بات أكثر حضوراً مشهد المرأة المدخّنة.. محاولة لتقليد الشريك.. وأنفاس متمردة تبحث عن الحضور

بات أكثر حضوراً مشهد المرأة المدخّنة.. محاولة لتقليد الشريك.. وأنفاس متمردة تبحث عن الحضور

شعوب وعادات

الجمعة، ١١ أغسطس ٢٠١٧

مشهد متكرر بات اليوم مألوفاً في الأماكن العامة والمقاهي الشعبية والمطاعم والمقاصف.. المشهد لفتاة ترتدي لباساً على الموضة، جزء منه جينز ممزق من الموضة الحديثة الدارجة حالياً، تسير بصحبة صديقاتها، وترتدي نظارة شمسية، لا تخفي الجرأة التي تبدو في شخصيتها، والقوة التي تتأطر في ملامحها.. تختار طاولة وكرسياً ثم تجلس، ترفع النظارة، تمد يدها لحقيبتها، وتسحب بأناملها علبة سجائر (سينيه) من نوع (إلغانس رفيع) تناسب أنوثتها، وبلطف أيضاً تسحب من العلبة (سيجارة)، تشعلها باليد الأخرى، تزيد من اشتعالها بشفاهها المطبقة على فلترها، وتنفخ دخانها في الهواء، مطلقة العنان لتمردها على المجتمع وأعرافه.

ومع انتشار المشهد على نحو متكرر في الأماكن العامة  فتيات أو سيدات مدخنات لسجائر أو (نراجيل)، يبدو للصورة من يقبلها، أو يرفضها، أو يقف موقف الحياد منها.

أنا حرة

تقول (بسمة)، وهي طالبة أدب فرنسي في كلية الآداب، أدخّن فقط..أنا حرة.. طعم السيجارة ومنظرها يعجبني، ولا أنتظر في المقابل أن أعجِب هذا أو يرفضني ذاك على أساس كوني مدخّنة، وليفسر المتقبلون والرافضون الأمر على هواهم، وكيفما أرادوا وأحبوا تفسيره.

وتتابع: التدخين عندي مجرد عادة – أعرف أنها سيئة – لكن مثلي مثل الكثيرين من الشباب والفتيات ارتضيتها لنفسي، وربما لن أتركها أو أقلع عنها قبل سنوات، هذا إن فكرت أصلاً في ترك التدخين، وبالنسبة لأهلي بالتأكيد لا أدخن أمامهم، ولكنني متأكدة أن أمي شعرت بابنتها.. ولم تظهر معارضة تُذكر، أما والدي في المقابل، فالله أعلم..(والله يستر)، وتضيف: لا أتذكر المرة الأولى التي بدأت فيها، ولكنني أستطيع القول:إن جو الامتحانات المتوتر كان يدفعني كل عام لرفع معدل (السيجارات) التي أدخنها حتى تجاوزت (الباكيت) في اليوم.

أسوة بالرجال

سيدة أخرى (رغدة) كانت بصحبة جمع من النساء اخترن طاولة في مقهى وبجانب كل منهن (نرجيلة)، اختلف مذاقها حسب (المعسل) المحشو في رأسها والتي اختارته كل واحدة منهن حسب ما اعتادت، قالت الآتي:

“آتي لهذا المكان مرتين في الأسبوع مع صديقاتي نطلب القهوة أو العصير مع نفس (أرجيلة) وندخّن، وأنا شخصياً تشدني رائحة النرجيلة ومذاقها، وأعتقد أنه مهما قيل وضُخِم في ضررها، فمرة أو مرتين في الأسبوع لن تجلب لنا الأذى (و.. بتمرق).

وتابعت: أخرج مع صديقاتي بعلم زوجي مع عدم ترحيبه المطلق بالأمر، ولكنه في المقابل يخرج للمقاهي مع أصدقائه (وما حدا أحسن من حدا)، نحن أسوة بالرجال نرى في عادتنا هذه إلى جانب كونها تسلية وترفيهاً، فهي مساواة لنا بالرجال.

أرفض الزواج بمدخّنة

“منظر يمكنني القول: إنه مثير للشفقة، وأكثر من ذلك.. للاشمئزاز، الفتاة المدخّنة في نظري إنسانة ضعيفة، تحاول القيام بما يلفت النظر وتنجح.. ولكن في الاتجاه الخاطئ”، هذا ما قاله (عامر) طالب في كلية الحقوق، وتابع: (ربما ونظراً لتكرار الصورة اليومية للفتاة المدخّنة لم أعد استثار غضباً عندما أراها، ولكنني نهياً وقطعاً أرفض الزواج منها).

