي يسقط عليها، أو يرغب في رؤية أغراضه مرتبة بصورة معينة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه مصاب باضطراب الوسواس القهري.
أما مصاب الوسواس القهري فإن وساوسه وسلوكياته القهرية تؤثر على جودة حياته، وتسيطر عليها، ووجود هذه الوساوس والسلوكيات القهرية يسبب له الضيق الشديد، ولكن كل محاولات المقاومة تبوء بالفشل، والاستسلام للأفعال القهرية لا يؤدي إلى الراحة.
حسناً من سياق ما أوضحتِ عن الحالة الكمالية هل أحدث العلم أي علاج لتلك المسألة؟
طبعاً…. ما زلت الأبحاث والعلوم تناشد حلاً ومساعدةً سريعة للكماليين لمساعدتهم على تجاوز الموضوع وعليه وصل العلم إلى طرق علاج الكمالية ونصائح للتخفيف من الكمالية.
علينا بداية تحديد أهدافنا والتي ستدفعنا حتماً لبذل أقصى ما لدينا لتحقيقها، لا أن نفكر فيها بشكل سلبي، ومن اللطيف أن نحاول تفويض بعض المهام للآخرين، ممن نثق بهم من حولنا وعدم القيام بأبسط الأشياء بأنفسنا.
لا ضرر أبداً من تقدير نجاحات وإنجازات، من خلال تقييم ذلك مع أنفسنا، لا مع الآخرين.
التوقف عن التفكير بطريقة الأقطاب، والأبيض أو الأسود لا بأس بقليل من الرمادية…
كلماتنا القاتلة… كم من كلمة تحدثنا بها من ذاتنا وكانت مميتة وسامة لذلك وجبت محاربة المفردات السلبية، كوصف الذات المستمر بالفشل والغباء، بل علينا تحديد الجانب الذي فشلنا فيه، ونقاط القوة لدينا، والعمل على إصلاح نقاط الضعف عندنا.
اتباع أسلوب النقاش والسماع من الآخرين، دون لوم أو نصح، مما يساعد في التماس الأعذار لهم.
حاول إعادة السلوك إلى المسار الصحيح، وتحويله إلى المقبول اجتماعياً والراضي والمرضي نفسياً وشخصياً، ولكن في حال فشلنا في ذلك، فلا بد من الاستعانة بأصحاب الخبرة والاختصاصيين، لطلب المشورة منهم وجعلهم الطرف المحايد في حياتنا.
إذاً هل أفهم منك أنه لا داعي للسعي إلى النجاح والتفوق؟
وهل من الممكن أن يتحول هذا السعي إلى مشكلة نفسية قد تحتاج إلى وجوب مختص نفسي؟
مؤكداً لا… فهناك فرق كبير وشاسع بين السعي إلى النجاح والتفوق وبين الكمالية العصابية…
دعني أوضح لك الأمر عزيزي…
الفرق بين الإتقان والسعي إلى الكمال:
قرأت اقتباساً للموسيقار الإيطالي ( فيردي) يقول فيه: «سعيت طوال حياتي كموسيقي للكمال، إلا أنني لم أنله أبداً، لذلك كان لزاماً على أن أقوم بمحاولة أخرى. « يقصد (فيردي) أن سعيه الدؤوب للكمال هو ما دفعه دوماً لأن يستمر ولا يتوقف عن المحاولة، حتى نتج عن ذلك أن يكون أحد أعظم موسيقيي الأوبرا في تاريخنا ويقدم لنا أعمالاً أوبرالية مدهشة.
إن الإتقان في العمل يشبع الرغبة في الوصول للكمال، حيث إن إتقان الشخص لعمله يعني أنه اهتم بجميع وأدق تفاصيله حتى وصل لمستوىً يماثل الجهد المبذول فيه، ناهيك أن الكمالية المثالية من صفات الذات الإلهية ولا تتناسب مع الطبيعة البشرية، من الأفضل أن لا نحرم أنفسنا من عظيم الإنجاز وبلوغ الأهداف والدقة العالية في تقديم الأروع ولكن… ليس على حساب طبيعتنا البشرية المسموح بها حتى لا ندخل كهف الغموض والعبثية ونصل إلى ما لا نهاية….
الوطن