هل وظفت بشكل صحيح؟ التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الموبايل .. اجتياح اجتماعي لحياة الناس وإدمان شبابي غير مطَمئن

هل وظفت بشكل صحيح؟ التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الموبايل .. اجتياح اجتماعي لحياة الناس وإدمان شبابي غير مطَمئن

شعوب وعادات

الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠١٦

صامتاً كان يبدو، لكن كلّ شيء فيه يتحدث، فمُه المُغلق لم يستطع أن يمنع باقي ملامح وجههِ من التعبير، تراقبه من بعيد، فتجده يقطب حاجبيه تارةً، ويفتح عينيه باندهاش تارةً أخرى، تتبدل تقاسيم وجهِهِ كلّ دقيقةٍ، فيبدو الغضبُ عليه أحياناً، والفرح برفقة ابتسامة خفيفة أحياناً أخرى.
للحظات تعتقده مجنوناً، لكنك حين تدقق النظر أكثر في إحدى يديه، وترى إبهامه يتحرك على شاشة هاتفه “الاندرويد” بسرعة تتناغم مع الحالات النفسية المختلفة الظاهرة عليه سيزول عجبك واستغرابك، وتفهم أن من تراقبه ليس إلا شاباً يتبادل حديثاً مكتوباً مع أحدهم. حديثٌ صامت لا صوت فيه، ولا كلمات مسموعة، وسائله تكنولوجيا متطورة، وبرامج دردشة كثيرة ومتنوعة، رافقت جيلاً كاملاً من الشباب، وبدلت بظهورها الكثير والكثير من العادات الاجتماعية والمفاهيم والقيم التي ألفناها، وعرفناها، واعتدناها سابقاً.
جيل “صامت”
وتبدو الصورة السابقة حالة مكررة من آلاف المشاهد المماثلة التي بتنا نلحظها بكثرة في المجتمع السوري بالأماكن العامة، والمقاهي، والجامعات، والمنازل، ووسائل النقل العامة، وحتى على الأرصفة والطرقات، لشباب وفتيات يتبادلون الأحاديث الصامتة المكتوبة في كل تلك الأماكن على شاشات هواتفهم المحمولة ببرامج مختلفة وتطبيقات متنوعة توفر هذه الميزة إضافة لمزايا أخرى كالمحادثة الصوتية، ومشاركة الصور، والحالات المزاجية، وغير ذلك، ومن هذه التطبيقات المشهورة والدارجة الـ (WhatsApp- viber- tango- we chat- chat on- instagram) وغيرها من البرامج التي بات التعامل والتفاعل معها من أساسيات جيل الشباب في أيامنا هذه. سمر وهي طالبة أدب فرنسي، تتحدث مثلاً كيف تقوم كل يوم مع صديقاتها بإنشاء غرف دردشة جماعية باستخدام تطبيق الـ WhatsApp يتناقشن فيها بتفاصيل ولحظات أيامهم في الجامعة، أما ناصر طالب طب أسنان، فيشرح كيف يقضي وقتاً مسلياً على هذه البرامج أثناء ذهابه إلى جامعته في وسائل النقل العامة، حيث إن الازدحام والانتظار الطويل يجعلانه يفكر بوسائل تسلية، تقتل الوقت في طريق ذهابه وإيابه كل يوم، أما علاء شاب آخر، فيشرح لنا كيف وفرت له هذه البرامج والتطبيقات إمكانية التعرف على أشخاص وأصدقاء جدد من الجنس الآخر، ويظن الشاب، ويعتقد – مثل آخرين كثر سألناهم- أنّ الدردشة المكتوبة، تسهّل له البدء بالحديث والتعارف، وتحميه من ردات الفعل غير المنتظرة التي يمكن أن تصادفه في حال حاول الحديث مع فتاة لا يعرفها مسبقاً بطريقة مباشرة.

