هل تمكنـهم سـنوات العمر من تحمل أعباء الأمومة الجديدة.. الأجداد والجدات.. ظروف الحرب أوكلت إليهم مهمة تربية الأحفاد

هل تمكنـهم سـنوات العمر من تحمل أعباء الأمومة الجديدة.. الأجداد والجدات.. ظروف الحرب أوكلت إليهم مهمة تربية الأحفاد

شعوب وعادات

الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠١٨

إلهام العطار:
أثناء وجودي في السرفيس، لفت انتباهي كما انتباه جميع الركاب سلوك «شقاوة ومشاكسة» لطفلة صغيرة كانت تجلس بجانب سيدة كبيرة في العمر، الكل في البداية ظن وباستغراب أنها والدتها، إلى أن نادتها الصغيرة وبصوت عالٍ: «ستي بدي بوظة»، هنا تململت الجدة قليلاً من صوت وتصرفات الطفلة وبضحكة خفيفة قالت لها: «على عيني.. بس اقعدي الناس عم تتطلع فينا».
عيون تلك الجدة، كادت تنطق بكلمات مفادها: «لا أدري ماذا أقول!! لقد أعادتني هذه الحرب كما الكثير من الجدات إلى مضمار تربية الأبناء من جديد، وحملتنا رغم كبرنا في العمر مسؤولية الرعاية والاهتمام بأولاد أولادنا.. ولكل منا أسبابه في ذلك» ونحن بدورنا نقول: كان الله بعون تلك الجدات، ونتساءل: هل هذه الحالة صحية، هل لنا أن نتخيل أو نرسم ملامح الجيل الجديد الذي ينهل مفرداته وطريقة تعامله من الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تبعد كل البعد عن تفكير أجدادنا حتى إنه لايوجد بينهم وبين تلك الوسائل أي صلة وصل تذكر؟.
 
