هل هي موجودة في مدارسنا؟ المكتبة المدرسية ضرورة تفرضها المواكبة العلمية أم تسمية لتحقيق الحضور

هل هي موجودة في مدارسنا؟ المكتبة المدرسية ضرورة تفرضها المواكبة العلمية أم تسمية لتحقيق الحضور

شعوب وعادات

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠١٧

المكتبة المدرسية من أهم مظاهر التقدم التي تتميز بها المدرسة في عالمنا المعاصر، ولم يعد هناك من يشك في أهمية المكتبة المدرسية، أو يقلل من قيمتها التربوية بعد أن أصبحت محوراً من المحاور الأساسية للمنهج المدرسي، ومركزاً للمواد التعليمية التي يعتمد عليها في تحقيق أهدافه، وكنتيجة لهذا الكم الهائل من المعلومات الذي شكّل انفجاراً في المعرفة، رأى رجال التربية ضرورة الانتقال بالمناهج الدراسية من حدود الكتاب المدرسي المقرر إلى الآفاق الواسعة لمصادر المعلومات المختلفة الموجودة على كثير من الصور، وذلك بالتأكيد على ضرورة وجود الركن الداعم لهذه الفكرة ألا وهو المكتبة.
ثورة المعلومات
يرجع المدرس وضاح الحسيني  كل الدور للمكتبة المدرسية  التي ساهمت إلى حد كبير في مواجهة التدفق الكبير في المعلومات غير المراقبة أو الموجهة، حيث استطاعت المكتبة عبر العناوين المتوافرة، وخبرة أمين المكتبة  تهيئة المجتمع المدرسي من طلاب ومعلمين للتعامل مع هذا التطور بفعالية، وذلك لتحقيق الاستخدام الأمثل لمصادر المعلومات المتوافرة في المكتبة التي أصبحت محوراً من المحاور الرئيسية للمجتمع المدرسي.

رفدها بكل جديد
غير أن للمدرّسة إيمان ديوب رأياً معاكساً، إذ ترى أنه ليس المهم وجود مكتبة، وعدد من الكتب، ووجود أمين مكتبة، والغبار تأكل الكتب، وباب المكتبة موصد منذ شهور أو سنوات،  وأمين المكتبة مريض أصلاً، المهم أن تضطلع هذه المكتبة بالدور المناط بها بما يتماشى مع مطالب المنهج الدراسي، واحتياجات التلاميذ على اختلاف ميولهم وقدراتهم، وأن تنظم هذه المواد بحيث تستعمل استعمالاً فعالاً وإرشاد التلاميذ إلى اختيار الكتب والمواد التعليمية الأخرى لتحقيق الغايات الفردية، وأهداف المنهج، وتنمية المهارات اللازمة لاستخدام الكتب والمكتبات ومصادر المعلومات لدى التلاميذ والطلاب، وتشجيع عادة البحث الفردي، ومساعدة التلاميذ على تكوين مجال رحيب من الاهتمام عن طريق منحهم الفرص لمناقشة الكتب، والإسهام الجدي في تكوين خبراتهم القرائية، والأهم تشجيع التعلم مدى الحياة عن طريق الاستفادة الدائمة من مصادر المعلومات داخل المكتبة، وتدريب المرتادين للمكتبة تلقين العادات الاجتماعية الصالحة كضبط النفس، والاعتماد عليها، والتعاون، واحترام حقوق وملكية الغير.

اختيار مناسب
ولا شك أن المكتبات المدرسية قادرة على تحقيق الأهداف المناطة بها، وترجمتها إلى واقع عملي وفق تفسير الدكتور آصف يوسف “كلية التربية” إذا كان أمناء المكتبات على قدر كافٍ من تحمّل المسؤولية، وعلى وعي تام بهذه الأهداف، وإيمان كامل بوظيفة المكتبة داخل المجتمع العصري، ولكن لن يتسنى لهم ذلك إلّا من خلال تزويد المكتبات المدرسية بالإمكانيات اللازمة التي تحقق لها القيام بخدماتها على الوجه الأكمل، ومن هذه الإمكانيات احتواؤها على مختلف مصادر المعلومات من كتب ومراجع ودوريات ومواد سمعية وبصرية، وأن تسمح باستيعاب أكبر فصل دراسي في المدرسة، وتزويده باحتياجاته القرائية، وتهيئة البرنامج النموذجي لتدريب التلاميذ على المهارات المكتبية، وتخصيص واجبات في صلب المنهج يعطيها المعلمون الطلاب لإثراء المناهج، وتوسيع الأفق الثقافي فيها، وهذا يتطلب الاعتناء بالمظهر الجمالي للمكتبة لجذب التلاميذ إليها مع التركيز على تنظيم مصادر المعلومات، على أن يكون أمين المكتبة واعياً ومدركاً لأهمية دور المكتبة في حياة التلميذ والمعلم على السواء.

