باتت خارج السيطرة الخيانة الالكترونية.. تخريب للعلاقة الأسرية .. وانجراف غريزي يُداهم الحياة الزوجية عبر الشبكة

باتت خارج السيطرة الخيانة الالكترونية.. تخريب للعلاقة الأسرية .. وانجراف غريزي يُداهم الحياة الزوجية عبر الشبكة

شعوب وعادات

الثلاثاء، ١٩ يوليو ٢٠١٦

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصل بينها وبين زوجها إلى طريق مسدود في حياتهما المشتركة التي سادها الهدوء والألفة والسكينة لسنوات طوال، ولم تكن أمل تعتقد أن الهدية التي أحضرتها لزوجها في ذكرى زواجهم العشرين ستكون نقمة على عشّهما الزوجي، فأمل التي أرادت أن تُفرح زوجها بشراء” جهاز خليوي حديث” أُسوة بباقي أصدقائه، كانت تشتري التعاسة وخراب منزلها من هذا الجهاز الذي أودى بهما إلى الطلاق بعد أن استحالت الحياة الزوجية بينهما بسبب اكتشاف خيانة زوجها لها بعد سنوات من الثقة والحب، جاءت الوسيلة التكنولوجية لتكون الموس الذي شرخ حياتهم واستقرارهم تحت مسمّى حديث ” الخيانة الالكترونية” تم استيراده من مجتمعات لم تكن بيوم من الأيام تشبه مجتمعنا بشكل من الأشكال، لتصبح هذه الوسائل آفة خطيرة تُهدد استقرار مجتمعنا الذي أساء معظم الناس استخدامها.
عبر العصور
الخيانة الزوجية التي بقي مفهومها الأساسي “إقامة علاقة خارج إطار الزواج”، مع اختلاف الأساليب عبر العصور، فسابقاً كانت فرصة الزوج لخيانة زوجته وإقامة علاقات متعددة أوسع من الآن، ولأن زمان الرسائل الغرامية انقضى، وأصبحنا في عصر المعلوماتية، بات للخيانة موضة جديدة هي” الخيانة الالكترونية” في غرف الدردشة والسكايب و…، وبدأت الخيانة الالكترونية تسري في مجتمعاتنا كالنار في الهشيم، ليفرض وجود الانترنت  تغيّرات علمية وثقافية أوجد تغيرات أخلاقية واجتماعية، حيث ساهم الانترنت برفع عدد الخيانات الزوجية لأن الخيانة تبدأ بالفكر والكلمة وإبداء الاهتمام بشخص آخر غير الشريك، وبالتالي الأشخاص الذين اقتربوا بالصوت ينتقلون إلى الاقتراب بالصورة، ثم يأتي اللقاء المباشر الذي يؤدي للخيانة الزوجية الفعلية، والأهم من ذلك أن العولمة لا يمكن إيقافها لعدم وجود كنترول عليها، وزاد على ذلك تأثير الانترنت، ما أدى إلى علاقات لا نستطيع السيطرة عليها.

ارتفاع كبير
أظهرت الدراسات أن دخول الانترنت إلى البيوت ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسب الطلاق في الكثير من الدول العربية، ففي إيران وعلى الرغم من صدور قرار رسمي من الحكومة بحجب الفيس بوك إلّا أن الدراسات اعتبرته المسبب الرئيسي لثلث حالات الطلاق فيها، كذلك الأمر بالنسبة للأردن، فقد بلغت نسبة الطلاق 25% في المجتمع الأردني والتي سببها الرئيسي الخيانة الالكترونية، وفي العراق ومصر تضاعفت حالات الطلاق فيها بسبب هوس الزوج بالانترنت، وانغماسه بمواقع التواصل الاجتماعي، وانشغاله عن أسرته، كما كشفت دراسة عربية حديثة أن التكنولوجيا قد تؤدي إلى الخيانة، مشيرة إلى أن النساء من الفئة العمرية (30-50) عاماً الأكثر إقداماً على فعل ذلك مع رجالهن بسبب الهواتف الذكية، كما أن (66%) من المشاركين والمشاركات أقروا أن “التكنولوجيا” الجديدة، خاصةً “شبكة الانترنت” تُساعدهم على خيانة نصفهم الآخر لاعتقادهم أنها أصبحت “سيفاً ذا حدين”، في حين أظهرت دراسة أخرى على (17) موقعاً الكترونياً أن (65%) ممن يدخلون إلى “غرف الدردشة” هم “مدمنو” خيانة الكترونية، و(45%) منهم متزوجون.

