طريقة للادخار الجيد.. الجمعيات الوظيفية.. محاولات لتخطي التحديات المعيشية.. وشراكة لتحقيق الآمال الصغيرة

طريقة للادخار الجيد.. الجمعيات الوظيفية.. محاولات لتخطي التحديات المعيشية.. وشراكة لتحقيق الآمال الصغيرة

شعوب وعادات

الجمعة، ٦ يوليو ٢٠١٨

لم تكن سميرة بدرية هذا الصباح كعادتها منكبّة على عملها، بل شاردة في أغلب الأوقات، وكلما سنحت لها الفرصة أخرجت ورقة وقلماً لتكتب قائمة طويلة تحذف وتزيد عليها حتى تصل إلى قناعة بما كتبت بعد حساب تكلفة تلك القائمة، وها هي الآن تحسب كيف يمكنها الاستفادة من تلك الجمعية التي استلمتها بعد تسعة أشهر من اشتراكها بها، لتتدبر شؤونها على أكمل وجه، وعند سؤالها عن مبرر دخولها بهذه الجمعيات، أكدت أن راتبها وحده لا يكفي، ولا يسد كل الالتزامات المالية بشكل عام، لذلك تشارك بها مع زملائها وجاراتها، حيث تشترط أن يكون دورها بفترات معينة تجتمع فيها أكثر من مناسبة مثل متطلبات رمضان، والعيد، أو العودة إلى المدارس، وغيرها من الأعباء.
 
الهروب من القرض
وتؤكد بدرية وزملاؤها أنه مع ازدياد ضغوطات الحياة المالية، يلجأ الكثير من الناس عامة، ومن الموظفين خصوصاً، إلى اعتماد مبدأ الجمعيات الشهرية التي تتفق فيها مجموعة من الأشخاص على جمع مبلغ مالي شهري، وإعطائه إلى أحدهم كل شهر حسب الترتيب، أو بالقرعة التي يتفق عليها، ويتولى أمر الجمع وترتيب الأدوار شخص يسمى رئيس الجمعية، ثم يتم تدوير هذه الطريقة حتى يحصل جميع المشاركين على المبلغ المتفق عليه من دون أن تترتب على ذلك أية فوائد مالية، واعتبرت الجمعيات المالية حلاً مثالياً للكثير منهم للتغلب على مشاكلهم المادية، وصعوبات الحياة، وباتت تنافس البنوك التي يراها البعض تغالي في فرض الفوائد على عملائها، في حين تخلو الجمعية التي يتم تنظيمها بين الزملاء من الفوائد والأرباح.
 
بداية الفكرة
يعود تاريخ فكرة “الجمعيات” بين الأفراد إلى القرن 18 عندما كانت الحاجة إلى التمويل هي الباعث الرئيس وراء نشأة الحركة التعاونية في العالم على يد الألماني فردريش فلهلمرايفيزن، حين واجه المزارعون في ذلك الوقت صعوبة في الحصول على القروض، وقد لجأ “فردريش” إلى تأسيس جمعية ائتمانية تعاونية لتكون كمساعدة ذاتية من خلال التعاون، ولكن اليوم أصبحت أكثر يسراً وسهولة، فانتشرت بين الموظفين في العمل، أو بين الجارات في الحي، ويتم جمعها وتوزيعها ضمن جلسات نسائية، لتكون البديل الأفضل عن القروض.
 