توفير المصادر
ويشدد أحمد جهيم، “مدرّس لغة عربية”، على أن تلعب المكتبة دوراً في توفير المصادر التعليمية، وذلك لتمكينها من النهوض ببقية الوظائف الأخرى، كونها الركيزة الأساسية لكافة وظائف وأنشطة المكتبة الأخرى، ودعم المناهج الدراسية، بحيث لا يقتصر المنهج على المواد الدراسية فقط، وإنما يشتمل على الأنشطة المختلفة التي تسهم في تنمية شخصية المتعلّم من جوانبها المتعددة، ولا يأتي ذلك إلا من عدة طرق، منها التخطيط السليم للمواد الدراسية، وربطها ببعضها، وإزالة الحواجز المصطنعة بينها من أجل تحسين مستوى التعليم، ورفع كفاءته، وتدعيم الأنشطة التربوية، وذلك باعتبارها مجالاً خصباً لتنمية ميول الطلاب الفردية، والجماعية، وصقل مواهبهم الشخصية خارج المقررات الدراسية التي تعتمد على التوجيه الجماعي داخل الصفوف الدراسية، وتنمية عادة القراءة والاطلاع، وذلك باعتبارها أساس التحصيل الدراسي، ووسيلة من أهم وسائل كسب المعرفة الثقافية.

القراءة عماد العلم والثقافة
على الرغم من تطور وسائل الاتصال الحديثة، وقدرتها العالية على توصيل المعلومات للمستفيد من أوعية غير تقليدية لا تعتمد على الكلمة المكتوبة، إلا أن القراءة ستبقى عماد العلم والثقافة والإرشاد القرائي، وفق تعبير أحمد الكسم، مدير ثانوية الحكمة، وهو ما يتطلب التعرف على تلاميذ المدرسة معرفة كاملة واعية، ودراسة ميولهم، وقدراتهم القرائية، ومستواهم التحصيلي، ليتسنى لأمين المكتبة تنمية هذه المهارة التي تتطلب الأخذ برغبات التلاميذ والطلاب على حد سواء، وتنمية مهارات وقدرات المعلمين، وذلك بتوفير المصادر التربوية لهم على اختلاف أشكالها التي تعين المعلمين في تحضير دروسهم، وفي تحسين أساليبهم الفنية من ناحية، وفي التعرف على كل جديد في مجال مهنة التعليم من جهة أخرى، ويمكن تجميع تلك المواد في مكان معين جرت تسميته بمكتبة المعلم.

شريان نابض
بينما تعتبر الدكتورة سميرة القاضي، “كلية التربية”، المكتبة المدرسية من المرافق الحيوية التي تقوم بدور الشريان النابض في المدرسة، وذلك بتوفيرها المصادر التعليمية التي يعتمد عليها المتعلّمون، والتربويون، وكلما تطور التعلّم، ورفعت كفاءته الداخلية والخارجية، برز دور المكتبة بالإسهام في تحقيق هذا التطور، وذلك عن طريق خدماتها، وأنشطتها المتنوعة، وتتميز المكتبة المدرسية عن بقية المكتبات الأخرى المتوافرة في المجتمع بكثرة عددها، وسعة انتشارها، بالإضافة إلى أنها أول ما يقابل القارئ في حياته العلمية، وكذلك فإن المهارات التي يكتسبها من المكتبة المدرسية تؤثر على مدى الانتفاع بالخدمات المتوافرة في المكتبات الأخرى مثل الجامعية، والمتخصصة، وغيرهما.

تكوين المجتمع
يمكن القول بأن المكتبة المدرسية يقع عليها عبء تكوين المجتمع القارئ الذي يقود الحياة الثقافية، والأدبية، والعلمية في المستقبل، كما تتمثّّل أهمية المكتبة المدرسية في كونها وسيلة من أهم الوسائل التي يستعين بها النظام التعليمي في التغلب على كثير من المشكلات التعليمية التي تنتج عن المتغيرات التي طرأت على الصعيدين الدولي، والمحلي، كالتطوير التكنولوجي، والاكتشافات العلمية، وتطور وسائل الاتصال التي يسّرت نقل المعرفة، والثقافة، والمعلومات بين الأمم والشعوب.
عارف العلي