من أيام زمان الألعاب القديمة.. تُنمّي روح الجماعة..  تُحاكي البراءة بلغة المرح.. والتكنولوجيا سرقت الطفولة

من أيام زمان الألعاب القديمة.. تُنمّي روح الجماعة.. تُحاكي البراءة بلغة المرح.. والتكنولوجيا سرقت الطفولة

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٤ فبراير ٢٠١٧

“مسرور جداً لأنني قضيت طفولتي قبل أن تسود التكنولوجيا، وتسرق منا كل شيء، قبل أن تسرق كل الألعاب القديمة وذكرياتها السعيدة، والبهجة كنا نشعر بها حين نلعب مع الأصدقاء”، هكذا كان يتحدث وائل الشاب الثلاثيني، وهو يستعيد ذكريات قديمة عن ألعاب جيله التي عفا عنها الزمن، ونسيها أطفال هذا الجيل، يحاول أثناء كلامه تذكر اسم بعض الألعاب التي كان يلعبها، ويستعيد أحدها “حولة مولة” أو “ورزيكة”، ثم يشرحها قائلاً: كنا ننقسم لفريقين، فريق ينحني، ويصطف أفرداه خلف بعضهم، فيشكلون بظهورهم ما يشبه المنصة، وفريق آخر يقفز ليعتلي المنصة، وتبدأ لعبة تخمين الأرقام بمساعد حكم محايد، مازلت أجهل هدف هذه اللعبة، ولكنني كنت أشعر بسعادة لا تُوصف أثناء اللعب، ربما روح الفريق والجماعة هي ما يعطي الجمالية لتلك الألعاب، من منا لا يذكر ألعاباً كثيرة أخرى “افتحي يا وردة، اغلقي يا وردة”، ومن منا لا يذكر الإطارات التي كنا ندرجها، ونركض فرحين، ويختم متسائلاً، هل ما زال في جيل هذه الأيام صدى لتلك الألعاب؟.

رجع صدى

وربما يكون من الملفت في غمرة تلك الذكريات المنسية وألعاب التكنولوجيا الحالية التي سرقت جيلاً بأكمله أن يكون للألعاب القديمة رجع صدى عند بعض أطفال الحارات الشعبية في مدينة دمشق، فستفاجأ حين ترى من بعيد كرة قماشية تتطاير في الهواء، ثم تتهادى بين أقدام مجموعة من الصبية، فيركلونها باندفاع وحماسة منقطعة النظير، تلك الكرة المكونة من لفافات قماش وبقايا ألبسة رثة مربوطة إلى بعضها بإحكام بعد أن جمعها أولئك الأطفال، وصنعوا منها لعبتهم، فأدخلت السعادة لنفوسهم الغضة، وعوّضتهم عن كرة قدم حقيقية، ويبدو أنه لا شيء في هذا العالم بإمكانه أن يلجم خيال طفل يبحث عن السعادة، فيحققها أياً كانت الظروف ومن وحي الواقع يفاجئك خيال الأطفال بالألعاب التي يبتكرونها.

ألعاب مبتكرة

كرة القماش، ليست البديل الوحيد عن كرة القدم، يشرح بهجت ابن العشر سنوات، وأحد الأطفال المشاركين في اللعبة،  فبعد الاقتراب منه، وسؤاله عن أفكار الألعاب التي يلعبونها، يوضح: في أحيان أخرى نستخدم الورق لصنع الكرة بعد لفه، وتكويره، وتدويره، واستخدام اللاصق للمحافظة على تماسكه، أو نلهو بعلبة “تنك” فارغة بعد تكويرها أيضاً، نحن نحب لعب الكرة، ونبتكر البدائل في حال غيابها.

