لمواكبة آخر الصرعات شباب وصبايا يتخلون عن الأزياء الكلاسيكية.. ويقدمون هويتهم الفكرية من شقوق ملابسهم!

لمواكبة آخر الصرعات شباب وصبايا يتخلون عن الأزياء الكلاسيكية.. ويقدمون هويتهم الفكرية من شقوق ملابسهم!

شعوب وعادات

الخميس، ١٤ يوليو ٢٠١٦

لو كان الناظر إليه مراهناً لقدم رهانه على الفور دونما تردد أن “بنطال ذلك الشاب تمزق، ويحتاج في أول فرصة لاستبداله وشراء آخر جديد يختفي منه ذلك العيب”، لكن رهانه سيكون خاسراً حتماً لأن لباس صديقنا من أحدث صيحات الموضة، وآخر صرعاتها، وهذا لم يكن في حسابات الرهان لديه، أما هو، ذلك الشاب العشريني الذي أثار اهتمامنا في إحدى الكليات الجامعية، فلم يكن مبالياً على الإطلاق بالشق الواضح في بنطال الجينز الذي يرتديه، بل بدا سعيداً جداً بموضة جديدة وغريبة تظهر بوضوح “مفاتن الجمال” في إحدى ركبتيه، موضة تُكثر من الرقع والخروق في ملابس الشباب وأزيائهم، فتستحسن القبيح والبالي، وتجعله هوية لجيل حائر باحث عن الهوية، موضة لا نعرف إن كانت ستقلب الطاولة على المألوف عند جيل آخر اعتاد الأزياء الكلاسيكية، والملابس الخالية من الشقوق، ليصبح رداؤهم في يوم ما حالة شاذة، وتصبح الألبسة الجديدة الصاخبة عرفاً سائداً ومتفقاً عليه.
د. شبلي:
التقليد الأعمى للغرب في الأزياء والملابس يدلل بوضوح على مشاكل ضعف في الشخصية المتابعة للموضة، والمقلّدة للآخرين، سواء كانت تلك الموضة مناسبة أم لا!

أكثر من رأي
ومثل كل القضايا والإشكاليات الجديدة هناك من يوافق، وهناك من يعارض، وهناك من يقف موقف الحياد، وفي آراء الشباب التي رصدناها يبدو ذلك التنوع وتلك الآراء المختلفة إزاء الموضة وصيحاتها، تقول نور، طالبة الأدب الفرنسي، إنها تبحث في الموضة عما يلامس شخصيتها دون أن تمانع أيضاً بتجربة أي شيء جديد دارج، فكل ما هو غريب يبدو مثيراً للاهتمام بالنسبة إليها، وتكمل: ليس بالملابس فقط، ولكن في تسريحات الشعر وتصفيفاته، وكذلك في المكياج والاكسسوارات، وغيرها، أما علي، طالب في التخصص نفسه، فيقول: أرتدي وأشتري بحسب الدارج والمألوف، وحين أختار ملابسي لا تغريني الموضة بقدر ما يعنيني استحسان الناس لما أرتديه من الثياب، في المقابل بدا موقف عمار، طالب الفلسفة، أكثر صرامة حين عبّر بوضوح عن استيائه للتقليد الأعمى دون مراعاة الذوق العام للناس، وخصوصية مجتمعاتنا الشرقية!.

ضريبة الجديد
والملفت أن الموضة الجديدة حتى وإن كانت عبارة عن ملابس ممزقة، وتحتوي على رقع كثيرة، ستعرض في وكالات الألبسة والماركات بأغلى الأسعار والأثمان، فلا تشملها مواسم الـ “Sale”، ولا تطولها بركة التخفيضات، وعند دخولك لإحدى تلك الوكالات باحثاً عن قطعة ملابس بسعر مقبول، سيرافقك أحد الباعة مبتعداً بك عن قسم الـ new collection الذي يحتوي آخر تلك الصرعات بأسعار جنونية فـ “النيو كوليكشن” هذا لا يشمله التخفيض، وضريبة الجديد الغالية لن يمانع في تسديدها المؤمنون بالموضة، والمتابعون لصيحاتها، وهو ما أكدته لنا إحدى السيدات حين أوضحت: لن تعثر في أقسام التخفيضات إلا على ملابس بطلت موضتها فغدت شعبية جداً، وهنا بحثنا عن الفرق بين تلك الصيحات الدارجة من الملابس المشقوقة، وملابس بعض البسطاء البالية والمهترئة والشعبية جداً، فلم نجد فوارق تذكر!.

لفت نظر
يؤكد د. صفوان محمد شبلي، المدرّس في كلية التربية بجامعة دمشق، أن التقليد الأعمى للغرب في الأزياء والملابس يدلل بوضوح على مشاكل ضعف في الشخصية المتابعة للموضة، والمقلّدة للآخرين، وكذلك تفهم نفسياً أنها محاولة للفت نظر الآخرين، وإثارة انتباه واهتمام الجنس الآخر بصرف النظر عن كون تلك الموضة مناسبة لنا أم لا!.. ويلاحظ أن المبالغة بمتابعة الموضة قد تكون محاولة لإظهار التميز، خاصة عند بعض الشباب الذين يعجزون عن التميز في نواح علمية أو ثقافية أو اجتماعية، فيكون التعويض في الملابس، وخاصة عند طلاب الجامعات كمحاولة خلق للمكانة الاجتماعية وتحقيقها، وكذلك نجد هذه الظاهرة منتشرة بكثرة عند الفتيات والشابات في محاولة منهن لتقليد المشاهير والنجوم حتى على مستوى لون الشعر والأظافر والماكياج، وللأسف لا يمتلك مجتمعنا اليوم في زمن العولمة زياً عصرياً خاصاً به، ويعبر عن هويته، والمشكلة أن ما لدينا من أزياء في تراثنا لا يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث.

