حضورها خجول.. المكتبات الجامعية ما بين وفرة الكتب وندرة القراء

حضورها خجول.. المكتبات الجامعية ما بين وفرة الكتب وندرة القراء

شعوب وعادات

الجمعة، ٧ ديسمبر ٢٠١٨

عشرات المكتبات تتبع للكليات المختلفة في جامعة دمشق، منها كلية الآداب، والفنون الجميلة، والاقتصاد، والعلوم، والطب، والإعلام، والشريعة، ومع ذلك فإن استطلاع آراء الطلاب يبيّن لنا أن قلة فقط قصدوا هذه، حتى إن بعضهم لم يسمع بوجودها، وهناك آخرون أكدوا لنا أنه لولا حلقات البحث لما فكروا بزيارتها، حيث إن الكثيرين يعتمدون على الأنترنت كمصدر أساسي وربما وحيد لإثراء معلوماتهم، رغم أنه يفتقد إلى الدقة والمصداقية كمرجع للبحث العلمي، وبعضهم يعلل انصرافه عن المكتبات لاعتماده على مكتبة الأسد الوطنية، حيث وفرة الكتب، وتحديثها المستمر، ونظام الفهرسة الدقيق الذي يتيح للباحث إيجاد ما يريده بيسر وسهولة، إضافة إلى الهدوء الذي لا يمكن إيجاده في مكتبات الجامعة.
ميادة، طالبة حقوق، تشتكي من أن مكتبة كليتها تحوي كتباً قديمة لا يتم تحديثها بشكل مستمر، كما أن موضوعاتها قليلة التنوع، أما منى، (رياض أطفال)، فتخالفها الرأي، إذ تعتمد على المكتبة للحصول على المصادر، والاطلاع على المعلومات التي يمكن أن تفيدها في دراستها، وتقول: “لقد وجدت فيها كل ما أحتاجه، صحيح أن معظم الكتب قديمة، إلا أنها قيمة للغاية”.
نظام الإعارة
اشتكى بعض الطلاب الذين التقيناهم من نظام الإعارة في المكتبات الفرعية، فهي لا تعمل بدوام كامل، ما يحتم على الطالب أن يوفق بين ساعات المحاضرات وساعات المطالعة، كما تشترط أغلب المكتبات من المستعير أن يترك هويته الشخصية طوال مدة الإعارة الخارجية، وهذا بحد ذاته يشكّل عقبة تجعل أي طالب يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على هذه الخطوة، “كيف أترك هويتي لدى الموظفة عدة أيام؟.. أنا لا أجرؤ على أن أخطو دونها خطوة واحدة”، لعل كلام لونا طالبة السنة الثالثة، (علم النفس)، يلخص ببساطة حالة الكثيرين!.
المكتبة المركزية
إضافة إلى المكتبات التي تخص كل كلية على حدة، تعد المكتبة المركزية في جامعة دمشق الأكثر ثراء وتنوعاً بموضوعاتها التي تغطي مختلف المجالات.
محمد، (طالب دراسات قانونية)، من بين الطلاب الذين يداومون على ارتياد المكتبة المركزية لأنها برأيه أفضل بكثير من غيرها من المكتبات، أما طالبة الشريعة ندى فهي تحصل على الكتب التي تحتاجها من أصدقائها، إذ تقول: “لم يسبق لي أن تعاملت مع أية مكتبة من قبل باستثناء مرة واحدة استعرت فيها كتاباً تعذر تحصيله من أي مكان آخر”، وتضيف: “لم تعد كليتنا تطلب حلقات بحث، لذا قلت حاجتنا إلى المكتبة”.
لولا حلقات البحث
يكاد يكون بالإمكان الجزم بأن الطلاب الذين يقصدون المكتبات على قلتهم يبحثون بالدرجة الأولى عما يساعدهم على استكمال حلقات البحث، أو مشاريع التخرج، وأنهم قلما يقصدونها حباً للاطلاع على ما هو جديد، ورفد معارفهم الجامعية، وهنا قد يسأل سائل: ماذا لو تخلت الجامعة عن المطالبة بحلقات البحث، هل ستجد هذه المكتبات من يرتادها، أم ستصبح بما فيها من كتب ومراجع فريسة للغبار والإهمال؟!.
لماذا لا نقرأ؟!
ظاهرة انحسار القراءة باتت أمراً معروفاً في الدول العربية، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال انخفاض النسخ المباعة من الكتب، ومحدودية توزيع الصحف والمجلات، (باستثناء صحافة الأزياء، والجرائم، والإعلانات، فهي مهما انخفضت تبقى مرتفعة إذا ما قورنت بغيرها!)، وكذلك قلة المشتركين المسجلين في المكتبات، والمراكز الثقافية، ويكفي أن نعلم أن معدل ما يقرؤه الفرد في الوطن العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط مقارنة بمعدل ما يقرؤه الأمريكي وهو 11 كتاباً، والبريطاني 8 كتب، كما تشير الإحصاءات إلى أن كتاباً واحداً يصدر لكل 12000 مواطن عربي في مقابل 500 لكل مواطن انكليزي!.. لا عجب إذاً والحال كذلك أن تعاني المكتبات الجامعية من قلة أعداد مرتاديها، فما الحل؟!.
بحثاً عن حلول
كثيرة هي الحلول التي يقترحها المهتمون لرفع سوية أداء المكتبات، منها تحسين الخدمات المكتبية بتوفير أجهزة التصوير، وإتاحة تقنيات الميكروفيلم، والميكروفيش، ورفد المكتبات بكل جديد، وربطها ببعضها البعض من خلال إنشاء فهارس موحدة تجمع كل المكتبات الجامعية السورية، وتوظيف كادر مختص من خريجي المكتبات والمعلومات، إضافة إلى الصيانة الدورية لمحتويات المكتبة، وتحديث الفهارس بشكل مستمر.
لكن هذه الحلول جميعها تبقى عديمة الجدوى إذا لم يجد الطالب في نفسه حافزاً ذاتياً يدفعه إلى القراءة، والبحث، والاطلاع، وهذا ما يقوده للتعمق والاستزادة من كل جديد في مجال اختصاصه، والمجالات الأخرى، فأي طالب جامعي ينبغي أن يكون بالدرجة الأولى قارئاً شغوفاً بالعلم لا مجرد متلق سلبي يسلم دونما تفكير بكل ما يرد في مقرراته الجامعية!.