تحكمه الفكاهة والتسلية الأول من نيسان .. حقائق مدفونة تحت الأكاذيب .. وانجرار جماعي نحو السلبية الاجتماعية

تحكمه الفكاهة والتسلية الأول من نيسان .. حقائق مدفونة تحت الأكاذيب .. وانجرار جماعي نحو السلبية الاجتماعية

شعوب وعادات

الجمعة، ١ أبريل ٢٠١٦

كانت لحظات صعبة عندما اتصل بي شخص يدّعي بأنني أضايق زوجته عبر الهاتف، ثم تلتها الكثير من الاتصالات التي توبخني على تصرفاتي غير المسؤولة وتنصحني بتصحيح الموقف مع هذا الشخص الذي لا أعرفه أساساً كونه عازماً على فضح تصرفي أمام عائلتي.
ولاشك أن حالة الاضطراب التي عشتها لم يكن مصدرها عدم الثقة بالبراءة، بل كان الخوف من البلبلة التي يمكن أن تحدثها هذه الحادثة التي ستتفاعل لتصل في مجتمعنا لمستوى الفضيحة وتشويه السمعة بحيث تكون الاستماتة في الدفاع عن النفس وتكذيب الأقاويل مثل من يحاول صب الزيت على النار، خاصة أن منظومتنا المجتمعية تستهوي مثل هذه الحوادث وتتناقلها مع الكثير من الإضافات التي تحوّل الأكذوبة إلى حقيقة.
وطبعاً لم ينتظر الفاعل كثيراً حتى كشف عن هويته في إحدى الجلسات متباهياً بكذبته وبنجاحه في إرباك حياتي وإثارة قلقي تحت عنوان”كذبة نيسان” التي لم تعد تلك الكذبة البسيطة التي تُداعب حياتنا بعد أن تمادى الكثير من الناس في استخدامها بأسلوب غير حضاري لتتحوّل المزحة إلى كابوس يصعب التعامل مع تفاصيله القاسية وتداعياته المقلقة، فلماذا نلجأ إلى الكذب لترويع الآخرين وإثارة هواجسهم، ومن منح البعض الحق في اللهو والتلاعب بمشاعر الآخرين بحجة الترويح عن النفس من بوابة الكذب  “كذبة الأول من نيسان “، وماهو أصل هذه الكذبة؟..تقليد أعمى
تخيّلوا أن يتصل بكم أحد في ظل هذه الأحداث ليقول لكم: إن (الأب أو الأخ أو الابن) قد خطف ليلهو ويلعب أو أن يتصل أحد بأهل أي مخطوف أو مفقود ليعلمهم بوفاته أو ليطالبهم بمبلغ من المال .. دون الاكتراث بمشاعرهم وبما قد ينجم عن حوادث نتيجة هذه المزحة “الكذبة المرة” التي سيكون لها الكثير من الآثار الاجتماعية والنفسية والصحية، وفي مقابل تكون قهقهات ذلك المتظارف هي الحاضر الأقوى والشاهد على مآسي الآخرين وخاصة عندما يقتبس عبارة أسعد في مسلسل ضيعة ضايعة (عم نلطف جو) وهوليواجه عتباً ولوم الآخرين له.

أصول وروايات
الكثير من الأساطير والروايات غير الدقيقة التي تتحدّث عن “عيد الكذب”، حيث يعيده
البعض إلى القرن السابع عشر حينما اتخد الملك لويس الرابع عشر( 1638 – 1715 م) ملك فرنسا من اليوم الأول لكانون الثاني رأس السنة المالية في فرنسا عوضاً عن الأول من شهر نيسان لأنه عيد وثني.
وحسب هذه القصة أصر البعض على الاحتفال بهذه المناسبة بعد أن لبسوا ملابس متنكرة وصبغوا أوجههم كي لا يتم التعرف عليهم من قبل جنود الملك، لما سمع الملك لويس السابع عشر أمر بإحضارهم جميعاً إليه، وعندما سألهم عن سبب قيامهم بالاحتفال وعصيانهم لأوامره، انبرى متكلم حاذق من بينهم قال للملك : يا ملكنا العظيم إننا لم نخالف أوامرك، وبالعكس حوّلنا هذه المناسبة إلى مناسبة تافه لا تستحق الاحتفال فيها .. عملناها عيد الكذب عن طريق لبسنا هذه الملابس الممزقة وهذه الأصباغ المزيفة، ففرح الملك عندما سمع هذا الكلام ولم يقطع رؤوسهم، ومنذ ذلك اليوم يطلق البعض عليه يوم الكذب عوضاً عن عيد رأس السنة التقليدية – عيد اكيتو أو عيد عودة الحياة إلى الأرض بعد سباتها ستة أشهر (الشتاء) حسب أسطورة كلكامش.
وهناك رواية غريبة أخرى تقول: (إن إحدى ملكات بابل القديمة أمرت بأن يكتب على قبرها بعد وفاتها عبارة تقول: «يجد المحتاج في قبري هذا ما لايسد به حاجته إذا فتحه في الأول من نيسان» ولم يجرؤ أحد على فتح القبر حتى جاء الملك الفارسي داريوس، فأمر بفتح القبر، فوجد لوحاً نحاسياً كتب عليه: «أيها الداخل إلى هذا القبر أنت رجل طمّاع وقح عطش إلى نهب المال ولأجل إشباع نهمك أتيت تقلق راحتي في نومي الأبدي مغتنماً فرصة الأول من نيسان، ولكن خاب ظنك وطاش سهمك فلن تنال من لحدي إلّا نصيب.

