فتيات صغيرات يغادرن عالم الطفولة إلـى يــومـيـات الحـيــاة الــزوجــيــة

فتيات صغيرات يغادرن عالم الطفولة إلـى يــومـيـات الحـيــاة الــزوجــيــة

شعوب وعادات

الأربعاء، ١٤ ديسمبر ٢٠١٦

لم يخطر ببال “أحلام/الأم الصغيرة”، التي لم تتجاوز الخمسة عشر ربيعاً، والتي اضطرت لترك مقاعد الدراسة في الصف السادس بسبب الحرب والنزوح أن تسرق طفولتها، عبر الزواج المبكر، لتدخل قسراً في عالم المسؤولية مبكراً، كحل لواقعها المتأزم.
“أحلام/ الاسم المستعار لتلك الفتاة”، وجدت نفسها في مدرسة بدمشق، لكنها هذه المرة مفرغة من مقاعد الدراسة، ومعدة لتكون مركزاً لإيواء الأسر السورية الهاربة من الحرب، وعليه تقول: “لجأت للزواج هرباً من الفقر والبؤس، ولأخفف عن أهلي عبئاً مادياً لا يستطيعون تحمله”، ومن هنا اصطدمت بواقع مرير، خاصة أن حال زوجها ليس أفضل من وضع أهلها، لذلك بقيت ضمن دوائر الحرمان، فهي تشتهي بعض أنواع الأطعمة الضرورية لجسمها كمرضعة، مثل البيض والحليب، لكنها تحرم نفسها منها لتوفرها لطفلتها.
لا تزال “أحلام” كاسمها التي طلبت أن تُنادى به، تحمل أحلام الطفولة، وهي تلاعب ابنتها، كما تلاعب الطفلة دميتها، وعندما تبكي تضجر منها، وتحاول إسكاتها تارة بقطعة حلوى وتارة بوضع يدها على فاهها راجية السكوت.
حكاية أحلام تشبه العشرات من قصص النسوة في مركز الإيواء “بمشروع دمّر” الذي قصدناه بغية استطلاع أوضاع المتزوجات دون  الخمسة عشر عاماً، مع وجود فوارق بالمسببات والدوافع لزواجهن، فمنهن من هن أسوأ حالاً (كمنى) الاسم المستعار المتزوجة بعمر الأربعة عشر عاماً، والأم لطفلين، والفاقدة لمعيلها نتيجة الحرب، إضافة إلى أخريات يعانين ظروفاً قاسية ومأساوية مع أطفالهن، ليكتفين بالحياة تحت عباءة الإعانات التي توزع عليهن بالمركز.
تقول “منى” والدمعة تملأ عينيها: “لم أملك  قرشاً  واحداً منذ أن فقدت زوجي، وفي الكثير من الأحيان أغص بالبكاء عندما يطلب أطفالي مني أن أشتري لهم  الحلوى التي يحبونها ، كالبسكويت والسكاكر، لكن العين بصيرة واليد فقيرة، فأنا لا أستطيع أن ألبيهم لضيق الحال”.
بدورها ترى”منيرة” النازحة من الشمال السوري، أن الأمر كان عادياً قبل الحرب وبعدها، في بعض المناطق السورية، فالفتاة التي وصلت لعمر الثمانية عشر عاماً، ولم تتزوج تدعى (عانساً)، وتقل فرصتها بالزواج، ولو حصل فيكون من رجل أقرب للشيخوخة، وقطعاً لن تكون هي الأولى.
حال النسوة وأوضاعهن كان سيخرج باستبيان قاتم اللون تماماً، لولا قصة (رنا) التي تزوجت بعمر الثمانية عشر عاماً بعدما حصلت على شهادة الثانوية العامة، ومن ثم أكملت تحصيلها العلمي، لتحصل على شهادة المعهد التجاري ، رغم كونها أماً لطفلين، وعملها بأحد المعامل مع زوجها.
إذاً حسب التسلسل العمودي، فالفقر، والتقاليد، والحرب، وما رافقها من تشرد ونزوح، كانت من أهم الأسباب التي دفعت الفتيات السوريات وأهلهن للقبول بالزواج المبكر، كحل بديل لمواجهة هذه العوامل، دون التفكير بالعواقب الكارثية للزواج المبكر، على الفتاة بالدرجة الأولى، وعلى الأطفال والمجتمع بدرجة لاحقة، والأهم حسب دراسة غير منشورة مازالت في قيد الاكتمال فإن 75% من الفتيات في ذلك المركز تزوجن دون سن الخمسة عشر عاماً.
إن الزواج المبكر دون سن الخمسة عشر عاماً، أو زواج القاصرات كما يسمونه مرفوضاً وفق المعاهدات الدولية لما له من آثار سلبية على الصحة الجسدية للفتاة وجنينها”، هذا ما يقوله (سمير شحادة) المختص بالشأن النفسي، مضيفاً: إن أهم الانعكاسات السلبية للزواج المبكر يتجلى في الآثار النفسية للأم، نتيجة حرمانها من طفولتها، ومن حق التعليم ، عدا عن أن هكذا زواج غير مسجل بالمحاكم الشرعية، فالفتاة تكون عرضة لضياع حقوقها، وربما حقوق أطفالها أيضاً، كما أن الزواج المبكر غالباً ينتهي بالطلاق، ويزداد الوضع قتامة مع وجود أطفال، لأنه غير نابع عن قناعة الفتاة ووعيها.
بناء على ما سبق تسعى برامج التوعية للحد من هذه الظاهرة المتفشية بالمجتمع السوري، لكن جهودها تبوء بالفشل، لأن حجم المعضلة بات أكبر بكثير من قدرة التوعية، ليكون الحل الأنجع بهذه الحالة العمل على إنهاء الحرب، ومن ثم لملمة المشكلة بشكل تدريجي، يؤدي إلى إزالة المسببات الأساسية للزواج المبكر، عملاً بمبدأ “الوقاية خير من قنطار علاج”.
هبة شبطة