العمل بعد التقاعد حاجة ومطلب أساس.. للتخلّص من الروتـين والملل ولتحصيل دخل مادي مساعد للراتب التقاعدي

العمل بعد التقاعد حاجة ومطلب أساس.. للتخلّص من الروتـين والملل ولتحصيل دخل مادي مساعد للراتب التقاعدي

شعوب وعادات

الأربعاء، ٢٣ يناير ٢٠١٩

دينا عبد:
دفعت الظروف وتكاليف الحياة الكثير من المتقاعدين للبحث عن عمل رغم بلوغهم سن التقاعد ولو براتب ضئيل للتغلب على تكاليف الحياة بعد أن واجهوا عدة مشكلات في تلبية متطلبات أسرهم وحاجاتها، إذ لم يعد الراتب التقاعدي يساعد على تلبيتها نظراً للغلاء الفاحش الذي يعانيه الجميع.
هناء معلمة متقاعدة، تقول: منذ حوالي ثلاث سنوات جلست في المنزل طوال هذه الفترة ومن دون عمل وأكدت أن الملل تسلل إليها وشعرت بأنها تعيش روتيناً قاتلاً، فكان الحل بالنسبة لها هو العمل في معهد خاص والتدريس فيه في مجال اختصاصها لتتخلص من حالة الملل والرتابة اليومية وتالياً للحصول على مردود مادي إضافي إلى جانب راتبها التقاعدي الذي بالكاد يكفيها عشرة أيام في ظل زوبعة الغلاء الفاحش.
أما أبو خالد الذي كان يعمل موظفاً حكومياً فيرى أن العمل بعد التقاعد ليس فقط سبيلاً للحصول على مصدر دخل إضافي على الرغم من أهميته، بل هو وسيلة للابتعاد عن الروتين القاتل، فالشخص المتقاعد يعكس حالته النفسية على أسرته فيجعلها تعيش معه نوعاً من الملل والاكتئاب، فجلوسه الطويل في المنزل قد يصيبه ببعض الأمراض.
من جهته، عبد الرحمن بين أن المشكلات تتفاقم على المتقاعد ويتحدث عن تجربته: إنني متقاعد منذ عشر سنوات وفي بداية التقاعد أحسست بارتياح نفسي وجسدي، ولكن مع مرور الوقت شعرت بأن الملل يتسلل إلى حياتي، فقد أضحى الراتب التقاعدي لا يكفيني وأسرتي فالمعيشة ومتطلبات الإنفاق والأسعار إلى ارتفاع، فما كان مني إلا أن عملت محاسباً في أحد المطاعم بدخل جيد إلى جانب راتبي التقاعدي لأواجه بذلك متطلبات الحياة.
الاختصاصي النفسي والتربوي- حسام شحادة أوضح أن فكرة عمل الشخص المتقاعد محكومة بعدة عوامل ومتغيرات شخصية واجتماعية واقتصادية، فمن الناحية الشخصية يعد عمل المتقاعد رهيناً لعدة احتمالات بعد التقاعد، أولها الملل من وقت الفراغ الطويل، وعدم وجود هدف محدد يسعى إليه المتقاعد، وثانيها يتعلق بالعوامل النفسية والانفعالية، فعمل الشخص المتقاعد يحقق له مستوى مقبولاً من استمرارية الشعور بالثقة بالنفس وتقدير الذات، وبأنه شخص مهم في مجتمع الكل فيه يعمل، ولا مكان فيه لغير المنتجين، فشعور المتقاعد بأنه عالة على الآخرين حتى في الظروف المادية الجيدة، يشعره بمستوى منخفض من تقدير الذات.
أما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فبيّن شحادة أن عمل الشخص المتقاعد قد يكون وسيلة لرفد الميزانية المنزلية بمدخول إضافي غير الراتب التقاعدي، وتحسين مستوى المعيشة، ولا سيما بالنسبة للأشخاص المتقاعدين ممن هم مسؤولون عن جميع أفراد الأسرة، وممن لديهم أبناء في المدارس أو في الجامعات..
مع أو ضد عمل المتقاعد
وفيما إذا كان مع أو ضد عمل المتقاعد بعد نهاية خدمته شرح شحاذة قائلاً: فكرة العمل بعد التقاعد نسبية، وتعود لظروف الشخص المتقاعد الثقافية والشخصية والاجتماعية والاقتصادية، وتحديداً نحن مع فكرة أن يمارس الشخص المتقاعد أي عمل يرغب به إذا كانت لديه المقدرة على تأدية هذا العمل، ولكون هذا العمل لا يتعارض مع مصالح المجتمع، أو أي فئة من فئاته الفرعية.
