في مجتمع لا يقرأ ! تراجع كبير في نسب القراء وهجرة متزايدة للكتب.. والبدائل الالكترونية لا تحقق الهدف!

في مجتمع لا يقرأ ! تراجع كبير في نسب القراء وهجرة متزايدة للكتب.. والبدائل الالكترونية لا تحقق الهدف!

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٢ يناير ٢٠١٦

خذ كتاباً ووردة، واترك كتاباً آخر ووردة عوضاً عنه، بمثل تلك الطريقة يتبادل مجتمع آخر غير مجتمعنا العلم والمعرفة من على الأرصفة والطرقات، ففي اليوم العالمي للكتاب في رومانيا، يتصرف محبو الكتب  بتلك الطريقة، ويتفننون بمبادرات مختلفة كثيرة لتشجيع القراءة، ونشر العلم والمعرفة بين أفراد مجتمعهم، ورغم أن الكتب تنتشر أيضاً على الطرقات العامة، وزوايا الأرصفة في مجتمعنا، لكن واقع التعامل معها مختلف تماماً، ويمكن القول: إن الكتاب اليوم بات في حال يرثى لها، خاصة مع تراجع نسب القراءة في السنوات الماضية، والاعتماد شبه الكلي لشبابنا على القراءة الالكترونية، وبدائل التواصل الاجتماعي، ليقتصر شراء الكتب على حالات خاصة من الطلبة، وبعض المهتمين، ولتتقلص أعداد بسطات الكتب يوماً بعد يوم.
كنوز مغبرة
في شارع الحلبوني، وهو الشارع الأكثر شهرة في العاصمة دمشق بانتشار الكتب، تتنوع على جانبيه بسطات لكتب مستعملة ذات مضامين متنوعة تشهد إقبالاً خفيفاً في الغالب، بحسب ما تمت ملاحظته، وعلى مقربة من الهيئة العامة للآثار والمتاحف في بداية الشارع، نقف أمام إحدى تلك البسطات، حيث يوزع توفيق، الرجل الأربعيني ذو الأصول العراقية، بسطة معارفه وكنوزه بعناية وحرص على الرصيف، ويصنّفها حسب النوع، وموضوعات الكتب، لم يعد ذلك الرجل يهتم كثيراً بشأن الغبار المتراكم على بعضها، فالزبائن، كما أوضح، في تناقص مستمر، لكنه رغم ذلك لا يستطيع التخلي عن المهنة التي عرفها سنوات طويلة، والتي أغنت رصيده العلمي والمعرفي، فمعظم الكتب المعروضة قرأها ويعرف محتواها، ويصفها بالكنوز المنسية التي يجهل معظم الناس قيمتها، ويضنون كما يقول بليرات قليلة للحصول عليها، موضحاً أن لديه كتباً بسعر 50 ليرة فقط، فالموضوع إذاً ليس بارتفاع ثمنها، لكننا مجتمع لا يقرأ، ويتابع متحدثاً: أكثر الكتب مبيعاً اليوم هي المخصصة لتعلّم اللغات، وغيرها من الكتب ذات المضامين الخفيفة، والتي تتناول الأبراج مثلاً، أو كتب الفلك والأحلام وقراءة الطالع.

بين المحبب والمرفوض
غير وارد ضمن قائمة الهدايا التي تفكر بإهدائها إلى حبيبها في يوم ميلاده، تقول سمر، الفتاة العشرينية، وطالبة كلية الآداب: الكتاب في مجتمعنا ليس تلك الهدية البراقة التي يرغب شاب مثلاً أو فتاة في أن تقدم له في مناسبة خاصة، فالثقافة لدينا تتجه نحو أمور أخرى أكثر مادية ومعنوية كالورود، والعطور، وغيرها من الهدايا، وتبقى هناك حالات قليلة قد ترغب بهدية الكتاب، أما عصام، طالب اللغة العربية، فيخالف سمر رأيها، ويقول: الكتاب من أكثر الهدايا الثمينة التي يمكن أن أحصل عليها، ومن المهم جداً أن نعمل كشبان على إحياء ثقافة جديدة في مجتمعنا تغير الواقع، صحيح أن الحال الذي نعيشه اليوم أدى إلى تراجع الكتاب، وتناقص أعداد القراء، وتصنيفنا كمجتمع لا يقرأ، لكن سنوات الحرب علّمتنا كشباب أن أكثر سلاح نواجه به أعداءنا هو سلاح العلم والمعرفة، ونشر ثقافة القراءة، وهذا الأمر يحتاج إلى وعي، وعمل من كل الجهات المعنية.