يختم بهجت بعد أن تحدث بحال المجموع من أصدقائه، فالاتفاق في الرأي سر تلك اللعبة الجماعية التي يلعبونها على حد قوله، أما علاء وهو طفل آخر يبلغ من العمر عشر سنوات، فالابتكار لديه كان موجهاً للعبة مختلفة، فمن قطعة أنبوب تمديد صحي قديم بطول 20 سم، وبالون، وشريط لاصق، وبعض قطع الخشب، صنع الفتى ما يشبه بندقية الخرز التي شاهدها سابقاً بأيدي صبية آخرين، وتكثر التسالي والألعاب التي يمكن أن يأتي بها خيال الأطفال السوريين في ظروف اقتصادية صعبة للكثير من ذويهم، فتشاهد أيضاً أطفالاً آخرين يصنعون ما يشبه السيارات الصغيرة باستخدام سحارات بلاستيكية، وحبال تربط إليها، حيث يركب أحدهم السيارة، ويقوم بسحبه آخرون وسط أجواء من المرح، والضجة المرافقة لابتكارات هذه الألعاب.

إنعاش للذاكرة

وربما تكون هذه الابتكارات في الألعاب التي نراها بين الحين والآخر في حارات شعبية كثيرة في هذه الأيام إنعاشاً لذاكرة خلت، عرفها المجتمع السوري قديماً قبل أن تغزو الألعاب الالكترونية عالم الأطفال، يتحدث عماد الشاب الثلاثيني، وهو رب منزل وأب لطفلين: سابقاً كان الابتكار موجوداً لدينا فمن منا مثلاً لم يفكر، وهو صغير بصنع “نقيفة” من الخشب، أو صنع قوس خشبي ونشاب، أو صناعة سيارات وزوارق خشبية بعد مشاهدة برنامج كرتوني، والتأثر بشخصية من شخصيات الرسوم المتحركة، أو بدافع من الطبيعة التي قدّمت لأطفالنا الكثير من الأفكار والمعززات لخيالهم، ويؤكد عماد أنه يفضل أن يترك أطفاله في ظروف لعب طبيعية لتنمية حس الخيال، والابتكار لديهم نافياً أن تكون الظروف الاقتصادية سبباً بالنسبة إليه في هذا التوجه، ومن اللافت أيضاً أن نرى اليوم فعلاً عودة ألعاب قديمة، كنا نلعبها سابقاً كالكرات الزجاجية أو “الكلل، الدحل”، وبعض الألعاب الأخرى الرياضية الأخرى كالحبل والتنس وغيرها في ظل الغزو الالكتروني لعالم الأطفال وألعابهم.

حالة إبداعية

الابتكار عند الأطفال حالة إبداعية تقود في أحيان كثيرة لأفكار عظيمة واختراعات مدهشة، فالخيال عندهم خصب، وبالتالي تكون قدرتهم على ربط الأدوات والاستفادة منها ملفتة، يؤكد د. مهند إبراهيم  مدرس علم نفس الطفل في جامعة البعث هذه الحقائق، شارحاً أهمية تعزيزها عند الأطفال، وترك هامش لهم من آبائهم ليصنعوا ألعاباً بأنفسهم، وهذه الحالة لا تستلزم بالضرورة خروج الأطفال للشارع منذ سنواتهم الأولى، فلكل عمر محفزاته الخاصة، ويمكن استخدام المكعبات التركيبية في المراحل الأولى، ثم ألعاب الألغاز، وقطع تركيب اللوحات، لكن من المهم أيضاً في مراحل أخرى أن يترك للطفل حرية الاكتشاف، واللعب مع أقرانه، وهذه حالة تنمّي الجانب الاجتماعي، والمشاركة عند الطفل بعكس ما يحدث في عموم المجتمع بأيامنا هذه بظهور الألعاب الالكترونية التي تعد خطراً فعلياً يتهدد أطفالنا لما تحتويه من أضرار على الصحة النفسية والمعرفية والجسدية للطفل، فهي تقتل الذكاء الاجتماعي، والذكاء اللغوي، وتسبب في أحيان أخرى نزيف الدماغ لشدة التركيز، وتستهلك خلايا الدماغ قبل أوانه، وعندما يكبر الطفل، يجد صعوبة بالغة في الاندماج بالمجتمع، وبالتالي تزداد الانطوائية والعزلة، وتتعزز الفردية والأنانية، وهو ما يقود على المدى الطويل لتدمير المجتمع بحسب د. إبراهيم.

محمد محمود