دون استئذان! الفضوليون.. يقتحمون خصوصيات الآخرين ويدّعون المعرفة لتعويض النقص في شخصياتهم!

دون استئذان! الفضوليون.. يقتحمون خصوصيات الآخرين ويدّعون المعرفة لتعويض النقص في شخصياتهم!

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٢ أبريل ٢٠١٦

وسط ذهول الحاضرين من الأصدقاء ودهشتهم، ينتزع يائل بطارية الكمبيوتر المحمول الجديد العائد لصديقه أنس من مكانها، ويقول له جاداً: “فكلي هالهارد لقلّك”، مدعياً تفحّص مواصفات الجهاز، وإلقاء نظرة عليه، ومفاخراً بخبرة طويلة في مجال الالكترونيات وأجهزة الحاسب!.
تنتهي الجملة، وتنطلق معها ضحكات الحاضرين، لأنها كشفت عن جهل هذا الشاب بأبسط قواعد الالكترونيات، وأيقظت أنس صاحب الجهاز من ذهوله ودهشته، فحاول التوضيح والتصحيح بتواضع قائلاً: ولكن القطعة التي انتزعتها يا صديق هي بطارية الجهاز، وليست قرص التخزين الصلب “الهارد”!!.
ولأن الفضوليين غالباً ما يتمسكون بآرائهم، يستدرك الشاب الفضولي يائل الموقف موضحاً أنه يعلم هذا الأمر، وأنه ارتكب مجرد خطأ لغوي لا يجب أن يلام عليه، ولا يستحق موجة الضحك تلك، قبل أن ينسحب بخجل من المجلس مباركاً الكمبيوتر المحمول الجديد لصديقه.أكثر من سيناريو
من المؤكد أن الشخصية الفضولية في السيناريو السابق ليست حالة فريدة أو وحيدة، ولعلها نموذج من حالات كثيرة خبرها المجتمع السوري في تعاملات أفراده مع شخصيات فضولية تدّعي العلم والمعرفة والخبرة في كل شيء، وتقحم نفسها في مواضع كثيرة لا تخرج منها قبل أن تفسدها، أو تترك المعنيين فيها بامتعاض من كثرة فضولهم وتدخلهم بما لا يعنيهم!.
ويروي بعض من رأيناهم قصصاً كثيرة عن الفضوليين في حياتهم، فمثلاً علي وهو شاب ثلاثيني تحدث عن مناقشة كان يجريها مع أحدهم قبل أن يدخل طرف ثالث على الخط ويبدأ بالتنظير والتحليل في موضوع النقاش، ويضيف: كم كانت مفاجأتي حين بدأ ذلك المتطفل بالتنظير في الأمور الاقتصادية، وكان محور الحديث عن أقوى اقتصاد في العالم، فكان رأيه أن الاقتصاد الياباني هو في المرتبة الأولى، وظل على قناعته حتى حين جعلناه يشاهد ترتيب الدول الأقوى اقتصاداً بحسب أكثر من مرجع وموقع الكتروني متخصص، حيث تأتي اليابان ثالثة بعد الصين والولايات المتحدة، لكنه رفض وبقي متمسكاً برأيه، ويريد إقناعنا بما يراه صحيحاً، مكذّباً أية حقيقة خلاف ما يدّعيه، وهذا حال مدّعي المعرفة والفضوليين دائماً، لذا حاولنا تجنبه والابتعاد عنه.