التقاعد المبكر
وفيما يتعلق بفكرة هل نحن مع فكرة التقاعد المبكر؟ ولماذا يطالب الناس بها بعد مضي فترة خدمتهم مع العلم أنهم لا يتجاوزون (الستين عاماً) أجاب شحادة: توجهنا ليس محصوراً بقبول أو رفض فكرة التقاعد المبكر، لكن توجه القبول أو الرفض يجب أن يكون محكوماً بثلاثة مكونات رئيسة للشخص الراغب بالتقاعد المبكر، المكون الأول: له علاقة بالنواحي الصحية، فهل الشخص طالب التقاعد المبكر ظروفه الصحية لم تعد تسمح له باستمراريته في العمل؟ وهل التقاعد المبكر سيكون مجدياً بالنسبة له وللمؤسسة التي يعمل فيها؟
المكون الثاني: مكون معرفي له علاقة بخبرة الشخص طالب التقاعد المبكر، فهل مستوى خبراته السابقة، وكفاءته في العمل، وندرة اختصاصه الوظيفي تمنعه من التقاعد المبكر؟، وما تكلفة الضرر المعرفي والمعنوي المترتبة على التقاعد المبكر لأحد العاملين أو الموظفين في مؤسسة ما خدمية أو انتاجية أو صناعية؟ أما المكون الثالث: فهو مكون مادي واقتصادي، فما الآثار المالية والمادية والاقتصادية على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد المترتبة على التقاعد المبكر لأحد الموظفين أو العاملين في مؤسسة ما؟.
كل تلك الأسئلة وغيرها لا بد من طرحها قبل اتخاذ الإدارة القرار بقبول التقاعد المبكر لأحد العاملين أو الموظفين لديها، فذلك مرده إلى مجموعة اعتبارات أولها قانوني، فقد تسمح بعض الأنظمة والقوانين للأشخاص الذين أمضوا عدة سنوات في العمل في القطاع الحكومي أو الخاص باللجوء إلى التقاعد المبكر رغم عدم وجود موانع صحية أو مالية، والثاني هو عوامل صحية تفرض على الشخص طالب التقاعد المبكر لعدم القدرة على إيفاء متطلبات العمل الموكل إليه.
فكرة المشاريع الخاصة
هناك عدة عوامل تقود الشخص المتقاعد مبكراً إلى تأسيس المشاريع الصغيرة، أولها: الضائقة المادية وعسر الحال وارتفاع مستوى المعيشة، وعدم كفاية الراتب التقاعدي لتلبية المتطلبات الأساسية للحد الأدنى المقبول لحياة كريمة، فيلجأ المتقاعد إلى تأسيس مشروع صغير ليدر عليه بعض الإيراد يمكنه من تلبية حاجاته والحاجات الأساسية المعيشية.
ثانيها: الرغبة في ملء الفراغ وشغل الوقت بأشياء فيها منفعة للمتقاعد والبيئة الاجتماعية المحيطة به، إضافة لسعي المتقاعد إلى تحقيق مجموعة من الأهداف على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، والتي تمكنه من الشعور بالأمن النفسي والثقة بالنفس والكفاءة الذاتية والاجتماعية والشعور بمستوى مرتفع من تقدير الذات..إلخ.
موانع اجتماعية من ممارسة أي عمل
يبدو الأمر في الحديث عن الموانع الاجتماعية نسبياً، ويختلف بين متقاعد وآخر بحسب البنية النفسية والانفعالية والمعرفية والثقافية والاجتماعية للمتقاعد، وبحسب ظروفه المادية والمالية والاقتصادية، وبحسب متغير الجنس أيضاً (عامل الذكورة والأنوثة) ومستوى ونوع الثقافة الاجتماعية والأخلاقية السائدة في هذا المجتمع أو ذاك.
فبعض الأساتذة الجامعيين لم يستسيغوا العمل إلا بالمهن الفكرية بعد التقاعد خشية استهجان المجتمع ممارستهم أي مهنة أخرى تتطلب جهداً عضلياً أو بدنياً… وفي العموم فإن نوع العمل الذي يتوجه إليه الشخص بعد التقاعد المبكر محكوم بمتغيرات شخصية واجتماعية وأخلاقية وقيمية وبأعراف وعادات وتقاليد يمارس فيها الشخص المتقاعد سلوكاً محكوماً بمكونات الدور والمركز… والفعل ورد الفعل الاجتماعي.
تشرين