حالات طلاق
كثيرة هي القصص التي سمعناها في مكتب المحامية مها سليمان والتي كانت تسير بإحدى معاملات الطلاق التي سببها الخيانة الالكترونية والتي اعتبرتها موضة جديدة، ارتدت حلّة مغايرة لحلتها القديمة بأدوات فرضتها الحداثة التي صدّرتها الينا المجتمعات الغربية والتي عرفت كيف تستثمر هذه التكنولوجيا، وصدّرت إلينا الوسائل فقط دون أن تدل مجتمعنا على الطريقة الصحيحة لاستثمار هذه الوسائل، فأخطأ معظمنا استخدامها ليقضي بها نزواته العاطفية، ويقضي على فراغه العاطفي، كذلك الأمر بالنسبة للشباب غير المتزوجين الذين لم يعرفوا حتى اليوم استخدام هذه الوسائل، إذ إنها لاتزال وسيلة لمضيعة الوقت فقط، والغربة الاجتماعية عن المحيط، وعلى الرغم من فوائد هذه التقنية في المجال العملي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، إلا أنها سلاح ذو حدين، سببت العديد من المشكلات الزوجية، وهددت الكيان بالطلاق، وسببت الكثير من المشاكل الاجتماعية للشباب، وأدت إلى عزلتهم عن المحيط!.
المحامية سليمان لم تستثن في حديثها عن الخيانة الزوجية والالكترونية خاصة فئة الإناث، إذ إنه لم يعد مسلسل الخيانة الالكترونية يقتصر على الذكور، بل أصبح للجنس اللطيف دور مهم في برامج الدردشة الالكترونية، كوسيلة للتسلية والبوح بكل ما يجول في الخاطر، بالإضافة إلى أن المرأة تجد فيها متنفساً بحجة عدم الراحة والاستقرار العاطفي مع زوجها، ما يعني أن الخيانة الالكترونية عملت عملها، وتغلغلت في كلا الطرفين، لدرجة أن نصف حالات الطلاق التي سببها الأساسي الخيانة كانت بسبب الوسائل التكنولوجية، فقد حلّت الدردشات وكاميرا السكايب محل الرسائل الورقية المغزولة بالكلام المعسول!.

دوافع مختلفة
إن ما نعيشه اليوم هو غزو حقيقي للوسائل التكنولوجية لحياتنا، ولأدق تفاصيل معيشتنا، وما يحدث اليوم هو هروب الجميع من واقعهم، خاصة في ظل الظروف الحالية إلى عالم افتراضي يأخذ بيدهم بعيداً عن مشاغل وهموم الحياة، ومما لا شك فيه أن الخيانة الزوجية أمر مرفوض شرعياً، واجتماعياً، وغير مقبول في أي مجتمع من المجتمعات، وقد أفضت هذه الوسائل الحديثة إلى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي أودت بمعظم الحالات الزوجية للطلاق، ليصبح الطلاق أمراً عادياً كأي شيء آخر تقبّله المجتمع بشكل تدريجي، حسب ما أفادتنا به الباحثة الاجتماعية هيام ونوس، وقسّمت لنا ونوس الدوافع التي تقف خلف الخيانة الزوجية إلى دوافع مادية، وأخرى معنوية، فالمادية هي عدم تحقيق الزوج للمتطلبات المادية للزوجة، أما المعنوية فتشمل الملل، والفتور العاطفي، الأمر الذي يدفع بالطرفين للبحث عن هذه المشاعر عند طرف جديد، بدءاً بالكلام المعسول،  لنصل الى ما يسمى الخيانة التي ستؤدي إلى الطلاق عند اكتشافها من قبل الطرفين، وهذا يتطلب من مجتمعنا بما فيه من جمعيات أهلية، ووسائل إعلام، التحرك الفعلي للتخلص من هذه الظاهرة، فالسكوت عنها هو مشاركة في هذه الجريمة التي ستؤدي إلى انهيار المجتمع أخلاقياً في حال استفحلت!.