أكثر طرافة
ولعل القصص الأكثر طرافة بالحديث عن الفضوليين، تلك التي ينجم عنها ضرر أو تخريب نتيجة تدخلهم في أمور لا يعرفون عنها شيئاً، تقول رانيا، ربة منزل: في حياتي سيدة فضولية تجاور منزلي تتدخل في أبسط شؤون أسرتي، وتريد دائماً أن تعرف كل شيء، وتبدي الرأي والنصح فيه، وتكمل: تسببت لي هذه السيدة بالعديد من الكوارث، لعل إحداها كانت حين أقنعتني أنها تجيد صنع نوع مميز من الحلويات، وأن المطلوب مني فقط إحضار المواد اللازمة، وترك الباقي لها، وهو ما كان، لكن النتيجة أتت بخلاف المتوقع تماماً، حيث استمر “التلبّك” المعوي الذي أصاب كل من تذوق حلويات تلك السيدة لأيام عديدة، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي أسمح للفضوليين فيها بالتدخل في حياتي، أما سومر فيعرض أمامنا بحزن جهازه المحمول الذي تحوّل إلى قطعة من الخردة بعد أن وضعه في أيدي أحد الفضوليين لإصلاح عطل بسيط، ولكنه أيقن الآن جدوى المثل الشعبي الذي يقول: “أعط الخباز خبزه”.

من هم الفضوليون؟!
هناك من يقول: إن الشخصيات الفضولية موجودة بكثرة في المجتمع السوري، وربما يكون أحدنا من حيث يدري أو يجهل أحد هؤلاء حين يقحم نفسه في شأن لا يعنيه، أو يحاول التدخل في كل تفصيلات الحياة، فماذا يريد الفضوليون؟ وكيف تعرف أنك قابلت أحدهم؟.. يؤكد الدكتور إبراهيم ملحم، اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البعث، أن الشخصية الفضولية بالتعريف هي شخصية تدّعي المعرفة بأي موضوع، وفي معظم الأحيان يكون مبررها لمثل هذه التصرفات حب الخير، ونشر الفضيلة، وهي شخصية في الغالب تعاني من ضغط نفسي، وتنتمي للفئات المسحوقة والمهمّشة اجتماعياً واقتصادياً، فتبحث عن تعويض ذلك النقص بالتدخل في الخصوصيات، ومحاولة ادّعاء المعرفة في كل شيء لتعويض النقص الذي تعانيه.

معالجة خاصة
ويؤكد د. ملحم أن هذه الشخصيات موجودة بكثرة في المجتمع السوري، وبحسب بعض الاختبارات تبيّن وجود هذه الشخصية في كافة الشرائح والطوائف والطبقات، لكن بنسب أعلى لدى الطبقات المسحوقة، وتختلف درجة فضولهم وفقاً للمواقف التي يتعرضون لها، ومن المهم عند مصادفة أو لقاء شخصية فضولية الحذر منها، وتجاهلها بشكل مقصود ومتعمّد، لأن هذا النمط من الشخصيات يأخذ الثقة على محمل الجد، فالفضوليون فئات مضطربة اجتماعياً، وتعاني من عدم توازن اجتماعي، وغالباً ما تكلّم نفسها، وتعاني من أحلام اليقظة، وعن علاج الشخصية الفضولية يؤكد ملحم أن هذا النمط من الناس بحاجة لمعالجة خاصة، وغالباً ما يكون الحل الأنسب بطيئاً من خلال دمجها بالأنشطة الموجهة، وبمهنة توافق اهتماماتها  الفضولية، ويختم ملحم: لا توجد أرقام فعلية أو أبحاث عن انتشار، أو نسب الشخصيات الفضولية في المجتمع السوري، لكن المؤكد أنها تنتشر في المجتمعات الضيقة التي فيها قيد اجتماعي على حرية الأفراد بحكم العرف أو الدين، أو ما شابه.

أوجه أخرى
ربما يكون الفضول، أو التدخل في شؤون الآخرين محط استياء مجتمعي، وربما يكون الفضوليون من الشرائح المجتمعية التي يتجنبها الكثيرون في التعامل، لكن الحقيقة أن الفضول قد يكون نافعاً أحياناً، وله أوجه أخرى إيجابية إذا ما ارتبط بالفهم الصحيح، والبحث عن الحقائق، فالصحافة مثلاً مهنة الفضول في المعرفة، والبحث عن الأفكار الجديدة، وتوظيفها، واستخدامها في استعراض لغوي يأخذ شكل خبر أو تحقيق، أو ما شابه، لا يحقق الإضافة التي ينتظرها القارئ ما لم يكن الباحث عن المعلومة الجديدة فضولياً.
محمد محمود-البعث