علم النفس والطب والدين تحثّ على تلقيها.. فَمَنْ يمنعها.. تلقين الثقافة الجنسية في سن مبكرة.. حماية للأطفال وترتيب للعلاقات الطبيعية

علم النفس والطب والدين تحثّ على تلقيها.. فَمَنْ يمنعها.. تلقين الثقافة الجنسية في سن مبكرة.. حماية للأطفال وترتيب للعلاقات الطبيعية

شعوب وعادات

السبت، ١٩ يناير ٢٠١٩

فراس القاضي:
تضع المجتمعات الصغيرة والمغلقة، أو الشبه مغلقة، قواعد خاصة بها، وتفرض على نفسها تابوهات ومناهج حياة، تجهد بعد عقود أو قرون من الحياة وفقها، في تذكر مصدرها، ومن أين جاءت؟ فلا هي نابعة من الأديان، ولا من الأخلاق، بل مما كانت تفرضه الحياة وقتها. وتتحول هذه القواعد إلى أعراف اجتماعية يصعب خرقها جداً، بل إنها تكتسب عند روادها قدسية تفوق أحياناً قدسية النص الديني. يكفي أن تقول لأحد الآباء أو الأمهات: عليك بتلقين أولادك الثقافة الجنسية، ردة الفعل الأولى لن تكون منطقية أبداً، مع إنه ومع قليل من الشرح عن أهميتها، وما تقوم به من حماية للطفل من الاستغلال، سيقتنعون، لكن الأغلبية العظمى لا تنفذ ما اقتنعت به.
ومع ازدياد حالات التحرش بالأطفال التي فرضتها ظروف الحرب القاهرة من تهجير وتشرد وسكن في الحدائق والشوارع، لابدّ من الوصول إلى طريقة، تمنع، أو على الأقل تخفف من نسبتها، وحسبما أجمع عليه كل المختصين الذين سألناهم، فإن تثقيف الطفل ببعض المعلومات البسيطة عن نفسه وعن جسده، كفيلة بجعله يتخذ قراراً صحيحاً في كثير من الحالات التي قد يتعرض لها.
(تشرين) حاولت في هذا الملف الحساس، أن تحيط بالموضوع من كل جوانبه، فسألت الناس آراءها، واستفادت من آراء عدد من المختصين في مختلف المجالات صاحبة العلاقة بالموضوع.. والبداية مع الناس بالطبع.
 
ضروري لكن بشروط
عدد كبير من الذين طرح عليهم سؤال: هل أنت مع تدريس أو تلقين الثقافة الجنسية منذ الصغر؟ كان جوابهم بالإيجاب، لكن بشروط تنوعت بين تحديد العمر، وتحديد من مُلقن المعلومات، وبين السؤال عن الجهة التي ستزود المدرس أو الأهل بالمعلومات، لكن الأغلبية كما ذكرنا أيدوا الفكرة من باب أن على الإنسان تلقيها من جهة موثوقة بدلاً من أن يحصل عليها عبر الاستغلال أو رفاق السوء.
فقد رأى محمد الموسوي أن هذا الأمر مهم جداً، لأن هذه الثقافة في مرحلة عمرية ما، ستحميه من التحرش والاعتداء والاستغلال، وفي مرحلة تليها، ستساعده في التعامل مع التحولات الفيزيولوجية التي سيتعرض لها، وفي مرحلة متقدمة أكثر ستساعده في التعامل مع الآخر وفقاً للبيئات الاجتماعية المختلفة.
عبد الجليل الجراد لم يمانع، لكنه اشترط أن يتلقى الطفل هذه المعلومات بعد سن الثانية عشرة لكلا الجنسين، موضحاً أنه أمر مهم جداً، ويجب أن تكون المناهج موضوعة من قبل لجان متخصصة فعلاً، أما أيهم سليمان فأكد أن وجود الإنترنت بات يحتم البدء بذلك في المدرسة بشكل مبسط وجميل، ولكن تحديد العمر المناسب لهذا مسألة أمر صعب، فحتى في الغرب هم لم يتفقوا على هذا.