خصوصية وعزلة اجتماعية
ما لمسناه في حديثنا مع شباب وفتيات آخرين أن تفضيل هذه البرامج يرجع لأسباب أخرى كالخصوصية التي توفرها لهم طريقة المحادثات هذه، إذ يجهل الأهل في كثير من الأحيان محتوى المناقشات والمواضيع التي يتحدث بها أولادهم الشباب، وهو الأمر الذي يبدو مريحاً جداً بالنسبة لتهاني طالبة الثانوية العامة التي تقول: إنها تشعر بالخجل من محادثة شاب أمام والدتها، في حين أنها تستطيع ببساطة محادثته، وتمضية أوقات طويلة معه باستخدام أحد هذه البرامج على هاتفها المحمول، وتستطيع الفتاة، كما توضح، تمرير كذبة بيضاء على والدتها حين تسألها بأن تخبرها أنها تتحدث مع إحدى صديقاتها، أما النقطة الأخرى التي لا تقل أهمية في فهم آليات انتشار هذه البرامج – والتي أصبحت بمتناول كل الفئات حتى كبار السن منهم، وليس فقط فئة الشباب- هو مرحلة الأزمة التي فرضت على الكثيرين البقاء في منازلهم. تقول نور شابة أخرى تبلغ من العمر 30 عاماً، وتسكن في إحدى ضواحي الريف الدمشقي أنها نادراً ما تغادر منزلها بسبب الأوضاع الأمنية السائدة، لكنها تستطيع ببساطة قتل الوقت، والتواصل مع الكثير من الأشخاص عن طريق جوالها، والدردشة عبر هذه البرامج الموجودة فيه.

“توفير” ومظهر اجتماعي
توفر هذه التطبيقات والبرامج نظرياً المال على مستخدميها من الشباب، كما يقول عمار 22 عاماً حين يوضح أنه باستخدام هذه البرامج يستطيع الاستغناء عن الاتصال التقليدي عبر الجوال الذي يكلفه الكثير من الليرات، وحصر محادثاته عبر هذه البرامج، ويؤكد الشاب أن ارتفاع أسعار الاتصالات جعل وجود هذه البرامج أمراً ضرورياً لفئة الشباب، لكن شباباً آخرين رأوا في المقابل أن هذه البرامج، فتحت لهم باباً إضافياً للمصروف على هواتفهم، إذ يتحدث عماد عن مصروف يزيد عن الألف ليرة، ينفقه كل شهر فقط نتيجة استخدامه برنامج الـ WhatsApp الذي يصفه بالـ “السوسة”.
والملفت أن هذه البرامج المنتشرة بين أوساط الشباب ارتبط وجودها بانتشار أجهزة الهواتف الذكية و”الاندرويد” التي تغري مواصفاتها وسهولة التعامل معها الكثير من الشباب بامتلاكها والحصول على الجديد منها، ورغم أن أسعار بعضها تصل لمبالغ خيالية، لكن بعض الشبان الذين قابلناهم أبدوا استعدادهم حتى للاستدانة في سبيل الحصول على جهاز حديث يليق بمظهرهم بين “الشلة”. يعبّر هاني الطالب في كلية الاقتصاد عن هذه الرغبة بالقول: الجهاز الحديث في أيامنا هذه مظهر مهم، وجزء أساسي من عدة الشاب “للصياعة”.

