تقليد وإيحاء يقود إلى الخروج عن المألوف.. النزعات والميول الداخلية.. تسلل رؤوس الشباب بهيئة “حلاق عصرية”..؟!

تقليد وإيحاء يقود إلى الخروج عن المألوف.. النزعات والميول الداخلية.. تسلل رؤوس الشباب بهيئة “حلاق عصرية”..؟!

شعوب وعادات

الخميس، ٢٧ أبريل ٢٠١٧

كنجم استعراضي بدا ذلك الطفل ابن الثماني سنوات وهو يقف مستعداً لالتقاط الصور من بعض الفضوليين الذين تجمعوا حوله بعدسات هواتفهم المحمولة بعد أن راقت لهم قصة وتسريحة شعره الغريبة: حين شاهدناه قرب أحد الأفران، لم نستطع أن نتجاوز تلك التسريحة الملفتة التي ترك له حلاق الشعر فيها الجزء العلوي من شعره فقط بعد صبغه بلون ذهبي، أما ما تبقى فتفنن فيه بزخارف ورسوم مختلفة رسمها له باستخدام شفرات حلاقة خاصة، كما قال الطفل حسام الذي شعر بأهمية خاصة بعد قصته تلك، رغم بعض الانتقادات التي وجهها إليه مدرّسوه، وأهله، وبعض الأصدقاء، إضافة لما دفعه من أجرة مرتفعة لقاء تلك الحلاقة، وهي كما يقول 2000 ليرة، ومع تعدد الحالات التي نراها لقصات وتسريحات الشعر الغريبة في المجتمع السوري، وتحديداً بين فئتي الأطفال والشباب، يبدو هؤلاء الأطفال والمراهقون ضحايا موضات غريبة بدأت تتزايد على نحو ملحوظ.

رغبة في التقليد

يؤكد بعض الشبان والفتية الذين تحدثنا إليهم أن التغيير جميل ومطلوب في قصة الشعر بين الحين والآخر، لذلك فهم لا يجدون حرجاً من قص شعرهم بطريقة تشبه ما يقوم به بعض لاعبي كرة القدم، أو بعض الفنانين والنجوم الذين يشاهدونهم ويفضلونهم، ولا يخفي أحد اليوم العلاقة بين متابعة الفنانين والنجوم ولاعبي كرة القدم، والرغبة بالتمثّل بهم وتقليدهم، ويقول عمار، وهو طالب في الصف السادس، إنه يرغب في الحصول على تسريحة شعر ملفتة، وقصة غريبة تشبه لاعبي كرة القدم، لكن والديه لا يسمحان له بذلك، كما أن المدرسة التي يدرس بها تحذر الطلاب من الشعر الطويل، في حين يؤكد علي ابن ثمانية عشر عاماً أن قصة الشعر مهمة بالنسبة للشاب، فهي تكون أحياناً سبباً لجذب الفتيات الجميلات إليه، ويقول: من الجميل متابعة الموضة، فالتغيير مطلوب دائماً، ولكن في المقابل تبدو هناك آراء أخرى رافضة لهذه القصات، إذ تعتقد ربة المنزل أم زياد أن الشباب الذين يقصون شعرهم بطرق غريبة هم أشخاص غير طبيعيين، وبحاجة إلى التوعية، في حين يقول السيد لؤي: إن هذه الموضة غريبة عن المجتمع، ولا تتناسب مع العادات والتقاليد في المجتمع السوري، في حين يجزم نبيل، طالب جامعي، بأن المظهر الجمالي الذي يجب أن يراه الجميع ليس في المظهر وقصات الشعر، ولكن في التصرف والسلوك والالتزام بالآداب العامة.

قصات غريبة

وفي صالة حلاقة تحدثنا مع أحد الحلاقين، يقول الحلاق أحمد إنه يقوم يومياً بالعديد من قصات الشعر المختلفة والمتنوعة، ويوضح بأنها كلاسيكية بمعظمها، لكن بعض الشبان أو الأطفال يرغبون أحياناً بتسريحات معينة وقصات حديثة وعصرية، فيقوم بتأديتها لهم، ويؤكد الحلاق أحمد بأن قصة شعرك تدل على شخصيتك، فهي إما أن تكون كلاسيكية وهادئة، أو عصرية صاخبة وتساير الموضة، وبشكل عام فالنمط الأغلب أو الموضة التي تنتشر اليوم بين الشباب هي ترك كثافة في الجزء العلوي من الرأس مع حلاقة الجزء الأسفل، لكن هذا الأمر يختلف باختلاف الشخص وما يناسبه، ويؤكد بأن هناك من يفضّل الشعر القصير للغاية، وهناك من يفضّل تخفيف الأطراف، ويستعرض ذلك الحلاق بعض أسماء القصات التي يقوم بتأديتها لزبائنه: قصة تدعى الموجة الأمامية التي تستوجب ترك الجزء الأمامي أطول مقارنة بباقي أطراف الشعر، واستخدام مستحضرات التجميل، ومثبتات الشعر لرفع الجزء الأمامي للأعلى قليلاً، وهناك القصة المملسة، والقصة الشبيهة بالصلع، وهناك التسريحة الجانبية، أو الغرة الطويلة، والقصات الأخرى التي تحدث بعض الحلاقين عنها قصات شعر اقترنت بفنانين عرب أو أجانب، مثل قصة “راستا” التي ارتبطت بالفنان العالمي “بوب مارلي”، وقصة الممثّل “حسن الشافعي”، أو قصات لاعبي كرة القدم مثل: “كريستيانو رونالدو”، و”ديفيد بيكهام”، ومن أسماء القصات الغريبة قصة “الموهوك”، يكون فيها جانبا الرأس محلوقين، وفي المنتصف يظل الشعر طويلاً، لافتاً إلى أن القصة ترجع لقبيلة من الهنود الحمر.

أسباب موجبة

ويوضح الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس الطفل في جامعة البعث، أن ما نشهده اليوم من انتشار واسع للاتصال الرقمي كالأنترنت، والفضائيات الكثيرة، ساهم إلى حد كبير في انتشار قصات الشعر الغريبة، وتبنيها من بعض أفراد المجتمع السوري، مؤكداً أن العالم قرية صغيرة يرى الجميع فيها بعضهم، ويقلّدون الآخرين من دون مراعاة خصوصية وهوية ودين كل مجتمع أو بيئة، وهذه كارثة، حيث إن التقليد للدول الغربية والمتقدمة في كل شيء يعتبر مصيبة تعرّض هوية هذا الجيل للضياع حين يصبح صورة طبق الأصل من العالم، ظناً منه أنه بذلك أصبح متقدماً ومتحضراً.

وبالعودة إلى قصات الشعر الدارجة بين الشباب، يؤكد د. إبراهيم أنها تأتي في إطار التقليد وإثبات الهوية بالنسبة للطفل أو المراهق الذي يرغب أن يكون محط الأنظار والاهتمام من قبل أهله وذويه وأصدقائه، وبالتالي يقوم بهذا التغيير ظناً منه أنه سيصبح محبوباً أكثر، وكذلك فإن هذه القصات تكون مطلوبة في سن المراهقة كنوع من لفت النظر للجنس الآخر، فيقوم الشاب بتقليد قصة لفنان مشهور في محاولة تقمّص شخصيته، وجذب الأنظار إليه.

محمد محمود