هوية ضائعة
في المقابل يرى الأخصائي النفسي والباحث الاجتماعي، كنان الشيخ، أن الملابس وعبر التاريخ الطويل كانت وسيلة نحدد من خلالها انتماء الشخص لطبقة معينة من طبقات المجتمع، وأصبحت وسيلة يخاطب بها الإنسان الآخرين من حوله، ويعبر من خلالها عن ذاته وشخصيته، لكن الاهتمام بالموضة بشكل مبالغ فيه يؤدي إلى ضياع الهوية ويؤثر بشكل سلبي على الشباب والمراهقين بالخصوص، لأنهم دائماً يبحثون عن التفرد وجذب الانتباه، ويوضح: المراهقون أكثر عرضة للتأثر بالموضة بسبب عدم اكتمال نضوجهم الفكري والتأثيرات الخارجية المتنوعة خاصة من وسائل الإعلام والانترنت وغيرها، فتلك المرحلة العمرية تتميز بالاهتمام بالشكل، حيث إن الشباب في كل المراحل يريدون استخدام مصطلح أنا موجود من خلال تقليد الغرب، ويبحثون عن عالم خاص يعيشون فيه، وكل ذلك طبيعي في هذه المرحلة، ولكن إذا تخطى الأمر الحد المسموح فسيتحول إلى هوس مرضي، ويصبحون دون أن يشعروا ضحية للموضة لأنها أصبحت محور حياتهم، فهم يبحثون عن عالم خاص بهم ويتميزون بالتمرد فيتبعون الموضة لترسيخ مبدأ الاختلاف والتعبير الدائم عن حالة الرفض، فيكون أسلوب العناد مع الأهل، وقد يكون كل ذلك دون أية قناعة شخصية.

نظريات نفسية
ويتحدث الشيخ عن نظريات نفسية تؤكد أن اختيار ملابس معينة يعكس شخصيات مختلفة لدى الإنسان، حيث إن ملابسنا تؤثر علينا لا شعورياً، كما أن لجوء الشباب إلى ارتداء مثل هذه الموضة الغريبة عن مجتمعنا ربما يعود إلى رغبة بتحدي الأهل الذين كانوا دائماً يتدخلون بملابسهم ويحددون لهم أن يلبسوا هذا النوع أو يتجنبوا نوعاً آخر من الملابس، وربما يعود أيضاً إلى التمرد على عادات المجتمع وتقاليده وفرض جيل الشباب نفسه كفئة قادرة على إحداث تغير في المجتمع، أو تقليد الأصدقاء لمجرد أن صداقتهم تتطلب أن يكون مثلهم، وإلا أصبح خارج المجموعة، وهذا الأمر ينطبق على ضعاف الشخصية، وهم من يسمون بالمنقادين من قبل الآخرين، وقد يكون ارتداء ملابس معينة ردة فعل عاطفية جراء تجربة حب يعتبرها الشاب أو الفتاة فاشلة، فيحاولون إثبات ذاتهم كأشخاص مختلفين، يرغب الجنس الآخر بالتعرف إليه والحديث معه، لأنه شخص مميز وفريد في المجتمع.

كي لا نفقد الخصوصية
وحتى لا نفقد خصوصية مجتمعنا، يؤكد الباحث الاجتماعي، كنان الشيخ، على ضرورة الرقابة الأسرية في المنزل والرقابة في المدرسة أو الجامعة ويقول: يجب أن يكون هناك اتصال دائم بين الأسرة والمدرسة أو الجامعة، كذلك على وسائل الإعلام أن توضح مخاطر التقليد الأعمى ومخاطر البعد عن الهوية العربية، وأن تطلق جرس الإنذار تجاه هذه المشكلة، ومهم ألا يقف الإعلام موقف المتفرج، بل المتعاون مع الموضة الغريبة، والناقل لها والتي تؤثر سلباً على تقاليدنا وعاداتنا، ويكون هذا عبر تقديم المثال والنموذج المثالي الذي ينير عقول الشباب ويؤثر بالإيجاب على ثقافتهم..
وفي الختام يوضح الشيخ: رغم اختلاف وتعدد وجهات النظر فيما يتعلق بمدى الاهتمام بالموضة واتباعها، فإن ما يتفق عليه الجميع هو الاعتدال واحترام الضوابط الاجتماعية، وعدم التعدي على حرية وشخصية الآخر، فاللباس يبقى طريقة في التخاطب والتعبير والتواصل مع الآخر، ورسالة تعكس شخصيتنا وهويتنا وانتماءنا، وتضع ذوقنا وثقافتنا وطريقة تفكيرنا على المحك، لأن هذه الرسالة هي أول ما يتلقاه الآخر ليحكم على شخصيتنا وسلوكنا.

محمد محمود