كتاب كل شهر
لا يعني التراجع الذي أصاب الكتاب الورقي أن نهمل نشاط القراءة، فالبدائل الالكترونية أتاحت بحراً لا تنتهي أمواجه من الكتب بمثل هذه العبارات، يتحدث علي، الشاب الثلاثيني، عن مبادرة أطلقها على موقعه في وسائل التواصل الاجتماعي للتشجيع على القراءة، ونشر العلم والمعرفة بشكل منظّم مع أصدقائه، يمضي الشاب في شرح فكرته التي تقوم على مبدأ نشر كتاب الكتروني كل شهر، يقرؤه أعضاء مجموعة خاصة من محبي القراءة، ثم تتناقش المجموعة بمحتوى الكتاب، ويتم طرح الملاحظات والاستنتاجات حوله، لعل تلك الطريقة تساهم في نشر العلم حتى مع تراجع الكتاب الورقي.

تبريرات اجتماعية
توضح الباحثة الاجتماعية خيرية أحمد أن الكتاب مازال من أفضل الوسائل المعرفية لاكتساب المعلومات باختصاصات محددة، ورغم انتشار وسائل بديلة للقراءة، واكتساب المعارف مثل مواقع التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية، إلا أن الكتاب هو المصدر الأكثر مصداقية، والمفضّل لأي بحث أو معلومة، سواء كان ورقياً أو الكترونياً، وتضيف: نلاحظ اليوم أن المجتمع أصبح أقل اتجاهاً لقراءة الكتب نتيجة ضيق الوقت، وكثرة الضغوط الاجتماعية، خاصة في الأزمة، وانتشار بدائل عديدة كالأنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة بين فئات الشباب، كذلك يمكن أن يكون ارتفاع أثمان الكتب، وصعوبة الظروف الاقتصادية من الأسباب الأخرى التي أدت لهذا التراجع،  وهنا يجب التأكيد على الأدوار الاجتماعية التي يجب أن تقوم بها كل من الأسرة والجهات المعنية، ففي كثير من الأحيان يكون توجيه الأهل محرضاً أساسياً للطفل على القراءة، فيجب أن يكونوا قدوة لأولادهم، لأن الأطفال يحاكون سلوكيات آبائهم، ويعتبرونهم قدوة لهم، أما على المستوى الرسمي فيجب العمل على زيادة معارض الكتب، وزيادة الأماكن المخصصة للقراءة لاستدراك التراجع، وعودة الكتاب ليأخذ دوره كإحدى أفضل الهدايا، وأكثر الأسباب لنجاح المجتمع ورقيه.

تذكرة ركوب
من الأفكار الطريفة الأخرى التي قرأنا عنها في اليوم العالمي للكتاب في رومانيا، مبادرة يحصل فيها أي حامل لكتاب على ركوب مجاني في الحافلات، بحيث يكون الكتاب الذي تقرؤه تذكرة ركوب مجانية تنتقل بها من مكان لآخر، وتم تطبيق هذه الفكرة لمدة ثلاثة أيام متتالية، وحققت نجاحاً كبيراً، وهو ما يؤكد سعي المجتمعات الغربية لنشر الثقافة والعلم بين أفرادها، لتكون أكثر قوة ومنعة وحصانة، فتحافظ على نجاحها وتطورها.
محمد محمود