بعد أن فرضت نمطاً حياتياً جديداً تطبيقات التقنيات الحديثة وفرت الوقت والجهد وزادت من المخاطر الصحية والاجتماعية

بعد أن فرضت نمطاً حياتياً جديداً تطبيقات التقنيات الحديثة وفرت الوقت والجهد وزادت من المخاطر الصحية والاجتماعية

شعوب وعادات

الجمعة، ٥ فبراير ٢٠١٦

على شاشة هاتفه الذكي يستعرض رامي، طالب السنة الثانية في قسم الأدب الانكليزي بجامعة دمشق، سلسلة تطبيقات وبرامج زوّد بها هاتفه الذكي لتكون عوناً له في تفاصيل مختلفة من حياته اليومية، سواء في الجوانب الدراسية والعلمية، أو العملية والتطبيقية والترفيهية، تُفاجأ حين ترى ذاك الكم الكبير من البرامج المتنوعة والمفيدة لرامي في جواله، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصية ذلك الطالب الجامعي، ومرافقاً لا غنى عنه، على سبيل المثال لا الحصر توجد في هاتف رامي مجموعة تطبيقات للترجمة يتميّز أحدها بخصائص فريدة، إذ يستطيع بمجرد التقاط صورة لكلمة ما تحويلها لنص وترجمتها على الفور، وهو ما يتيح له ترجمة نصوص عديدة يحتاجها في دراسته بدل البحث المتعب عنها في القاموس، ولديه تطبيقات أخرى، بعضها لقواعد اللغة، وبعضها يمكّنه من إجراء اختبارات، ورفع مستوى مهاراته في التحدث.
حالة رامي ليست فريدة أو وحيدة، فاليوم يكاد لا يوجد أحد بمعزل عن تأثير التقنيات الحديثة والهواتف الذكية التي اقتحمت على غفلة من الكثيرين عالمهم، فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منه، سواء بتطبيقاتها المفيدة التي أوكلوا إليها مهام مختلفة، أو تلك التطبيقات الأخرى التي جعلتهم في معزل عن أقرب المقربين إليهم في الأسرة الواحدة، وفرضت نمطاً جديداً من السلوك الاجتماعي الناتج عن استخدام تلك التقنيات!.
استيقظ مبتسماً
أنماط أخرى من استخدامات التقنية تحدث عنها آخرون، فمثلاً: لا يتوقف الهاتف الذكي للفتاة الجامعية هديل عن الرنين صباحاً حتى تلتقط لنفسها صورة “سيلفي”، وهي مبتسمة، هكذا يعمل التطبيق الذي نصبته مؤخراً على هاتفها لإيقاظها، تقول الفتاة مبتسمة، وهي تتذكر أياماً مضت: “الله يرحم أيام ساعة المنبه، وصوت الرنين المزعج الذي كنا نستيقظ عليه صغاراً”، اليوم نستطيع اختيار النغمة، ووقت التنبيه بدقة متناهية، ونستطيع إضافة وقت آخر للغفوة، وآخر ما أصبحنا عليه أن تستيقظ مبتسماً باستخدام أحد التطبيقات، أما بالنسبة لوقت النوم- تضيف هديل- فهناك تطبيقات أخرى تجعلك تغفو على أنغام موسيقا هادئة، وتتوقف تلقائياً بعد وقت محدد، وبعيداً عن الاستيقاظ والنوم، يبدو وائل، طالب الصف العاشر، مشغولاً بتصوير بعض الدروس والملاحظات من كتاب أحد أصدقائه مستخدماً هاتفه الذكي الذي يتوفر فيه تطبيق لتصوير النصوص بدقة عالية، ما يسهّل عملية تبادل المعلومات، أما الشيء الذي لا يستطيع وائل الاستغناء عنه فهو استخدام هاتفه لتسجيل بعض الدروس للعودة إليها عند الضرورة، أما علي، وهو مدرّس وأب لطفلين، فأصبح تفكيره جدياً بشراء جهاز أي باد جديد لأولاده رغم ارتفاع ثمنه، فلا إمكانية لاستخدام مريح أو قراءة هادئة لبعض الكتب الالكترونية التي حملها على جهاز “الأي باد” بوجود طفليه، ومطالبهم المتكررة بحصتهم وأدوارهم في “اللعب” باستخدام الجهاز لبعض ألعاب سباق السيارات والقتال مثل أطفال كثيرين دخلت التقنية عالمهم!.