أقبل ودون تحفظ

“مثيرة هي.. وجذابة، أرى في السيجارة التي تحملها تمرداً على الواقع، وجرأة في الشخصية”!.

الكلام المعاكس هذا جاء بحسب أدهم الطالب في كلية العلوم، وأكمل: “نحن اليوم في مجتمع بدأ يخرج عن عادته القديمة، في اللباس، في الطعام، في كل شيء، فلم لا نقبل بالفتاة المدخنة المتمردة على العادات والتقاليد، ونرتضيها كزوجة، أنا إن أعجبتني جوانب شخصيتها الأخرى أقبل ودون تحفظ”!.

صدق أو لا تصدق

ويتحدث أحد سائقي الميكرو الذين استطلعنا رأيهم عن قصة طريفة حدثت معه فيقول: بينما كنت في إحدى جولاتي على خط (المزة جبل)، وأقف بسيارتي وركابها أمام إشارة مرورية يطول الوقوف عندها عادة، رأيت على يسار الطريق سيارة تمسك مقودها فتاة يمكن القول إنها في العشرين من عمرها، الفتاة كانت تقود وتدخن، وهو أمر بتنا نراه كثيراً، وأصبح اعتيادياً بل ومألوفاً، ولكن غير الاعتيادي وغير المألوف أن الفتاة كانت تدخن سيجارتين في وقت واحد، وبطريقة لا يمكن لمن يراها إلا أن يقول إن هذه الفتاة إن لم تكن مجنونة فهي بحكم ذلك، أو هي في استعراض ذاتي لقدراتها على التدخين، ولو كنت صحافياً وأملك جهاز هاتف حديثاً لاحتفظت بصورة للمشهد الطريف!.

عادة وليست ظاهرة

الدكتور (معمر الهوارنة)، المدرّس في كلية التربية، قسم علم النفس، يقول بداية: “تدخين الإناث في مجتمعنا مع تعدد صوره لا يرقى لنتحدث عنه كظاهرة سائدة في المجتمع السوري، فالظاهرة بتعريف علمي بحاجة إلى أن تشمل وتمثّل ما نسبته 80% من المجتمع (الإناث في هذه الحالة)، ويمكن القول إن ما نراه لا يتعدى كونه عادة انتشرت في أوساط عدد كبير من الإناث”!.

ويكمل: “التدخين عند الأنثى تعود أسبابه لعوامل كثيرة ترتبط بالأسرة، والأصدقاء، وبحمى انتشار الفضائيات، كما أن لها صلة بالحالة الاجتماعية، والفهم الخاطئ، والرغبة في التقليد، وغير ذلك، وتفصيل هذه العوامل الآتي: فالأسرة بداية، (وهي الحاضن الرئيسي للفتاة)، لها حصة السبع في التأثير، إذ يؤدي وجود أب أو أم مدخنة فيها إلى انتقال هذه العادة باللاشعور إلى الأولاد، ومنهم الفتيات، إذ يقتدي الأولاد بآبائهم ويرونهم مثلاً أعلى، وتتطور الحالة في حال كانت الأسرة مفككة، وتعاني الخلل في نسيجها، وتزداد في حال وجدت الفتاة في وسطها الاجتماعي صديقات تتوافر فيهن صفات مماثلة، فيشجعن بعضهن ويدخلن عالم التدخين”!.

ويضيف المعمر: “لم يعد خافياً على أحد الدور الكبير الذي تؤديه الفضائيات بغرسها للقيم والمفاهيم في ذهن المشاهد، فتكرار صورة البطلة المدخنة في الأفلام العربية والأجنبية على السواء عزز الصورة، ودفع بإناث مجتمعنا المحلي إلى التقليد الأعمى لأبطالهن وبطلاتهن، بكل ما تقدمه صورهم من قوة وسيطرة، وكل ما تمنحه السيجارة في يدهم من هدوء للأعصاب، وتعديل للمزاج، وإزالة للهم والغم، وهذا أيضاً مؤشر للفهم الخاطئ لمن انتشرت عندهم هذه العادة”!.

جانب آخر للعادة يتمثّل في استقلالية الأنثى، وارتفاع مستواها الاقتصادي، وسبب أخير نذكره هو التمرد على الجنس الأنثوي، حيث ترى الفتاة ضعفاً في دورها كأنثى، وهذا التفكير نابع من الشعور أو التقدير السلبي للفتاة بذاتها، لذا تقلّد الشباب في عاداتهم!.

محمد محمود