وسائل تجسس خطيرة
ما يجهله بعض الشباب، أو ما يعرفونه ويتجاهلونه هو كون هذه البرامج معدة لاستخدامات أخرى من قبل مطوريها الذين قاموا بتصميمها في الدرجة الأولى كبرامج تجسس وجمع المعلومات عن المستخدمين قبل أن تكون برامج محادثة وترفيه، لكن شباناً كثراً أوضحوا حين استبينا رأيهم بكون هذا الأمر لا يعنيهم كثيراً طالما أن هذه البرامج تلبي أهدافهم بالاتصال والتواصل الاجتماعي، يقول ماهر، وهو شاب عشريني: سمعنا كثيراً من المحاضرات، والبرامج، والتقارير التلفزيونية التي تتحدث عن خطورة برامج الدردشة الموجودة على أجهزة الموبايل في التجسس على مستخدمها، لكن كل هذا غير مهم، فلا يوجد في جهازي شيء أخشى من اكتشافه، ليجمعوا المعلومات كيفما أرادوا، وطالما أن هذه البرامج تخدمني كمستخدم، وتؤمن لي طرقاً سهلة في الاتصال، سأظل أستخدمها.
في المقابل يتحدث “غسان أحمد”، مختص وخبير بتطبيقات الهواتف المحمولة، عن الطرق التي يمكن من خلالها توظيف برامج الدردشة الخاصة بالهواتف الذكية في أغراض التجسس، فيقول: تطبيق “الأنستغرام” instagram هو أحد تطبيقات الهواتف الذكية التي تنافس بشدة موقع التواصل الاجتماعي الشهير “فيس بوك”، ويتوقع كثيرون أن يتصدر هذا التطبيق قائمة مواقع التواصل الاجتماعي في القريب العاجل، لكن الخطير أن تطبيقاً كهذا حقق ما لم يستطع موقع الـ facebook تحقيقه على صعيد التجسس، إذ يعتمد هذا التطبيق على الصور، وبمجرد الاشتراك به فإن الكاميرا الموجودة في الهاتف يمكنها أن تعمل بطريقة خفية، وأن تجمع الصور والمعلومات دون إذن المستخدم، إضافة إلى تحديد موقع كل شخص، ومكان تواجده، وهو الأمر الذي يتوفر في برامج أخرى للتواصل الاجتماعي مثل تطبيق twoo الذي يحدد موقع المستخدم، ويحدد له أماكن تواجد مستخدمين آخرين، وقد بدأت هذه التطبيقات إلى جانب عشرات التطبيقات الأخرى المعروفة سابقاً لتسجيل الأصوات وتعديلها والتجسس بالانتشار بكثرة بين أوساط الشباب الذين يجهلون مخاطرها واستخدامها.
عادات جديدة
ومع الأسف يبدو أن هذه البرامج، رغم الكثير من الإيجابيات التي حققتها في مجال التواصل، والاتصال، وتقريب المسافات، قد أحدثت تغييرات سلبية عديدة في عادات ونمط حياة جيل الشباب في مجتمعنا، وهو الأمر الذي توضحه بتفصيل أدق الباحثة الاجتماعية والمختصة “خلود عيوش” بالقول: أحدثت وسائل الاتصال الحديثة أثراً هاماً في المجتمع السوري عموماً، وفي شريحة الشباب بشكل أخص، إذ ساعدت هذه الوسائل الشباب على الإبحار في المواقع العلمية، واكتشاف معلومات جديدة، والوصول للمعلومات المعرفية بشكل كبير، وبسرعة أكبر، كما ساعدت في التعرف والتواصل مع عالم جديد، وأناس جدد، وسهّلت التواصل معهم بشكل جدي وفعلي، والاندماج بشكل طبيعي وسليم يساعد على فتح آفاق جديدة للمواهب والمهن لهؤلاء الشباب، لكن الملاحظ من ناحية أخرى أن هناك آثاراً سلبية كثيرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند التعاطي مع مثل هذه الوسائل، إذ نجد أن بعض مستخدمي النت بشكل تقليدي أو على الهواتف المحمولة ينعزلون عن محيطهم الواقعي، ويقل تواصلهم مع ذويهم عندما يقضون ساعات طويلة في استخدام هذه التطبيقات، ما يسبب حالات من الانطواء والعزلة تتولّد بفعل المحاكاة الداخلية التي تجري أثناء محادثة تفتقر لعنصر الصوت أو المشاهدة، وبعد فترة يجد هؤلاء الشباب صعوبة في الاندماج والتأقلم مع المجتمع، ومن الآثار السلبية الأخرى أن مثل هذه البرامج أدت لابتعاد الشباب عن القراءة، والاتجاه للشبكة للحصول على معارفهم، بغض النظر عن دقة المعلومة ومصدرها،  وتختم الباحثة بالقول: عادات اجتماعية كثيرة بدّلتها هذه البرامج في حياة الشباب، إذ أصبح الكثير منهم يسهر حتى ساعات متأخرة من الليل، وبعضهم حتى الصباح، وينامون فيما تبقى من النهار، وتعرض لنا أحد الرسوم الكاريكاتورية التي تعبّر عن هذه الفكرة، وهي من طقوس رمضان في العام الماضي،   ويظهر فيها شاب مدمن على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول: أنا أقوم بإيقاظ أهلي على السحور، وهم يقومون بإيقاظي على الإفطار!!.

ختاماً
ختاماً يمكن القول: إن هذه التكنولوجيا  الحديثة التي اجتاحت مجتمع الشباب، والمجتمع السوري بصورة أعم عبر وسائل عديدة أبرزها الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات مختلفة وبرامج تتوفر عليها، هي كأية تكنولوجيا أخرى سلاح ذو حدين، وتبقى آلية الاستخدام والتوظيف، مع الوعي بمخاطر هذه التطبيقات بين أوساط الشباب، هي المعيار الأكثر صحة في الحكم على جدوى استخدامها من عدمه.

محمد محمود