حسن سلمان أوضح أن الموضوع مهم، لكن الأهم في رأيه نشر هذه الثقافة عند الأهل حتى يستطيعوا التعامل مع هذه المفاهيم، فليس عند الجميع القدرة لتقبلها.
وركّز حسين محمود على ضرورة توعية الأهل أولاً حول الموضوع عبر ندوات ومقالات ومسلسلات، ولاحقاً تأتي المناهج الدراسية.
داليا عبد الكريم أكدت أن الثقافة الجنسية أمر مهم جداً، لكن مجمل احتياجاتنا الحالية جعلته موضوعاً ثانوياً، وأشارت إلى أن إدخال الثقافة الجنسية لمناهجنا يحتاج مجتمعاً أكثر وعياً، فالحرب – وللأسف – دمرت جزءاً كبيراً من الوعي الشعبي.
أما الاختصاصية الاجتماعية مي برقاوي، فأوضحت أنه في ظل ثقافة العيب والمحرم للمفاهيم الجنسية، والموروث منذ عقود، فمن الصعب ليس إدخال التربية الجنسية في المناهج، بل تطبيقها وانتشارها كنمط تربية، فهناك كثير من المعلومات والمفاهيم الجنسية الداخلة في المناهج ولكن تبقى ضمن الإطار العلمي المحدود وخاصة في مادة العلوم.
وأضافت برقاوي أن للأسرة الدور الأكبر في الطفولة المبكرة للتعريف بهذه المفاهيم؛ مفهوم الذكر والأنثى من حيث الخصائص البيولوجية في الشكل والأعضاء بأسلوب يناسب عمر الطفل، وباستخدام الألفاظ المناسبة ومن دون توتر.
ورأت البرقاوي أن دور المدرسة الأهم يأتي بالنسبة للطفولة الثانية، والتي تتصف بمرحلة البلوغ، مثل منهاج العلوم وما يتضمنه من دروس أعضاء جسم الانسان ووظائف الأعضاء التناسلية في التكاثر ودورة الحياة.. كذلك منهاج التربية الاجتماعية الذي في معظمه تربية أخلاقية يقدم مفاهيم لتشكيل سلوكيات إيجابية للعلاقة بين الأقران من الجنسين، وبشكل بعيد عن الميول الجنسية غير اللائقة أو مواقف التحرش سواء بين الجنسين أو الجنس الواحد، وقد تكون هذه المواقف نوعاً من الفضول أو الاكتشاف الذي هو من خصائص الطفولة وهذا أمر طبيعي.
وختمت البرقاوي بأن التربية كل متكامل، وتتطلب تكاملاً بين كل مقوماتها: مربٍّ- منهاج – إرشاد نفسي واجتماعي وبيئة إيجابية.
«الجنس» قسم بسيط من الحياة الجنسية
الاستشارية في العلوم السلوكية والتدخل المبكر ومديرة مركز قاسيون لتنمية الطفولة روعة كنج قالت: إن الثقافة الجنسية كمفهوم هي أوسع بكثير من مجرد الجنس الذي هو جزء بسيط جداً منها، فهي المشاعر، والتكاثر، والصحة النفسية، والجسدية، والتطور الذهني، والدور الاجتماعي القائم على الهوية الجسدية، وهي التشريح أيضاً.
