ما بين الدلال والاهتمام خروج مقلق للأطفال عن القواعد والضوابط التربوية

ما بين الدلال والاهتمام خروج مقلق للأطفال عن القواعد والضوابط التربوية

شعوب وعادات

الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠١٦

كلمته مسموعة وطلباته أوامر، وذنبه مغفور مهما كان كبيراً،  هو ابن التسع سنوات، سخّر له أهله أربع جليسات يتناوبن على تدريسه وتسليته في النهار كي لا يشعر بالملل، ولأنه الطفل الوحيد، فإن “لبن العصفور يرخص له”.. يشهد الجيران على دلال الأهل المفرط “لمجد” لدرجة جعلته منبوذاً من أقرانه الذين لا قدرة لأهلهم على العطاء والسخاء عليهم كأهله، الذين انتظروا مجيء هذا “الدلول”، سبع سنوات قضوها متنقلين بين عيادات الأطباء من بلد لآخر لإنجاب طفل يملي عليهم حياتهم. من هنا توجّب عليهم تسخير كل ما يملكون لإرضاء وحيدهم، ليكتشفوا بعد سنوات أن هذا الأسلوب في التربية خاطئ، وأن الدلال المفرط للطفل سيوّلد آثاراً سلبية كبيرة على شخصيته في المستقبل، معتقداً أن كل ما يريده من الحياة  قابل للتلبية، وفي حال عدم حصوله عليه سينهار، الأمر الذي يدعو للحذر والتروي في تربية الأطفال ودلالهم، متوخين الحذر والحيطة في ما نقدّمه لأبنائنا، وما نحرمه منهم حفاظاً على توازن سلوكهم.
مشاكسون
أثبتت دراسة عربية أن أغلب الأطفال يكونون مشاكسين بسبب الدلال، أو الاهتمام الزائد من قبل الأم أو الأب، ويظهر هذا السلوك بوضوح ضمن العائلات التي تفتقد إلى أدنى سيطرة على تصرفات أولادها، وبينت الدراسات أن سمات المشاكسة بدرجاتها المختلفة، تنتشر لدى 22٪ من أطفال المدارس ، ورغم أن هذا السلوك يبدأ في سن مبكرة  إلّا أنه غالباً ما يتبلور في سن الثامنة، وينتشر هذا الاضطراب في صفوف الذكور أكثر من الإناث، ويسبب هذا الاضطراب خللاً واضحاً في النواحي الاجتماعية، أو الدراسية، أو الوظيفية، ووجدت الدراسة أن 95% من حالات الدلال مؤثرة في المستقبل على حياة الشخص، فيبقى الطفل اتكالياً على الآخرين حتى في مراحل عمره المتقدمة.

أسباب
آراء وأسباب متعددة، حصلنا عليها من الأهالي المفرطين في تدليل أبنائهم سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، وكان الإجماع الأكبر في الرأي يدور حول تعويضهم لأبنائهم عما خسروه  في طفولتهم من اهتمام ورعاية ودلال عند أهلهم، متذرعين بعبارة واحدة، “لا نريد أن يشعر أبناؤنا بالحرمان الذي عشناه نحن”، بينما كان لقسم آخر من الأهالي رأي مختلف، فوجدوا وبعد تجاربهم مع أبنائهم في الدلال أن تدليل الطفل الزائد يخلق شخصاً غير مسؤول، وغير قادر على تحمّل مسؤوليته، وشخصاً أنانياً يسعى للسيطرة، وحب التملك، حتى لو على حساب الآخرين من أفراد أسرته ومن أصدقائه ومحيطه الاجتماعي، ويخلق التدليل الزائد برأيهم إنساناً لا مبالياً، غير متعاون مع الآخرين، وغير محترم لقواعد ونظام المجتمع الذي يعيش فيه، لأنه لم يتعرض للعقاب في طفولته.

تشويه هوية
الأهل الذين انتظروا طويلاً لقدوم طفلهم ويخافون أن يكون هذا الطفل الأول والوحيد، كذلك جنس الطفل، وشعور الوالدين بالذنب لغيابهم المستمر عن المنزل، كلها أسباب تلعب دوراً في الدلال الزائد للأولاد برأي الدكتورة فريال حمود “تربية وعلم نفس”، وفرّقت حمود بين الدلال والاهتمام، فالدلال هو ترك الأطفال يعملون ما يشاؤون في أي وقت دون ممارسة الأهل السيطرة عليه، وإعطاء الأطفال ما يرغبون، والتساهل بذلك “حرية مفرطة” دون مبرر لتصبح عادة عند الطفل، وهذا أمر مرفوض في تربية الطفل، لأنه يؤدي إلى نتائج سلبية، تجعل الطفل في حالة طلبات متزايدة وعدم قناعة، فالطفل الذي تجاب كل طلباته دائماً يستزيد منها حتى ولو كان طلبه غير ضروري، ويميل الطفل إلى حالة “البطر”، ويصبح الطفل غير مسؤول، ولا يقدّر عواقب طلباته، ولا ما يترتب عليها من أعباء على كاهل الأهل لتأمينها، فيصبح غير قادر على تقدير المسؤولية وتحمّلها، في حين يمكن تعويض هذا الدلال بالاهتمام من خلال توفير فرص للطفل لاكتساب مهارات وتنظيمات بحياته، ويكون هذا الشيء ناتجاً عن التعاون بين الطفل والأسرة، واعتبرت حمود أن تدليل الأطفال  إساءة لتكوين شخصية الطفل الآن وفي المستقبل، ويسبب له مشاكل سواء مع الأسرة، أو مع المحيط الاجتماعي، ليقع في النهاية في مشكلة الرفض الاجتماعي، ففي مرحلة الطفولة سيصطدم بحواجز بعد خروجه من منزل أهله “روضة –مدرسة..”، حيث إن رغباته ومتطلباته لن تتحقق، كما في المنزل ليقع هنا الطفل في اضطرابات نفسية، ويصبح ” عدوانياً – انطوائياً – عصبياً..”، وبالتالي تتشكل هويته بطريقة مشوهة.

اعتدال
ربما يكون دلال الأبناء مطلوباً، ولكن على الأهل أن يدركوا أن هناك خيطاً رفيعاً بين الدلال والاهتمام، فالاعتدال في تربية الطفل، وعدم المبالغة في التدليل، أو الإهمال على حد سواء، هي من أساسيات التربية السليمة للطفل، وحينما نمنع بعض الحاجيات عن الطفل، فليس ذلك معناه حرمانه، بل المقصود تنشئته تنشئة صحيحة حتى يخرج الطفل إلى المجتمع قادراً على مجابهة الحياة، فمن الضروري أن يشعر الأبناء ببعض الحرمان كي يدركوا قيمة الأشياء التي يحوزونها.

ميس بركات