التهوّر في قيادة السيارة... إنتحارٌ من نوع آخر

التهوّر في قيادة السيارة... إنتحارٌ من نوع آخر

شعوب وعادات

الأحد، ١١ يونيو ٢٠١٧

س. د. أم لشابين، أحدهما مولع بسيارته، تقول: «إبني مغرم بسيارته، يخاطبها بألفاظ كأنها حبيبته، وهو يميل إلى التهوّر والسرعة الزائدة في قيادتها. يقلقني جداً هذا الأمر، فأنا لا أريد أن أخسر ولدي بحادث سير طائش، فما العمل؟ كيف أعالج الأمر؟».
تقطف حوادث السير أرواح الشباب بشكل لافت أحداث تتوالى وتتزايد، بعمر الورود يُحرَمون الحياة، أو يتشوّهون، أو يصابون بإعاقات وأضرار جسدية يصعب تعايشهم معها. من أكثر مسبّبات الوفيات، حوادث السير، وغالباً ما تكون بسبب السرعة الزائدة، ولو كانت درجة السرعة أخف لتمكّن السائق من التصرّف في حال الطوارئ.

السبب؟

غالبية حوادث السير أسبابها نفسيّة، لدى مَن دفع إلى الحادث، بالإضافة إلى أسباب أخرى كثيرة قد تؤدي إلى التصادم أثناء قيادة السيارة. وللسرعة قوانين وأصول، كما أنّ مستوى السرعة المسموح به موجود على جوانب الطرقات، وذلك متعلق بنوعية الطرق، جغرافية المكان وظرف المرور به، كالرؤية مثلاً و»عجقة السير».

ولا شكّ في الدور الذي تلعبه قدرة السائق وخبرته في تجنّب الحوادث، «وغلطة الشاطر بألف غلطة». قيادة السيارة بسرعة زائدة سلوك متهوِّر واستعراضي لمَن يقوم به، ضارباً القوانين والعقل والمنطق والسلامة بعرض الحائط.

ليس قدراً أن يموت شبابُنا بسبب السرعة الزائدة والتهوّر، هو العنف والإنفعال والتسلّط، هو التفلّت والهروب، هو الفراغ العاطفي، وردود فعل على... وعلى... أمور لا يحتملونها، ولا قدرة لديهم على مواجهتها وتخطّيها، فتكون السيارة «فشّة خلق».

هواية ورغبة

لو كان الشاب يرغب بممارسة «التقليع» في أماكن مخصّصة لذلك، بمواصفات الأمانة والسلامة، فليقم بها، كهواية. فهذه الأماكن متوفرة في البلدان الأكثر تطوُّراً، ولا بأس بإقامة بعضها في لبنان. لكن هل يودّ الشاب الهاوي ممارسة هوايته في الأماكن المخصّصة فقط؟

إذا كان يريدها كهواية، لماذا يقوم بها على الطرقات العامة؟ لم أصادف يوماً لاعبي تنس يمارسون هوايتهم في أماكن غير ملائمة، معرّضين أنفسهم للخطر. فابقوا أحياء لحين إقامة مراكز خاصة لممارسة هوايتكم!

تعبير عن الذات

ينقل شبابنا إلى الشارع، عبر قيادة السيارات المتهوِّرة تلك النزعة الكامنة في مجتمعنا من تسلّط، وعنف وتكابر. كلّ منا يريد أن يكون القائد، الأذكى، الأقوى، المتميّز. لقد حملوا في أنفسهم عاداتنا وممارساتنا، والأخطر ما تعلّموه منا، كأهل، كمثل أعلى لهم، بالمشاهدة، فينتج عن الأب الذي يتلذّذ بالتهوّر والإستعراض في القيادة إبنٌ يقلّده، وفاءً له.

أداة لتفريغ الضغط النفسي والقلق

كلنا معرضون للضغوطات النفسية في حياتنا اليومية، في العائلة والعمل والعلاقات الإجتماعية، إلّا أنّ الموت خلف المقود ليس الحلّ، لذلك علينا الإنتباه لصحتنا النفسية من خلال ممارسة الرياضة، سماع الموسيقى، التسلية، الإسترخاء، وكل ذلك ليس ممكناً إذا لم نُكرّس له وقتاً محدّداً في اليوم، ساعة على الأقل. قد تكون الحاجة الملحّة للمال، أو الفشل في الحب، أو مرض شخص نحبه هو السبب، لكن هل الموت هو الحلّ؟

عطش للحب ولفت الإنتباه

يحاول الشباب باعتماد القيادة السريعة والمتهوّرة للسيارة التعويض عن عطش ما، لا بل إنه جوع للحب والإهتمام والرعاية، وربما ليسوا واعين لذلك. فالإهمال والتسيّب للأبناء قد يؤدّي إلى تلك الطريقة الإنفعالية. رجاءً، بعد أن تعوا بأنّ هذا هو السبب للسرعة التي تعتمدونها، دعكم منها، واستعيضوا عنها بالتعبير عن الحب، بالحوار، وإخراج ما بداخلكم من حاجات.

كما يقوم الشباب بتقليد سلوكيات أصدقائهم، وإثبات ذواتهم واستقلاليّتهم، من خلال السرعة. والجدير بالذكر أيضاً ما يشاهدونه من أفلام يتناقلونها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، تشجّع على ذلك.

أيها الشباب، السيارة وسيلة نقل، وتترتّب عليكم مسؤولية كبيرة أثناء قيادتها، وبالتالي ليس مسموحاً لكم استخدامها باستهتار بحياتكم وحياة الآخرين. أحبّوا حياتكم، وأنفسكم. إفتحوا قلوبكم للمستقبل الزاهر، للنجاح والحب، ولا تسرقوا البسمة من وجوه آبائكم وأمهاتكم.

أدعوكم للعودة إلى ذواتكم، للتفكير ملياً ولو لمرة واحدة بهدوء وسلام، فكروا بالخطر الذي يلاحقكم دون الشعور بالتحدي. إبتعدوا من الضجيج والصخب، إقصدوا مكاناً للصلاة، وفكّروا رجاءً، قبل فوات الأوان.

لماذا تقومون بذلك؟

لكم آباء وأمهات يحبونكم، يخطئون بحقكم، ربما، لكنكم امتدادٌ لهم. ثوروا، عبّروا عمّا في نفوسكم من غضب، نقمة، ألم، قلق وغير ذلك. حق لكم أن تعبّروا، لكن بطرق أخرى، بالكلام، بممارسة الرياضة، بالحبّ، بالرقص، بالبكاء أو بالغناء، عبّروا كما يحلو لكم لكن حذارِ أدوات الموت!

إخلقوا صوراً لمستقبل جميل وناجح، إصنعوا تلك الصور. تقبّلوا الفشل وتخطوه، إعترفوا به، أخرجوه منكم، حرِّروا أنفسكم وابدأوا من جديد. ليست القيادة المتهوِّرة رجولة، بل إنها غباء وحماقة، عنف وقتل للذات وللآخر. لا تنتحروا بوسيلة أخرى «السيارة»، بل كونوا مثالاً يقتدي به المحيطون.