الطريقة المثلى
وتشاركنا منيرة محمد رأيها في إقامة الجمعيات، فبعد معاناتها من قرض أخذته من مركز عملها بقسط شهري مرهق، وفائدة مضافة إليه، اشتركت بعده بجمعية لأكثر من سنتين بقسط شهري خمسة آلاف، حيث أكدت لنا أن المبلغ الذي حصلت عليه ساعدها في دفع مبلغ أولي لشراء شقة سكنية صغيرة في منطقتها، بعدما عانت طويلاً من الإيجار، وتفضّل فكرة الجمعيات بقولها: هي حل جيد للحصول على مبلغ معقول دون فوائد ليساهم في تحقيق بعض أمانينا، كما علّق ياسين يوسف، “موظف”: إنني أفضّل الاشتراك في الجمعيات المالية لأنها الطريقة المثلى للتوفير، وإنهاء الالتزامات المالية، بعيداً عن القروض ومشاكلها، وأضاف عمار المنذر: منذ سبع سنوات وأنا أشترك في الجمعيات المالية، ولكنني أشترط للدخول في أية جمعية شهرية ألا يقل مبلغ الاشتراك عن مئة ألف ليرة سورية، وألا يزيد عدد المشاركين فيها عن 10 مشتركين، ليكون دفعة جيدة لأي عمل أريد القيام به.
 
شروط صعبة
من الشروط المطلوبة للحصول على قرض أن يكون العامل مثبتاً لدى الجهة التي يعمل عندها، وهذا الشرط يحرم المتعاقدين بعقود شهرية في أماكن عملهم، فأم سليم اشتكت من عدم قدرتها على الحصول على قرض لأنها موظفة بعقد شهري، وتجد صعوبة في الحصول على كفلاء يلتزمون معها لثلاث سنوات أو أكثر حسب مدة القرض، وأضافت: “إن الغلاء في الأسعار جعل الموظفين غير قادرين على توفير المواد الأساسية للمعيشة، ورغم أننا “أنا وزوجي” موظفون، إلا أننا نعمل لتوفير حاجاتنا الأساسية فقط، وبالتالي تبقى ثياب أولادي، والمونة، من الأشياء المؤجلة دوماً، والجمعيات هي الحل البديل الذي ينقذنا في الأعياد والمناسبات، والاشتراك في الجمعية لا يتطلب أية عقود مكتوبة، وعادة ما تكون الثقة بين الأفراد هي العامل الرئيسي للاشتراك بها”.
ضعف الحال
وأكد عدد من الموظفين أن الراتب الذي يتقاضونه لا يلبث أن يتلاشى في الأسبوع الأول من استلامه، نظراً للمتطلبات الكثيرة التي لابد من تلبيتها، حيث يقول عمار سلامة، موظف، وأب لثلاثة أبناء، وزوجته ربة منزل، بأن الالتزامات المالية تشكّل عبئاً كبيراً على كاهل رب الأسرة، خاصة إذا تزامنت عدة مناسبات في التوقيت نفسه، فالشهر وراء الشهر، والراتب لا يلبي جميع احتياجاتنا، ولذلك ألجأ إلى الجمعيات التي نراعي توقيت الحصول عليها في المناسبات والأوقات الحرجة.
 
خطة ناجحة
يرى الدكتور فيصل المنصور، “خبير اقتصادي”، بأن الحل الأفضل هو التدبير المنزلي، والاقتصار على الحد الأدنى والأساسي من مستلزمات الأسرة، فارتفاع أسعار الخضار والمواد الأساسية جعل الأسرة تقتصر على ما يناسب دخلها، وإلغاء ما يفوق قدرتها الشرائية حتى لو كانت من الأساسيات، لذلك هي بحاجة إلى خطط اقتصادية وإدارية تتغلب بها على ضعف الدخل والرواتب، والجمعيات الشهرية هي أحد هذه الحلول، وبذلك تتفوق فكرة الجمعيات على فكرة القروض بعدة عوامل أهمها عدم وجود فائدة تضاف إلى المبلغ، وتزيد من قيمة التسديد، فبها تتمكن الأسرة من رسم خطة لعدة أشهر تدفع خلالها مبلغاً معيناً لحين استلامه ليكون دفعة أساسية في شراء ما يلزم الأسرة في الأعياد أو المناسبات، كما تعد طريقة للادخار الجيد، ورسم هدف للاستغلال، وتوظيف المبلغ بغاية تساهم في استقرار الشخص مادياً، كجعلها دفعة لشراء شقة، أو أثاث، أو الدخول في مشروع استثماري.