«مهرجان السينما الأوروبية».. صراعات التجديد وحكايات الخراب

«مهرجان السينما الأوروبية».. صراعات التجديد وحكايات الخراب

سينما

الاثنين، ٨ ديسمبر ٢٠١٤

تنتهي مساء اليوم الدورة الـ 21 لـ»مهرجان السينما الأوروبية» في بيروت (صالتا «أمبير صوفيل»، الأشرفية). ردود الفعل المعتادة لا تزال هي نفسها: هذا مهرجان مُنتَظرٌ ومطلوب. لن تكون أفلامه كلّها باهرة، لكن بعضها على الأقلّ مثيرٌ لفعل المُشاهدة ولمتعتها. جائزتان خاصتان بالأفلام اللبنانية القصيرة تُمنحان اليوم أيضاً (7 مساء، الصالة الثانية). 5 أفلام تُعرض في الصالتين، بدءاً من الساعة 5,30 بعد الظهر. «موجة كبيرة» (إنتاج سويسري فرنسي برتغالي مُشترك، 2013) لليونيل بايير (5,30 بعد الظهر، الصالة الثانية) أحدها: عناوين متفرّقة تجمعها رحلة في حافلة. مساعدات مالية وإنسانية سويسرية لدول فقيرة، وصحافيان يبحثان في مصيرها، ونقاشات محتدمة، وإضراب للعمّال. صراع طبقات أو مواجهة بين آراء متناقضة لأناس في أعمار مختلفة. مهندس صوت مُشرف على التقاعد يزيد حدّة النقاش مع صحافية شابّة وزميلها الإعلاميّ. لن تكون الأمور سهلة عليهم جميعهم. الرحلة برّية. العالم مفتوح على أسئلة معلّقة. الغليان حاضرٌ في قول أو سلوك أو فكرة أو كيفية تعبير. إنه زمن انقلابات عامّة أيضاً (نيسان 1974). إنه زمن تبدّلات مؤدّية إلى عالم جديد ومختلف. معاينة تحوّل كبير لن تكون بسيطة وعادية بالنسبة إلى المُشاهد/ الشاهد.
المرحلة الزمنية تكاد تكون واحدة. نهاية السبعينيات الفائتة محطة لأحداث «فتاة الاتصال» (Call Girl، إنتاج سويدي نرويجي فنلندي إيرلندي مُشترك، 2012) لمايكل مارسيمان (9،30 ليلاً، الصالة الأولى). المسألة مختلفة تماماً، لكنها أجواء سبعينيات قرن سابق أيضاً. الحالة الاجتماعية هنا مختلفة هي أيضاً عن المناخ العام في «موجة كبيرة». استوكهولم منتمية إلى بيئة اجتماعية ثقافية تربوية اقتصادية أكثر تقدّماً. «مجتمع نموذجي مثالي» إلى جانب عالم الجنس. حكاية نوادي الليل الجنسية وشققه الحميمة، من خلال أيريس الفقيرة، التي تعمل في أحد الملاهي، وتعاني الأمرّين، وتعاين عن كثب واقعاً قاسياً لأناس يأتون إلى أمكنة كهذه أو يعملون فيها لألف سبب وسبب. يُمكن القول إن صراعاً طبقياً يحتدم في طيّات الحكاية. النافذون ذوو سلطات مختلفة قادرون على الحصول على أي شيء يريدونه. العاملات ضحايا. ليست لعبة ضحية ـ جلاّد، بل تصوير لأمكنة الخوف والقلق والتوهان والانصياع إلى ملذّات عابرة. تفكيك بنى وحالات من خلال سرد واقعي لحكاية خراب وقهر.
الدخول إلى عوالم الفقر والضياع والمآسي الإنسانية الفردية جزءٌ من لعبة السينما في مقاربة أحوال أناس وبيئات. Taking It Back (النمسا، 2013) لأندرياس شميد (9،30 ليلاً، الصالة الثانية) يتجوّل في أروقة هذه العوالم أيضاً. إغلاق مصنع فولاذ محليّ أبوابه أمام أناس معينين يفتح نفقاً أمامهم فإذا بهم يجدون أنفسهم عراة أمام كل شيء، وعاجزين عن حماية ذواتهم وعائلاتهم من «غدر القدر». مأزق يحاول باتريك مواجهته. الانتقال من حالة رفاهية ما إلى حالة قلق وخيبة كبيرين ليس سهلاً عليه. شاب موصوف بكونه مُشاغباً وجذّاباً يقع ضحية عملاق رأسماليّ. العملاق رافضٌ الخضوع لرغبة عمّال في رفع أجورهم. لا يتردّد عن طردهم. يستبدلهم بآخرين. مسألة عادية ومتداولة جداً في دول وشركات. هنا، تتّخذ الحكاية أبعاداً أخرى. ظهور حبيبة سابقة يُزيد الأمر تعقيداً. هي لم تظهره لوحدها. خطيبها يتدخّل في مسألة الإضراب. يحاول إيجاد حلول. يمتزج الصراع من أجل العمل بالصراع من أجل الخلاص من حبّ قديم. الذاتيّ مفتوح على أكثر من جرح.
نماذج من برمجة سينمائية أوروبية معنية بهموم وسجالات وأساليب وهويات. نماذج لا تُلغي أفلاماً ليست أقلّ أهمية. اليوم الأخير حافلٌ بصُوَر وحكايات، تماماً كالأيام كلّها للدورة الأخيرة هذه.