قراءة الفنجان.. تتخلى عن جلسات التسلية وتدخــل ميــدان المهنــة وكســب الــرزق!

قراءة الفنجان.. تتخلى عن جلسات التسلية وتدخــل ميــدان المهنــة وكســب الــرزق!

شعوب وعادات

الجمعة، ٣ مارس ٢٠١٧

“ستة فناجين من القهوة تم احتساؤها، وتحريكها بطريقة تجعلها قابلة للتبصير والتنجيم”، هذا ما كان يحمله الصندوق في إحدى شركات الشحن لسيدة أرادت إرساله إلى محافظة اللاذقية، وعند سؤال الموظف لها باستغراب عن عنوان المرسل له، جاء جوابها إلى “أم جورج”: وهل يعقل أن أحداً في بلدنا لا يعرف من هي أم جورج البصّارة التي تكشف الغيب من قعر فنجان القهوة، والتي لا يخطئ كلامها أبداً، فأم جورج ذات سنوات الخبرة الطويلة لم تعد تستقبل زوارها إلا بموعد سابق، وبأجر يرتفع مع ارتفاع سعر الدولار، لتصل قراءة الفنجان لديها إلى 15000 ليرة سورية، ولم تكتف أم جورج بقراءة الفنجان فقط، بل تعدّت المصلحة لتقرأ لك طالعك عبر تجاعيد كفك، أو حتى وجهك، والتي ترسم لك المستقبل الذي تنتظره، فالإنسان يدمن معرفة الغيب، ويقتله الفضول، ليسعى إلى كل من يأخذ بيده إلى أي شيء من خلف ستار الغيب، حتى وهو يعلم يقيناً أنه يسعى خلف أفق كاذب!.

تطور قراءة الكف

تنجيم الفنجان، والورق، والحجارة، وقراءة الكف، وترقب حركة الكواكب، كلها سلوكيات قديمة تعود لآلاف السنين، وتصب في بحر التنجيم والفلك الذي نشأ مع نشأة الحضارة الإنسانية، حيث بدأ الإنسان برصد مواقع النجوم والكواكب، وحساب الحركة المنظّمة للأجرام المختلفة لاستغلالها في التنبؤ بما قد يحدث له في المستقبل كأسلوب لطمأنة نفسه الخائفة دائماً من المستقبل، وفي رحلة بحثه عن كيان أكبر يتحكم بأقداره، وكانت تلك الحسابات هي الأشكال الأولى لعلم الفلك، ولكن قراءة الكف ظهرت لأول مرة في الهند، ثم عبرت الحدود إلى الصين، ومنها إلى مصر، فاليونان القديمة، والطريف أنها في كل حضارة كانت تكتسب ملامح خاصة تتناسب وطبيعة الشعب، وأشكال أجسادهم، ومع تقدم علم الوراثة، اهتم الباحثون بدراسة خطوط الكف، ودفعها إلى الاستمرار حتى عصرنا الحديث، وفي عام 1901 تبنت الشرطة البريطانية أسلوب طبع أصابع اليد في التحقيق الجنائي، والتعرف إلى الأشخاص، واكتشف باحثون طبيون روابط بين حالات الشذوذ الوراثية، والعلامات غير العادية في اليد، وكذلك أكدوا وجود علاقة بين مرض القلب وبصمات الأصابع.

انتظار المجهول

تعمل هذه الظاهرة على تغييب الوعي، وتعويد أفراد المجتمع على التواكل، وانتظار المجهول، ولكن اليوم، وللأسف بسبب الظروف التي نمر بها، أصبح معظم الناس يتعلقون بقشة أمل حتى ولو كانت مصنوعة من خطوط قهوة رُسمت في قعر فنجان قهوة نتيجة فقد الثقة بالمستقبل، والرغبة في كشف الغيب بكلام معسول ينسيهم هموم الحاضر، حسب رأي الدكتور همام عرفة، “أمراض نفسية”، ناهيك عن حالة كبيرة من الملل والفراغ  يعيشها الفرد الذي يجري نحو قراءة الأبراج بشكل يومي، والركض خلف المنجمين أينما وجدوا، ويلعب المستوى التعليمي والثقافي للفرد دوراً كبيراً، فكلما قل المستوى يصبح التأثير عليه سهلاً، وما نلحظه اليوم هو انتشار مخيف لهذه الظاهرة التي تجعل الناس يدفعون أموالاً طائلة ليعرفوا، ليكونوا بذلك طعماً جاهزاً للدجالين، ومن يلتفون حول القانون بغرض التكسب المادي بطرق غير مشروعة!.

وفي المقابل كان للدكتور عبد الرزاق المؤنس رأيه الشرعي في هذه الظاهرة التي وصفها بالدخيلة على مجتمعنا، والتي لا تحمل في ثناياها سوى الشرك بالله تعالى، فمن يعلم بالغيب إلا الله، وما هذه الظاهرة المستوردة إلا لزعزعة إيماننا، وللأسف فقد استطاعت أن تؤثر على الكثير من أبناء هذا الجيل المنساقين وراء الطعام الجاهز، والطالع الجاهز، لذا لابد من التذكير دوماً بقول الله: “قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله”، فالتنجيم هو عمل من باب الدجل، ‏والشعوذة، وخداع الناس، وهو خارج تماماً عن الإطار الشرعي ‏والإسلامي، لذا نحن مطالبون بالتسليم التام بقضاء الله وقدره، والذي هو الإيمان بعينه، ولا ينبغي أن ينشغل ‏المسلم بما في غيب وعلم الله تعالى.

ميس بركات