"صديقي الأخير" لجود سعيد.. في مشاهده الأخيرة..

سينما

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠١٢


دخل فيلم "صديقي الأخير" لمخرجه جود سعيد ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما مع شركة "فردوس دراما", مراحل تصوير مشاهده الأخيرة.. وتدور قصة الفيلم حول طبيبٍ ومحقق, الأول يائسٌ من حياته بسبب فعلٍ ارتكبه, والثاني أي المحقق في أواخر أيامه ويرفض التسليم بانتحاره.. الصديق الأخير هو معنى أن يكون هناك صديق ميت, وهو العلاقة التي بناها المحقق مع الطبيب.. إنه الطبيب, الصديق الذي اكتشفه المحقق أثناء التحقيق في أسباب موته..
" في زمن باهت بلا أخلاق.. وبعد أن ملأت رائحة الموت المكان يأتي رجل يعيد لحياتي معناها" صديقي الأخير".. لم يقلها " خالد" الطبيب, بل في ذات المعنى وكأن حال الفيلم يقول بما كان سيقوله الطبيب بعد موته ليلة رأس السنة في العام 2011.. هو الذي انتحر بعد قرار اتخذه وترك بعد مماته ابنة متبناة ووصيته موجودة على شريط فيديو.. وكأن حكاية الطبيب من بعد موته, فعليها أن تكون في الفيلم متقاطعة مع "يوسف" المحقق النزق الفاقد للأمل والمتشائم.. والذي لا يربطه شيء بالحياة سوى أمّه التي فقدها للتوّ وتجهيز أوراق تقاعده.. يدخل المحقق "يوسف" عوالم حياة الطبيب "خالد" بعد موته.. ومن خلال ذلك يعاود الولوج إلى الحياة, إلى دمشق.. "صداقة تأخذ يوسف إلى إعادة اكتشاف بلده وأهله وتجعله في مواجهة الأسئلة الأخلاقية المترهلة أو الكاذبة كما رآها خالد.. صداقة قد تثمر أملاً ما لوطن صغير".. وتؤدي لورا أبو أسعد في الفيلم دور سارة وهي سيدة أعمال بشخصية قوية ولديها مجلة وهي حبيبة الطبيب الذي انتحر, وتتصاعد أحداث الفيلم من خلال اصطدامها مع أهل الطبيب الذي مات منتحراً..
الجدير ذكره أن الفيلم كتب نصه المخرج جود سعيد والفارس الذهبي وهو من إنتاج مؤسسة السينما وشركة فردوس دراما. ومن بطولة كل من الفنانين, عبد اللطيف عبد الحميد, عبد المنعم عمايري, لورا أبو أسعد, مكسيم خليل, فادي صبيح, سوسن أرشيد, جمال العلي, أندريه اسكاف, جرجس جبارة, هبة نور, مأمون الخطيب, مازن عباس, جمال قبش, عوض قدرو, كرم شعراني, وسام أبو صعب, أروى عمرين, مروان فرحات, خلود عيسى, ديانا قدح, مصطفى مصطفى, دانيال الخطيب, ورد حيدر, سيمون صفية, والطفلان ميار تنباك ونايا علي, ومن تونس الفنانة عائشة بن أحمد..