وبيّنت أن الإنسان يبدأ بتلقي الثقافة الجنسية منذ ولادته بطريقة ما، مباشرة أو غير مباشرة، مدروسة أو غير مدروسة، فهو يتلقى شيئاً من الحب، ويتلقى شيئاً من العلاقات مع الآخرين، واللمس، والتعامل مع الحواس، وهذا كله يندرج تحت باب الثقافة الجنسية، وحين يكبر يتعرض للإرشادات ولتسميات لأعضائه التناسلية ولأجزاء جسمه بطريقة غير مباشرة، وذلك حين تقوم والدته بتغسيله أو بملاعبته، لكن عادة تكون الطريقة مبسطة جداً لدرجة أنها تكون غير سليمة، لأنه – وغالباً – تتم تسمية أعضاء الجسم بأسماءٍ شائعة، وهذا أول خطأ، والصحيح هو تسميتها بمسمياتها الصحيحة والدقيقة ليعتاد الطفل الاسم الصحيح ويستخدمه بطريقة صحيحة مستقبلاً، وفي عمر ثلاث سنوات يصبح الطفل فضولياً تجاه جسده وأجساد الآخرين، حتى عندما يستخدم ألعاب المجسمات، يكون لدى الطفل فضول تجاه أعضاء اللعبة التي يقوم المحيط بمحاولة تلهيته عنها، مع تسميتها بأحد الأسماء الخاطئة.
وفي عمر خمس سنوات، ينتقل الطفل إلى سؤال من أين وُلدنا؟ فيبدأ الكثير من الأهالي بتلقينه المعلومات الخاطئة، وأولها استخدام مصطلح بطن بدلاً من مصطلح رحم، وبالطبع هذا الكلام غير مُعمم، فهناك من الأهالي من يقومون بتلقين أبنائهم ثقافة جنسية على أسس علمية صحيحة.
تتابع كنج: وفي عمر 6 سنوات، ينتقل الطفل من سؤال (من أين) إلى سؤال (كيف؟)، كل هذه الأسئلة من الممكن الإجابة عنها بطريقة صحيحة، لكن يجب أن تكون مبسطة وقريبة من المخزون اللغوي عند الطفل، مع صور توضيحية سهلة وبسيطة.
في هذا العمر بالتحديد، من الممكن أن يتلقى الطفل هذه الثقافة، لأن السنوات السبع الأولى من حياة الإنسان هي أهم مرحلة عمرية، حيث يكون التعليم فيها سريعاً وراسخاً، ويستطيع خلالها تكوين مجموعة جيدة من المعارف ومن العادات السليمة، ويتم تحضيره بشكل صحيح لما هو قادم.
ماذا عن دور المناهج الدراسية؟
ولمعرفة وجهة نظر وإجراءات وزارة التربية، زارت (تشرين) المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، والتقت عدداً من العاملين فيه، فقال مدير المركز الدكتور دارم طباع: إن الثقافة العربية تختلف عن الثقافة الغربية في موضوع معالجة القضايا الجنسية، والسبب هو نمط التربية التقليدية في مجتمعاتنا، والتي تعدّ الكلام عن الجنس محرماً، لكننا نحاول عبر الثقافة العلمية أن نجعل هذا «المحرّم» جزءاً من الثقافة الطبيعية للطفل، وبدأنا منذ سنوات عبر مادة العلوم بتوضيح علاقات الحياة الطبيعية من خلال شرح تركيب الأجهزة في جسم الإنسان، وانطلقنا من أن التربية الجنسية في الأساس هي تعليم من أجل الحياة، لأن استمراريتها قائمة على الجنس، فأدخلنا موضوع التكاثر في منهاج الصف السادس، وبشكل مفصل: (أقسام الجهاز التناسلي– آليات التكاثر وغيرها)، لأنه منذ الصف السادس يجب أن تتضح آلية العمل الفيزيولوجي لتتضح آلية العمل الجنسي، بعد ذلك تأتي آليات التواصل والتعامل مع الناس، ثم في المراحل اللاحقة تُدرس الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، ثم العلاقات الاجتماعية، كل هذا مجتمعاً هو الأسلوب الذي نتبعه في مجتمعنا، أما التطرق للموضوع بشكل مباشر عن العملية الجنسية كما عند المجتمع الغربي فقد يؤدي إلى مفعول عكسي، وخاصة أن المعلم لا يمتلك هذه الثقافة.