بين السلبية والإيجابية
أصبح معروفاً للجميع أن الوسائل التكنولوجية هي سلاح ذو حدين، وأمر بات مفروضاً على الجميع، ولا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا، فقد اجتاحت هذه الوسائل حياتنا، وسهّلت التواصل بين بعضنا، واختصرت المسافات البعيدة، فلم يجزم لنا المهندس سليم درويش، مدير قسم المعلوماتية في إحدى المؤسسات، سلبية الأنترنت وإيجابيته، وإذا أردنا التحدث عن الأثر التكنولوجي على الحياة الزوجية، فسنجزم بأن التأثير سلبي بشكل كبير، لأن استخدام الصوت والصور بتقنية عالية أدى إلى تطور آليات ووسائل الخيانة الالكترونية، ناهيك عن أن أبسط الأشكال كفتح ايميل إباحي قد يجر ضعيف النفس إلى عالم لامنته من الخيانة الالكترونية، فالتقنية هذه عززت السهولة في التواصل عبر التويتر، والفيس بوك، والشات، ما جعل هذه الوسائل تخلق علاقات لها أبعاد وغايات جديدة!.

محرّمة في الشرع
الأصل هو التحريم بالنسبة للخيانة الزوجية، سواء من قبل الرجل أو المرأة، والمسألة لا تحتاج لاجتهاد أو فتوى، حسب رأي محمد خير الشعال، “مسؤول عن ملف الأسرة في وزارة الأوقاف”، حيث يعتبر هذا الشيء خروجاً عن أصول الأخلاق وتجاوزاً لحدود الشرع، كما ذكر القرآن الكريم  “ولا تقربوا الزنى”، وهذا الشيء لا يُعدل أو يتغير قبل الزواج ولا حتى خلال الزواج، فالخيانة اليوم تسمى إن كان الأمر مكتوماً، فهو ذنب صغير، إذا كان الإنسان يتكلم بأمور فيها إثارة شهوانية، وهذا الذنب لا يعني أنه لا يعفى منه، فإذا استمر فيها تصبح ذنباً كبيراً، لأنه أصر عليها، والخيانة الزوجية كجريمة ينبغي أن تنطبق عليها الشروط الشرعية كي تكتمل أركانها، وهذه الشروط هي العناصر المادية التي ينبغي توافرها في أي جريمة، كالنية المسبقة للخيانة، والإثبات المادي للجريمة كوضع للتلبس أو أحاديث الهاتف المسجلة أو عن طريق الإنترنت، فإذا ما اكتملت أركان الخيانة (الزنى) بالأدلة المادية، عندها يمكن اعتبارها جريمة وتجاوزاً لحدود الشرع التي أمرنا الله بعدم تجاوزها، واعتبر الشعال أن الإنسان الذي يُعلن المعصية يكون هنا ارتكب ذنبين، الأول حين ارتكب المعصية والثاني عندما نشر الفسق والسلبية والضرر بالآخرين، “وإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا”، وبالرغم من ذلك وجب علينا عند رؤية إنسان ارتكب المعاصي الذاتية عدم وضع الكراهية والعداوة تجاهه، فهو بحاجة إلى المعونة لاستغفار ربه والتوبة إليه، لا إلى مزيد من التشهير والغيبة، لذا يجب معالجة هذه الحالات باتخاذ دور المرشد للمُخطئ، لا الجلاد والجزار.