عصام النوري في الثقافي الروسي..
في خجلِ ضوئِها.. يختفي لتحدث صورة!!..
إنه حدوث الصورة إذاً!!.. إنها اللقطة الفوتوغرافية المشغولة بذاتها وذوات الآخرين.. هكذا تغدو دمشق في صورة فوتوغرافية مشغولة بنا ونكون دوماً مشغولين بها.. هكذا تغدو المدينة حاضرة بعراقتها في المعرض الفردي الأول للفنان عصام النوري (1938) والمقام حالياً في الثقافي الروسي.. وهكذا يغدو حضور المدينة وثائقَ لا تنتهي وذاكرةً لا تُعِدّ لأمكنتها حصاناً نحو الماضي عبر صورة, إلا بالقدر الذي يجعل من الماضي في دمشق يحضر في صور للجامع الأموي وصور لبيوت دمشقية قديمة وسوق البزورية وسوق مدحت باشا وصورة لقوس النصر تعود إلى ستينات القرن الماضي وصورة لمدينة القدس مأخوذة عام 1964, إضافة إلى صور لأشخاص بالأبيض والأسود.. وكأن التماس الأصليّ بين ماضي وحاضر مدينة دمشق المتأصلة في عراقتها هو المشغول بالفتنة والعشق والأبدية.. هكذا تأتي صور المعرض, والتي يعود معظمها إلى منتصف القرن الماضي وفيما احتوته من معالم ومواقع في دمشق القديمة, إعلاناً عن موت اللقطة في مجرد حدوثها, ليعلن الضوء الطبيعي الذي حافظت عليه كاميرا الفنان القديمة, عن حياة اللقطة في انبعاثها نحو تاريخية مكانية وزمانية لا تنفصلان, وكأن الصورة تعود حياةً, في طبيعية ضوئها تبعاً لغياب التأثيرات التي يمكن أن تحدثها الكاميرات الرقمية والتقنيات الحديثة..
لم تكن الصورة الضوئية عند عصام النوري هي المهمة إلا بالقدر الذي جعل من ماهيتها قيمة تاريخية تحيا.. وكأن الضوء المنبعث من صورة إلى عين المشاهِد في لقطة أحدثتها فتحة عدسة كاميرا النوري, هو ذات الضوء الذي يخجل من المكان فيختفي في عتمة اللقطة لتحدث الصورة.. وبين ذلك الانبعاث والاختفاء للضوء تحيا تلك القيمة التاريخية.. فلم تكن الصورة في معرض عصام مادة تجري عليها التجارب مثلاً ولم تكن درساً في منح معطيات للأرشفة والترقيم مثلاً.. إنها هكذا ممزوجة بالتاريخ تحيي المكان وتحترم من مرّ فيه.. يصعد ضوؤها, ضوء الصورة من أول نقطة حتى اللحظة التي يتأكد فيها المُشاهِد أن الصورة اكتملت لديه, وفي صعود الضوء ضمن حالة بصرية تشاهِد مثلما شُوهدت من قبل من التقطها ومثلما تُشاهد من قبل المتلقي, يحدث الزمن حالة ذهنية في من يرى الصورة هذه اللحظة من أجل قيمتها التاريخية أولاً وقيمتها الفنية ثانياً.. فلو لم يكن بالإمكان أمام صور عصام النوري في الثقافي الروسي إدراك قيمتها التاريخية, لكان من الصعوبة بمكان أو زمان الاعتراف بفنِّيتها!!.. هكذا هناك في صورة ثمّة إيقاع ضوئي مليء بالحركة ومليء بالحدث المتوقّف في لحظة مجتزأة, يجعل من الظل رديف الضوء في تكثيف دقيق لمفردات فنية تخصّ النوري.. لينتهي المعرض في آخر صورة بجملة سريعة تريد من سرعتها أن تبدأ بصورة من جديد..

نحو خيال!!..

من يرفع الخيال إلى حدود قوّته يتمكن من رفع الحلم إلى حدود التحقق.. ومن يرفع الحلم إلى حدود تحققه يصل رفعه إلى محوه.. هكذا لا أجد حلماً أكثر قابليةً لمحوه من حلمي "أن أحلم".. وأكتفي بمنام!!.. فمن قال إن النبيل من قدراتنا يمكّن من الدخول إلى الحلم في اللحظة التي نريد.. ومن قال إن الدخول إلى الحلم يمكّن من محو ما رأيناها في واقعنا غماماً.. إنه التجاهل إذاً في قابليته لأن يردّ على عدم قدرتي على الحلم في اللحظة التي أريد, خيالاً وإلهاماً في تعويضٍ من خلاله أكتب وأرسم وأرى ما لا يراه غيري مهمّاً, أكثر أهميةً لأن أتجاوز من خلاله تجاهلَ حلمٍ أن يأتي إليّ في منامٍ لأصعد جماليّاً نحو ما لا يُمحى!!.. ومن قال إن الدخول من صحراءٍ إلى منام سيبقي إمكانية التصحّر داخل منام!!.. فأمام الحلم ستغدو الصحراء ماضياً كما سيغدو الحلم بعد لحظة منام انتهى!!.. ها أنا أصبح عاجزةً عن الحلم إذاً.. ها أنا أصبح قابلة للرضا بمجرّد منام يجعلني أقف في صحراء وأحلم بقطرة ماء.. وكأن الصحراء قابلةٌ لأن تُعوَّض في منام, في الوقت الذي لم تعد فيه الحياة قابلة لأن تصنع مجرّد حلم.. فهل تكتفي الحياة بعد حين بأن تصبح في مدى الهواء مجرد حياة!!.. وهل يغدو الحلم في مدى الدخول إليه مجرد منام نحلم بوجوده!!.. عندئذ من سيرفق بالحياة, من يحركها, كيف ستشعر هي بوجودها.. هل تكتفي الحياة بنفسها بلا حلم.. بلا منام!!.. من جديد وعندئذ من سيرفق بالحلم, من يشتهيه.. هل سيكتفي بنفسه لنفسه!!.. من نحن أمام وحدانية الحياة بلا حلمٍ ومنام.. ومن نحن أمام وحدانية الحلم والمنام بلا حياة!!.. الحلم لا يمشي.. لا يقفز ولا يتحرك.. وحدها الحياة من تسرع إليه متجاهلة ما صنع منها قوتها.. إنها الحياة تتجاهل ما حققنا لتتحقق لنا أحلامنا.. ونحن وحدنا من نحقق أحلامنا في اللحظة التي نمحوها فيها.. لن يغدو المنام مناماً ولن يغدو الحلم حلماً إلا في تحقق تجاهله.. وإلى اللحظة التي سأعود قادرة على الدخول إلى منامٍ من جديد سأتجاهل وأمحو وأتحرّك وأسرع أكثر نحو خيال!!...