وأضاف الطباع إنه عندما تمت محاولة إدخال فكرة عن استنجاد الطالب بأسرته إذا أحس بتصرف غير طبيعي من قبل أحد في منهاج الدراسات الاجتماعية، استاء الناس كثيراً، فكيف إن تم الحديث عن حالات تحرش جنسي أو مواقف جنسية؟
وعن التكامل بين المنهاج وأهل الطالب، أوضح مدير المركز أن التربية علاقة مترابطة مع الأهل، ومن المشكلات الكبيرة الموجودة ضعف الثقافة الجنسية عند الأهالي، إذ إن هناك الكثير منهم يقدمون معلومات مغلوطة بشكل مقصود للأبناء، ودور المعلم محدود أحياناً لأنه لا يعرف ما الذي يحدث في المنازل، فيخشى أن يعطي معلومة معينة ينقلها الطفل لذويه فتفهم بمعنى سيئ، لذلك لم تتطرق المناهج إلى تفصيلات الحياة الجنسية، بل أخذت التربية الجنسية من عدة مفاهيم، أولها التنمية البشرية (الإنجاب– البلوغ– التوجه الجنسي– الهوية الجنسية) كل هذا موضح في المناهج بشكل مفصل، ثم في الدراسات الاجتماعية تم توضيح العلاقات (علاقة الإنسان بالأسرة– الصداقات– العلاقات العاطفية) وكل العلاقات الطبيعية الموجودة في المجتمع درسها الطفل وحدد توجهاته تجاهها، ثم أوردت المهارات الشخصية مثل مهارات التفاوض ومهارات التواصل ومهارات اتخاذ القرار، وحالياً يتم تعزيزها أكثر من خلال إدخال المهارات الحياتية ضمن المناهج، إما بشكل مفصل، وإما بشكل جانبي كأنشطة تقوم بها المدرسة.
كذلك تم تعزيز دور المرأة بشكل كبير جداً، وفي كتب التربية الدينية، حاولنا أن نجعل الذكر والأنثى في كل الأمثلة، وذلك لتعزيز (الجندر) وهذا جزء من الثقافة الجنسية، كذلك عززنا موضوع التنوع، أي الحديث عن المجتمعات وتنوعها وتنوع ثقافاتها وعاداتها الاجتماعية ومن ضمنها آليات الزواج وعاداته، وكان للحديث عن الإعلام والتعامل مع الوسائل الإلكترونية الحديثة التي يحدث عبرها أكثر حالات الاستغلال الجنسي، حصة كبيرة، فقمنا بتوضيحها من خلال الدراسات الاجتماعية.
وفيما يخص الوالدين، رأى الدكتور طباع أنه يجب توافر مجموعة شروط لتكون المعلومات التي يقدمونها لأبنائهم مناسبة، ومنها التخلص من الأمثلة السلبية حول الجنس والتربية والجنسية، ووقايتهم من الانحراف، وخاصة أن وسائل الإعلام الالكتروني والإنترنت هي الجاذب الأكبر للصبية في هذه السن الحرجة، ما يتطلب إقامة حوار بين الأهل والأبناء وبث الثقة في نفوسهم، كذلك المعرفة العلمية بالجنس وثقافة التربية الجنسية والمعرفة العلمية بالخصوصيات والاحتياجات النفسية أثناء مراحل النمو والنضج.