يعاقب عليها القانون
وإذا نظرنا إلى موضوع الخيانة الزوجية من منحى قانوني، سنجد أن القانون السوري قد راعى بشكل كبير مبدأ الشرف، واعتبر أي خيانة تصدر من أحد الزوجين في حال ادعى أحدهما على الآخر جريمة جزائية، إذ إن قانون الأحوال الشخصية السوري لم ينص صراحة على الخيانة الزوجية، بل اعتبر ذلك سبباً من أسباب الطلاق، كما أن محكمة بداية الجزاء هي المسؤولة عن محاسبة خيانة الزوجة للزوج، واعتبر أحمد فهيم خليل “أمين سر نقابة محامي ريف دمشق”، أن أغلب حالات الخيانة الزوجية خلال هذه الأيام هي دعاوى ارتكاب زنى من قبل أحد الزوجين، ومعظمها للأسف كانت وسائل التواصل الاجتماعي أداة أساسية في إضرام نار هذه الخيانة لتأتي دعاوى ارتكاب الزنى من خلال ادعاء أحد الزوجين على الآخر، وذكر قانون الأحوال الشخصية السوري أن من حق كلا الزوجين طلب التفريق في حال ثبتت الخيانة الزوجية من قبل أحدهما، مشيراً إلى أن هذا مندرج تحت مسمى الشقاق أو الإساءة، وهذا ما أكدّه لنا محمود معراوي “القاضي الشرعي الأول بدمشق”، فلكلا الزوجين الأحقية برفع دعوى جزائية أمام محكمة بداية الجزاء، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي باعتبار أن الخيانة الزوجية من أبشع الظواهر التي تؤثر في المجتمع، وقد ازداد عدد الدعاوى المتعلقة بالخيانة الزوجية في سورية بالآونة الاخيرة  لتبلغ نحو 6 آلاف دعوى، وألقى معراوي اللّوم الأكبر لاستفحال هذه الظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها بكثرة، ووجود الجوالات مع كافة الأعمار من أفراد المجتمع، والفيس بوك، والواتس أب، وغيرها من الوسائل التي سهلت التواصل بين أشخاص غير معروفين واستخدمت في أمور منافية للعادات والتقاليد، وفي حالات معينة أدت إلى تواصل الزوجة أو الزوج مع أصدقاء دون معرفة الطرف الآخر، وتطور هذه الحالات إلى علاقات غرامية وأمور أخرى، فهذه المشكلات أصبحت ملحوظة بكثرة من خلال الدعاوى واللقاء بالتحكيم.

إعلام مقصّر
مبررات كثيرة وحجج لا تنتهي يلجأ إليها المتزوجون للخيانة الزوجية الإلكترونية عبر مواقع الدردشة، كأسرع طريق لعلاج المشاكل الزوجية التي تمر بهم، خاصة في ظل الظروف الحالية التي نمر بها، وما نجده في إعلامنا هو مجرد عرض لهذه الظاهرة وكأنها شيء عادي، دون محاولة لطرح هذه الظاهرة كمشكلة وإيجاد حلول لها، وهذا ما يتطلب الاهتمام من قبل القائمين على الإعلام بهذه النواحي، وأن يقدّموا برامج ومسلسلات وأفلاماً تتناول الظاهرة، خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي وبرغم انتشارها الكبير تُعتبر تجربة جديدة بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع، وقد يُساء استعمالها من قبل المستخدمين الحديثين لهذه الوسائل، وأغلبهم يكون من فئة المتزوجين، لذا لا بد من إعادة زرع قيم المحبة والوفاء والأخلاق التي تربينا عليها والتي بدأنا نفقدها هذه الأيام.

ميس بركات