أسباب وظروف!
تقول الجدة أم عهد التي استشهد ابنها في أحد التفجيرات التي نفذتها المجموعات الإرهابية في دمشق: بعد استشهاد ولدي «سامي» قام بيت عمه بإرغام ابنتهم أي «أرملته» على ترك البيت وطفلتيها، فالأولى في سنواتها الست بينما الثانية لما تبلغ من العمر السنوات الأربع، كان وقع ذلك القرار علي كالصاعقة، فمن أين لي بالقوة البدنية والنفسية للقيام بدور الأم والأب معاً، عانيت الكثير في بداية الأمر، فقواعد التربية التي نعرفها تختلف عن أسس هذه الأيام، استعنت بابنتي الكبيرة لمساعدتي فهناك تقارب في العمر بين أبنائها وبنات أخيها، تدريجياً حاولت التأقلم مع طريقة تفكيرهن ومتطلباتهن، أكثر ما يزعجني عنادهن وتعلقهن الشديد بالموبايل، حنيتي وحبي لهن يمنعانني من اتخاذ أي عقوبة بحقهن، في إحدى المرات حاولت العودة إلى أيام الأمومة عندما كنت أربي أولادي وأعاقبهم في حال ارتكاب أي خطأ دراسي أو اجتماعي فردت ابنة ابني الكبيرة: ألا يكفي أننا أيتام ليس لدينا أم ولا أب، عندها تراجعت، أعرف أنني أربيهم على الخير والحب والأخلاق الحسنة، لكن زمانهم غير زماننا، و«ما في باليد حيلة».
متاعب لم تخفها الجدة أم علي التي غادرت ابنتها مع زوجها إلى ألمانيا منذ سنتين تاركة في عهدتها طفلين أوس 13 سنة وكمي 10 سنوات يعيشان حرقة انتظار ورقة لم شمل تخولهما الاجتماع بوالديهما، تتذكر أم علي: اشتد الخلاف بيني وبين أوس في أحد الأيام، بسبب خروجه المستمر وسهره مع أصدقائه، الأمر الذي اضطرني للجوء إلى ابنة الجيران التي تعمل مدرسة لتقوم هي بمحاورته والوقوف على أسباب عصبيته وتشنجه.
وغير بعيد عما تعانيه أم علي تقف الجدة أم سليم لتشرح: توفيت ابنتي إثر عملية جراحية، ولم يكد يمضي شهور معدودة حتى تزوج زوجها، وأوكل لي ابنتها «راما» الطالبة في الصف السادس، احتضنتها في قلبي فهي ابنة الغالية وقمت بتربيتها على القيم كما كنت أربي والدتها وخالها، لكن مشكلتي معها في الدراسة، فأنا لا أستطيع مساعدتها في المناهج الجديدة، وما يقدمه والدها من مصروف شهري لا يكفي للدروس الخصوصية، ذهبت العام الماضي أكثر من مرة إلى المدرسة وعرضت مشكلتي، فكان الجواب: «إن شالله منشوف».
أما عند «سمية داوود» الأم والموظفة في ورشة خياطة، تختلف الحكاية، فقد أجبرتها الظروف على ترك أولادها الثلاثة عند حماتها معظم النهار، فهي المعيل الوحيد لأسرتها بعد فقدان زوجها منذ خمس سنوات، تندب سمية حظها وبحزن شديد تستعرض معاناتها مع أولادها الذين أفسدهم دلال ودلع جدتهم وجدهم وأبعدهم عنها، فالجدان يعتقدان أن هذه هي أصول التربية، والخاسر الوحيد أنا وأولادي، اعرف أن الأمر ليس حالة صحية، فتربية الجدة غير تربية الأم، ولكن ماذا أفعل، لا توجد نوادٍ صيفية تتناسب مع إمكاناتنا المادية، لذلك وأمام ظروف كهذه عليّ أن أسكت فلا حول لي ولا قوة؟!!
صراع الأجيال
كلام تلك الأم أكدته الدكتورة رشا شعبان قسم الفلسفة والمجتمع ـ جامعة دمشق، بقولها: إن إسناد مهمة تربية الأبناء في أيامنا هذه إلى الجدات بسبب غياب الأم والأب لأي سبب من الأسباب حالة أفرزتها الحرب، وهي غير صحية، لكن علينا التعامل معها بحذر لتفادي السلبيات الناجمة عنها، فالمجتمع يتعرض هنا للدوران في سلسلة يضيع فيها أهم حلقاتها وهو دور الأم والأب في تربية الأبناء، وتابعت الدكتورة شعبان: ما ورد على لسان الجدات يعد معاناة حقيقية، وهو يندرج تحت ما يسمى صراع الأجيال، فلكل جيل ثقافة ومعايير جديدة تفرضها صيرورة الحياة ومتغيراتها، وتالياً لا يمكننا إسقاط أفكار جيل على جيل آخر وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود هوة بين الجيلين وفجوة على الأجداد تضييقها من خلال تعاطيهم بمرونة أكثر مع مشكلات وقضايا الحياة الجديدة التي تحدث مع أحفادهم.
حلول مجتمعية
ورداً على سؤالها عّما يمكن للأجداد تقديمه للأحفاد في ظل المتغيرات الحالية وكيفية إيجاد حلول مجتمعية لتلك الظاهرة التي زادت الحرب من وجودها في مجتمعنا، أفادت د. شعبان بأن هناك مجموعة من القيم الثابتة والمطلقة التي لاتخضع للتغيير مهما تطورت المجتمعات كالاحترام والعدالة وثقافة «اتيكيت» المجتمع والحب والخير وغيرها من منظومة القيم الأخلاقية التي يمتلكها الأجداد ويعملون على تربية أحفادهم عليها وغرسها في نفوسهم وعقولهم، ولكن في المقابل هناك قيم تتصل بالعادات والتقاليد وهذه الأمور فيها اليوم شيء من الانزياح عما كانت عليه، وهو ما يتطلب التعاون من قبل الجد والجدة مع الأبناء لتفهم ذلك الانزياح وتقريب وجهات النظر فيما بينهم، وعن الحلول المجتمعية أشارت د. شعبان إلى ضرورة قيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإيجاد مراكز أسرية داعمة تعنى بالأبناء من جهة وتساعد الجدات على القيام بأعباء مهمة الأمومة الجديدة وتربية الأحفاد، تعمل هذه المراكز على تحقيق سبل للتفاهم عبر صيغ مشتركة بين كلا الجيلين، أضف إلى ذلك أنه لابد من تفعيل دور الإرشاد الاجتماعي والنفسي في المدارس فهو يساعد على إيجاد صيغ للحوار بين الجيلين تساهم في تسهيل طرق التعامل بينهما وتخفف من حدة انتقادات كل جيل للجيل الآخر، والتأكيد على عقد لقاءات وندوات داخل المدرسة تجمع الأجداد والأحفاد بحضور وإشراف المرشد الاجتماعي والنفسي يتم فيها طرح المشكلات على اختلاف أنواعها للتوصل إلى حلول علمية وعملية تخفف من تبعات تلك الظاهرة وتنعكس بشكل إيجابي وفعال على العملية التدريسية وعلى الأسرة والمجتمع معاً.