وشدد الطباع على ضرورة الرد على أسئلة الصغار من دون توبيخ أو استهزاء، وأن تكون الردود حسب طبيعة المرحلة العمرية، ونوع الجنس (ذكراً – أنثى) وطبيعة الثقافة والعلاقات القائمة داخل الأسرة، إضافة إلى تشجيع الأبناء على طرح أسئلتهم ومشكلاتهم التي تهم حياتهم الجنسية والعلاقة مع الجنس الآخر بصراحة ومن دون خوف، وجعلهم يفهمون أن الأمور الجنسية طبيعية ومعرفتها أمر ضروري من أجل حياة جنسية وأسرية سليمة نفسياً وأخلاقياً، وأن اكتساب المعلومات بشكل صحيح في هذا المجال، هو أخلاق وقيم والتزام اجتماعي تجاه الجنس الآخر، ويفيد في بناء شخصية سوية ومتوازنة، بعيدة عن القلق والتوتر، وتؤسس لحياة زوجية سليمة ناجحة ومستقرة.
من جهتها، قالت راغدة محلا- منسقة الدراسات الاجتماعية في المركز الوطني لتطوير المناهج: رأينا في البداية أنه يجب تعزيز ثقة الطالب بنفسه حتى يستطيع رفض ما لا يريده، فبدأنا بموضوع تقدير الذات، وفي الصف الثاني، أدرجنا درساً يتحدث عن محاولة بائع إهداء طفل شيئاً ما، وكان جواب الطفل (سأخبر أمي)، ثم غيرناه إلى (سأتخذ قراري) ليتقبله المجتمع بشكل أفضل، ووضعنا أكثر من موقف قد يتعرض له الطفل هو وحده، وعملنا من خلال المناهج على أن يكون الطالب واثقاً من نفسه، ويستطيع التعبير عن مشاعره بشكل صحيح، والهدف تشجيع الطفل على الحديث في حال تعرض لأي موقف غريب. أما منسقة مادة علم الأحياء- غيداء نزهة، فأشارت إلى أن التربية الجنسية مفهوم كبير، يتناول الحديث عن تشريح الجهاز التناسلي لدى الذكر والأنثى، وتنظيم الأسرة، والصحة الإنجابية وتزويد الأهالي بالمعلومات العلمية الصحيحة ليستطيعوا الإجابة عن أسئلة أولادهم بشكل علمي صحيح.
وقد ورد في الصف السادس درس الجهاز التكاثري للذكر والأنثى، والابتعاد عن الزواج المبكر وشرح مخاطره، ومراحل النضوج والتغيرات الطبيعية التي سترافق جسد الذكر والأنثى، وفي الصف التاسع تحدثت المناهج عن الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس (إيدز– سفلس– زهري- سيلان) وفي مناهج البكالوريا، طورنا المعلومات وتحدثنا عن منشأ الجهاز التناسلي وغيرها من الأمور، والمدرسون يخضعون لدورات دائمة لإعطائهم كل جديد.
وأكدت نزهة أنه من الواجب تثقيف الأهل في هذه الناحية، وهذا دور الجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام. أما الصحة الجنسية، فتتعرض لها مناهجنا بالتفصيل، وهي من أفضل المناهج في العالم في هذا الموضوع.
أين المجتمع الأهلي؟
ومن حيث انتهى الحديث عن أهمية عمل الجمعيات الأهلية في تثقيف الأهالي من الناحية الجنسية، انتقلت «تشرين» إلى جمعية تنظيم الأسرة، إحدى أهم الجمعيات الأهلية العاملة في مختلف المجالات، ومنها التثقيف الجنسي، والتقت مشرف مركز الشاغور الدكتور عهد شهاب الذي أكد أن موضوع التثقيف الجنسي من صلب عمل الجمعية، وأن لديها منهاجاً خاصاً بالعملية التثقيفية، تتبعه وتعتمده في المحاضرات واللقاءات التي تجريها بشكل دوري مع الأهالي ضمن نشاطها التثقيفي للمجتمع.
وعن المنهاج المسمى (المنهاج الواحد) أوضح د. شهاب أنه مرجع يستخدم لتطوير منهاج دراسي موحد عن الجنسانية، النوع الاجتماعي، فيروس نقص المناعة البشري، وحقوق الإنسان، ويعتمد على نتائج الأبحاث العالمية حول المخاطر التي تهدد الصحة الجنسية، كذلك فهو يلبي متطلبات أهداف الألفية الثالثة للتنمية، كما يتيح مقاربة حديثة وعملية لتثقيف المراهقين والشباب في عالم متغير ومتنوع.