أشهر الأكاذيب
من الأكاذيب المشهورة التي كانت لها تداعيات كبيرة بعد أن صدّقها عدد كبير من الناس قصة الترويج الإعلامي التي حدثت في بداية القرن العشرين عن إقامة مؤتمر في نيودلهي لتوحيد الأديان والدعوة مفتوحة لحضور ممثلي جميع الأديان في العالم له، وحينما ذهب بعض الأوروبيين إلى هناك لم يجدوا أي شيء من هذا القبيل، وإنما اكتشفوا أنها كذبة.
وفي الأول من نيسان عام 1774  نشرت جريدة ألمانية خبراً، مفاده أن العلماء توصلوا إلى أنه إذا أردت أن تلون ريش دجاجاتك، فعليك أن  تصبغ جدران الحجرة باللون الذي ترغب فيه ليتحوّل ريش الدجاج تدريجياً إلى ذلك اللون، ويظهر أن الكثيرين قد صدّقوا هذه المزحة، إذ إن بعضهم كتب للجريدة بعد فترة أنهم صبغوا الجدران ولكن لون ريش الدجاج لم يتغير.

مكافحة الكذب
مناقشتنا لموضوع الكذب في الكثير من الجلسات مع أصحاب الخبرة التربوية والصحة النفسية قدّمت لنا بعض القواعد لمكافحة الكذب، حيث أشارت الآراء إلى عدم ترك الفرد يمرر كذبته على الآخرين لأن هذا يشجعه ويعطيه الثقة بقدرته على ممارسة الكذب دائماً، فبمجرد إشعارنا له أننا اكتشفنا كذبه فهو سوف يحجم في المرات التالية عن الكذب مع التذكير بأن إنزال العقوبة بعد الاعتراف بذنبه تعتبر عقوبة على قول الصدق، فيجب التسليم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
واتفقت الآراء أيضاً على أنه من طرق كشف الكذب الاعتماد على التناقضات، فأول ما يجذب في حديث الشخص ويؤكد أنه كاذب هو قوله المتناقض “فكلما كانت القصة غير منطقية كلما تم التأكد من  أنها كاذبة”، لذا يجب عدم تضييع الوقت مع شخص يلهو، بالإضافة لذلك وبحسب الدراسات فإن 4% فقط من الكاذبين هم الذين يتميزون بالبراعة في الكذب، لذا علينا أن نكون بارعين في اكتشافهم ولا ننتظر الردود الكاذبة، بل نتعلم فنون الصيد من خلال  مفاجأتهم بسؤال غير متوقع وغير مستعدين  للإجابة عليه
ويرون  أن الكذب يمكن فضحه من خلال تعبير يحمل أكثر من معنى وهو غالباً ما يكون تعبيراً مختصراً جداً يأخذ حوالي 25 ثانية،  ومن السهل أن يظهر برمشة عين  أو زلة لسان والحيلة أن نرى ونفهم ذلك.

الكذب الأبيض
يمكن وخاصة في هذه الظروف المشحونة بالهموم والضغوط النفسية القبول أو تبرير انشغال الناس في الأول من نيسان في اختراع الكذبة التي يريدون تمريرها على أصدقائهم واصطياد أحلامهم واحتياجاتهم بحيث يستثمرون مايعرفونه عن حياتهم في لعبة الكذب الأبيض بهدف التسلية والمرح ولكن ما هو مرفوض أن يتم استغلال معاناة الناس في التسلية والإمعان في كسر إرادتهم وقهرعواطفهم وأن يخفي البعض وراء كذبتهم الكثير من الغايات والأهداف المؤذية، وهذا يعني المزيد من الأعباء والضغوط المختلفة والمزيد من الجهد لإيجاد الحقيقة المدفونة تحت الكذبة، وبالمحصلة سواء كان الكذب أبيض أم أسود،  فهذا لايغيّر من حقيقة أن الكذب آفة اللسان.