طبيب الكتروني
الملفت حقاً ما تحدثت عنه أم رغد حين بيّنت جانباً آخر من استخدام تطبيقات الهواتف الذكية، والتقنيات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التفاصيل اليومية في حياة المجتمع السوري، حين تحوّلت أيضاً إلى طبيب في المنزل، ومرشد صحي يقدم العديد من النصائح اليومية في هذا الجانب، تستخدم أم رغد تطبيقات طبية كثيرة حملتها على هاتفها الذكي، تشرح أحدها، وهو تطبيق وظيفته قياس ضغط الدم في الجسم، فتقول: يكفي أن تضع إصبعك بشكل متصل على الضوء وعدسة الكاميرا الخلفية في الهاتف ليتم قياس الضغط لديك وتزويدك بالنتيجة، وهناك تطبيق آخر لقياس عدد نبضات القلب، والتطبيقان بحسب أم رغد يقدمان نتيجة ملموسة تستفيد منها ربة المنزل إلى جانب تطبيقات أخرى، فمنها ما يستخدم لتشخيص الأمراض في أجزاء الجسم المختلفة ويقدم الحلول والنصائح لحلها، ومنها ما يحتوي مكتبة الكترونية كاملة عن الطب البديل، وتتضمن نصائح عن خواص الأعشاب والنباتات الطبية، وهناك أيضاً تطبيقات أخرى تستخدم كمرشد صحي يرافقك في يومك ويقدم لك النصائح بتمارين رياضية تمارسها بشكل دوري، وكما تلبي التقنيات شغف ربات المنزل بوصفات الطبخ وإرشادات تحضير الطعام الحاضرة في تطبيقات كثيرة وفرتها التقنية الحديثة لأم رغد وغيرها من ربات المنازل.

عزلة اجتماعية
هكذا إذاً وفي غفلة منا تصبح التقنية المتمثلة بتطبيقات تلك الهواتف مرافقاً يومياً في حياة فئات مختلفة من أفراد المجتمع والأسرة على حد سواء، ويكثر من تسمع سخطهم من الحالة التي أصبح إليها المجلس الأسري حين يبدو كل فرد من أفراد العائلة مشغولاً بهاتفه وما فيه من تطبيقات أو وسائل تواصل اجتماعي، وهو ما يفرض بالضرورة حالة من العزلة الاجتماعية وأنماطاً سلوكية جديدة تحدثت عنها الباحثة الاجتماعية، خيرية أحمد، التي وصفت التقنيات المستخدمة اليوم بسلاح ذي حدين، ففي الوقت الذي تقرب فيه المسافات وتختصر الزمن وتجعل من الحياة أكثر رفاهية فهي تؤدي إلى الكسل والتقصير والإهمال في أداء الكثير من الواجبات اليومية المطلوبة من الفرد كممارسة الرياضة أو المشي والجلوس مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء والتواصل معهم، هذا إلى جانب مشكلات نفسية عديدة، يتمثل أهمها بالعزلة والانطواء وعدم الرغبة بالخروج أو المشاركة بالأحداث الاجتماعية.

في بيئة حساسة
ومن المؤكد أن الأعراض التي تحدثت عنها أحمد ستكون أشد خطورة في مجتمع أشد حساسية واستقبالاً لهذه التقنيات، وهو مجتمع الأطفال الذي يشرحه الدكتور مهند إبراهيم، مدرس علم نفس الطفل في جامعة البعث، إذ يقول: رغم تحفيز بعض تطبيقات الهواتف الذكية الأطفال على تأدية مهارات مختلفة، إلا أن تقودهم تدريجياً إلى حالة من الكسل والاعتماد شبه المطلق على هذه التقنيات مثال: الطفل أو الطالب الذي يستخدم الآلة الحاسبة في هاتفه لإجراء العمليات الحسابية يفقد مهارة الإبداع وإعمال الفكر لحل المسائل الرياضية، وبحسب د. إبراهيم يمكن أن تكون تلك التقنيات وألعابها الالكترونية التي يستخدمها الأطفال ذات تأثير إيجابي في حال استخدمها الأهل بضوابط رقابية وأسلوب تحفيزي وضمن أوقات محددة ومعقولة فتزيد مهارات الدقة والملاحظة، لكن الإفراط البالغ في الاستخدام يدخل في مرحلة الإدمان، وبالتالي تدمير الطفل نفسياً ومعرفياً وإبعاده عن الاندماج بشكل سليم مع المجتمع، ومن المهم جداً دور الأهل الرقابي بتنظيم هذه العملية وعدم ترك الطفل مع تلك التقنيات بصورة دائمة والعمل على تأمين بدائل سليمة كاللعب بالكرة الذي يحفز في الطفل روح الفريق، أو القراءة والمطالعة وغيرها من الأنشطة.

مخاطر صحية
وتبقى أخيراً الإشارة إلى مخاطر صحية كثيرة، ربما تكون ضريبة الرفاهية التي وفرتها تلك التقنيات والهواتف الذكية، فبحسب رأي د. عدنان أسعد، طبيب الصحة العامة، فمعظم تلك الأجهزة ذات طيف كهرومغناطيسي يؤثر على صحة مستخدمها من خلال امتصاص الجسم لتلك الطاقة، ومن الأعراض الصحية للإشعاعات الكهرومغناطيسية الصداع المزمن والتوتر والرعب والانفعالات غير السوية والإحباط وزيادة الحساسية بالجلد والصدر والعين، إضافة لمشكلات تنتج في العمود الفقري والرقبة وعضلات ومفاصل الجسم نتيجة الانحناء الطويل وقلة الحركة، وهو ما يتطلب، بحسب أسعد، الحذر والانتباه بعدم إرهاق العين بالتركيز بتلك الأجهزة، وممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بين وقت وآخر.
محمد محمود