وعن مفهوم التثقيف الجنسي الشامل، قال شهاب: هو إمداد المراهقين والشباب بالمعلومات الجنسية الصحيحة علمياً وذلك لتكوين الاتجاهات والقيم الإيجابية واكتساب المهارات اللازمة لاتخاذ قرارات حرة ومسؤولة، ومبنية على معرفة فيما يتعلق بالحياة الجنسية والإنجابية، وهو عملية متدرجة (حسب تطور العمر) ومستمرة مدى الحياة وبأسلوب مناسب ثقافياً، ولكنها شاملة، أي تتضمن الأبعاد البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية والروحانية للجنس.
وشدد د. شهاب على أن الصحة الجنسية جزء مهم وضروري من الصحة العامة، وأن التثقيف الجنسي ضروري وحيوي لصحة جنسية جيدة، والشباب لهم الحق في الحصول على المعلومات والمهارات اللازمة التي تساعدهم في أن يتمتعوا بصحة جنسية جيدة قبل وبعد أن يصبحوا نشطاء جنسياً.
أما عن طريقة تقديم هذه المعلومات، فبيّن مدير مركز الشاغور أن المعلومات الجنسية يتم تقديمها للشباب بطريقة علمية وتربوية سليمة، لأن طبيعة مرحلة المراهقة الفضول الشديد والاحتياج للمعرفة، فإذا لم نقدم المعلومات للشباب بطريقة علمية وتربوية سليمة، سيحصلون عليها من أصدقاء السوء (المدرسة أو النادي أو الشارع) أو من الأقارب أو من أشخاص غير مؤهلين وكذلك من خلال الكتب أو المجلات أو المواقع الإباحية على الإنترنت التي تقدم معلومات غير علمية ومنحرفة عن الجنس وتشجع على الإثارة ولا تحترم دور الجنس في الحياة، وتؤدي إلى تشويه الجنس في ذهن الشباب ما يؤثر سلبياً في حياتهم وسلوكهم.
كما أنه مهم جداً لحماية المجموعات الحساسة من الشباب الأكثر عرضة لمخاطر الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن والأمراض المنقولة جنسياً والعنف الجنسي، ويساعد في تكوين اتجاهات وقيم سليمة ما يؤدي إلى اختيارات وسلوكيات سليمة لأنه يؤخر بداية النشاط الجنسي للشباب، ويساعد في الحماية من الانتهاك الجنسي والاغتصاب والعنف الجنسي، ويقلل من عدد الشركاء الجنسيين. وأضاف د.شهاب ان التثقيف الجنسي يساعد على الجنس الآمن، والذي بدوره يحمي من التعرض لمخاطر الحمل غير المرغوب به، ومن الإجهاض غير الآمن والعدوى المنقولة جنسياً، ويعزز الحوار والقرب والتفاهم داخل الأسرة، حيث إن التحدث في أدق الأمور بحرية وصراحة وانفتاح، يعد الشباب لحياة زوجية ناجحة وصحة جنسية وإنجابية أفضل.
وعن العمر المناسب للبدء بتلقي معلومات التثقيف الجنسي، قال د. شهاب إن التثقيف الجنسي لا يكون في سن محددة، بل يكون بالتدريج منذ السنوات المبكرة لمرحلة الطفولة، وحسب المراحل العمرية، وطبقاً لاحتياجات كل فرد، وكذلك طبقاً للتطور في مدارك الطفل، فليس من يبدأ سن المراهقة مثلاً كمن هو مقبل على الزواج بعد أيام.
لذا فإن تقديم الجرعات المناسبة من المعلومات للأبناء شيء مهم وضروري -حسب شهاب- حتى يجد الابن ردوداً عن تساؤلاته المتعلقة بهذا الأمر، وإلا سيطلبها من مصادر غير آمنة ومن خلال طرق غير مشروعة.
وختم شهاب بالتأكيد على أنه يجب أن يشعر الأبناء بأن مناقشة الأمور المتعلقة بالجنس شيء مقبول من قبل أولياء الأمور.
هل الدين مع التربية الجنسية أم ضدها؟
ولأن القلة الذين مانعوا الموضوع ورفضوه بشكل قاطع أرجعوا السبب إلى مفهوم (حرام)، توجهت «تشرين» إلى أصحاب الاختصاص، وسألت عن صحة حرمانية الموضوع، والتقت الشيخ محمد خير الطرشان- معاون مدير معهد الفتح الإسلامي وخطيب جامع العثمان في دمشق، فقال:
التربية الجنسية في الإسلام هي شكل من أشكال التوعية والتثقيف التي تمد الفرد بالمعلومات العلمية والخبرات السليمة المتعلقة بأمور التربية الجنسية في الإسلام، حسبما يسمح به نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي، ومواجهة مشكلاته الجنسية مواجهة واقعية، والتغيرات الجسمية التي يتفاجأ بها أبناؤنا على حين غفلة، والابتعاد عن التعلم الاعتباطي الكيفي عن طريق أحد أصدقاء السوء أو عن طريق التجارب الخاطِئة التي يقع فيها أولادنا عندما نبتعد عنهم، ما يؤهله لبلوغ التوازن النفسي والاجتماعي في مستقبل حياته الجنسية والإنجابية، وتؤدي إلى الصحة النفسية السليمة، وكل ذلك يتم في إطار التعاليم الدينية والأخلاقية نحو المسائل الجنسية. والتربية الجنسية في الإسلام تعني تهذيب غرائز الإنسان الجنسية والمتعلقة بالشهوة والغرائز الطبيعية الفطرية حتى تسير في مسارها المعتدل بلا إفراط ولا تفريط. وأكد الطرشان أنه لا ينبغي أن يعتقد المربون بحرمة الحديث عن القضايا المتعلقة بالجنس، وتعليم الأولاد الاتجاهات الصحيحة في ذلك، بل هو أمر جائز وضروري، وربما كان واجباً في بعض الأحيان إذا ترتب عليه حكم شرعي، كمعرفة أحكام الغسل من الجنابة والحيض والنفاس والطهارة والختان.
فالتربية الجنسية واحدة من أهم فروع التربية في الإسلام، وهي ذات أهمية في نشر الوعي الصحي والثقافي في المجتمع، من خلال تقديمها وفق أسلوب شرعي وتربوي وديني وعلمي يساعد أفراد المجتمع على فهم الجنس والمسائل المتعلقة به، ويمدهم بالخبرات الصالحة والاتجاهات السليمة وفق تعاليم الدين ومعايير وقيم المجتمع، ولا يمكن غض الطرف عن التربية الجنسية وإغفالها والتغاضي عنها بدافع الخجل والحياء غير المبرر، في زمنٍ أضحت وسائل الاتصال متاحةً أمام جميع أفراد المجتمع التي تفتح المجال أمام الجميع للتزود بالثقافة الجنسية وفق وسائل وأهداف غير محمودة العواقب، كما أنَّه لا يمكن إحالة التربية الجنسية إلى التربية السلبية التي تدعو إلى ترك النمو الجنسي والعاطفي ينمو بشكل طبيعي من دون تدخل من أحد.
فالتَّربية الجنسيَّة بهذا المعنى لا يقصد بها تعليم الجنس، بل توجيه كلا الجِنْسَين من منظور ديني وأخلاقي نحو المسائل الجنسيَّة، والتغيُّرات الجسميَّة التي تطرأ على حين غفلة.
تشرين