حصاد «مهرجان كان» الـ 70: السينما تزدهي بشاعريتها

حصاد «مهرجان كان» الـ 70: السينما تزدهي بشاعريتها

سينما

الأحد، ٢٨ مايو ٢٠١٧

 

 ما الذي سيبقى في ذاكرة السينما من أفلام الدورة السبعينية لـ «مهرجان كان»؟ النفس الشاعري والملحمي؟ أم العنف العدمي؟ النبرة النضالية التي ترافع ضد تسليع العالم؟ أم النظرة الازدواجية التي يلتبس فيها الخير بالشر، وتندثر الحدود (والضوابط) التي تفصل بين الوقائع الحقيقية و«الحقائق البديلة» التي يروّج لها «الأخ الأكبر» الجديد؟

خيارات لجنة التحكيم خيبت بعضهم، كالعادة، ووافقت هوى بعضهم الآخر. وبينما انقسمت ترجيحات النقاد بخصوص السعفة الذهبية بين اسمين هما اليابانية ناعومي كاواسي برائعتها الشاعرية «نحو النور» (خرجت بخفي حنين) والفرنسي روبن كامبيلّو بفيلمه الملحمي «١٢٠ نبضة في الدقيقة»، الذي اكتفى بـ «الجائزة الكبرى»، أحدث رئيس لجنة التحكيم بيدور المودوفار مفاجأة كبيرة. إذ أعلن عن منح السعفة الى السويدي روبن أوستلوند عن فيلمه «الحديقة». يروي العمل قصة مدير متحف للفنون يعد لمعرض دفاعاً عن البيئة بعنوان «الحديقة»، ويصطدم بمختلف أشكال الازدواجية والجبن والنفاق الاجتماعي.
بعيداً عن حمى الجوائز والجدل المعتاد حول خيارات لجنة التحكيم، أجمع رواد الكروازيت على أنّ السمة الرئيسيّة لهذه الدورة هي النفس الشاعري والملحمي. نفَس لم يقتصر على سباق «السعفة» فحسب، بل دفع لجنة تحكيم تظاهرة «نظرة ما»، برئاسة النجمة أوما ثورمان، إلى تغيير تسمية «جائزة لجنة التحكيم الخاصة» لتصبح «جائزة شاعرية السينما». ومنحت الجائزة الى رائعة «باربرا» التي استلهمها ماثيو أمالريك من سيرة أيقونة أغنية النص الفرنسية، التي يُحتفى هذه السنة بالذكرى العشرين على رحيلها.
هذا النفس الشاعري بلغ أوج تألقه، بلا منازع، في رائعة ناعومي كاواسي، التي أنارت الكروازيت بأبطالها المشرقين، الذين يتحدون عتمة الإعاقة بنور البصيرة، ويجدون في إرادة (وحبّ) الحياة ملاذاً عن لوعة الفقدان.
إرادة الحياة ذاتها غلّفت في قالب ملحمي عن قساوة ومعاناة المرض والفقدان في «120 نبضة في الدقيقة» لروبن كامبيلّو الذي حصل على الجائزة الكبرى. يروي الشريط قصة حب مثلية بين «شون» (ناهويل بيريز بيسكيار) و«ناتان» (أرنو فالوا)، اللذين تعارفا في صفوف جمعية Act Up الراديكالية. علماً أنّ الأخيرة كانت في طليعة المدافعين عن مصابي الإيدز، نهاية الثمانينات، في مواجهة الرؤى التمييزية التي كانت ترى في هذا المرض، آنذاك، ضرباً من اللعنة المسلطة على الأقليات الجنسية (المثليون والمثليات والمتحولون) والعرقية (السود) والفئات الاجتماعية المهمشة (عاملات الجنس ومدمنو المخدرات).
النفس الملحمي ذاته نجده مفعماً بالطوباوية الثورية في فيلم «رهيب» لميشال هازانافيسيوس، المقتبس عن سيرة عرّاب سينما «الموجة الجديدة»، جان لوك غودار، وفِي «رجل نزيه» للإيراني محمد رسولوف، الذي خطف الجائزة الكبرى لتظاهرة «نظرة ما».
روح غودار الثائرة ضد الظلم والتسلط والتمييز طالعتنا أيضاً ـــــ بأشكال وأوجه متعددة ــــــ في ثلاثة أفلام، هي: رائعة الروسي أندريه زفاغينتسيف «بلا حب». الفيلم الذي حاز جائزة لجنة التحكيم، سيظلّ ماثلاً في ذاكرة السينما بفضل جمالياته الشكلية الساحرة، رغم قساوة مضمونه وقتامة شخصياته، وأيضاً في «امرأة ناعمة» لمواطنه سيرغي لوزنيتسا، الذي غاص عميقاً في الروح الروسية، ونجح في أن يستعير من تشيخوف قصة كلاسيكية حوّلها الى مرافعة مدوية ضد منزلقات البوتينية. وكرجع صدى لذلك، حمل الأميركي تود هاينز ــــ بالقدر نفسه من الراديكالية وصفاء الرؤية ــــ على الهجمة الاستهلاكية الليبرالية، التي قوّضت العصر الذهبي النيويوركي، في نهاية السبعينيات، قبل أن تزحف على بقية العالم، ساعيةً إلى تسليع البشرية خدمةً لنمط حياة ومصالح العم سام.

نالت صوفيا كوبولا
جائزة أفضل إخراج
عن فيلمها «الفريسة»

على صعيد المضامين، شكّلت الازدواجية التيمة الغالبة في هذه الدورة السبعينية من «كان». ازدواجية سلكت منحى نفسياً في رائعة فرانسوا أوزون «العشيق المزدوج»، التي أعادت الى الكروازيت بعضاً من روح المعلم الكبير ألفريد هيتشكوك، بينما اتخذت بعداً فلسفياً في سبعة من أبرز أفلام المسابقة الرسمية: من خلال ثنائية النور والعتمة في «نحو النور» لكاواسي، وعبر مساءلة جدلية الجلاد والضحية في «الفريسة» لصوفيا كوبولا (جائزة أفضل إخراج)، و«لم تكن أبداً هنا بشكل فعلي» للين رامسي (نال الفيلم جائزة أفضل ممثل لخواكين فينيكس، وجائزة أفضل سيناريو مناصفةً مع «مقتل الأيل المقدس» ليورغوس لانثيموس). وبشكل أكثر كلاسيكية، من خلال التباس مفهومي الخير والشر، في «مقتل الأيل المقدس» ليورغوس لانثيموس، و«الحديقة» للسويدي روبن أوستلوند الذي حصل على السعفة الذهبية، و«قمر كوكب المشتري» للمجري كورنيل موندروزو، و«نهاية سعيدة» لمايكل هانيكه، و«من لا مكان» لفاتح أكين الذي نالت بطلته ديان كروغر جائزة أفضل ممثلة.
وقد برزت أيضاً في أفلام هذه الدورة ثلاث تيمات أخرى مُلفتة، وهي: السير، والطفولة المعذبة، والوعي البيئي، وإشكالية المثلث العاطفي.
استحوذت السير على ثلاثة أفلام: «رهيب» هازانافيسيوس (سيرة غوادر)، «رودان» جاك دوايون (سيرة النحاتين رومان وكاميه كلوديل)، و«120 نبضة في الدقيقة» لروبن كامبيلو (السيرة الجماعية لـ Act Up)، فضلاً عن «باربرا» أمالريك (نظرة ما) وتوثيقي W (ضمن التشكيلة الرسمية، لكن خارج المسابقة)، الذي اختتم به باربيت شرودر «ثلاثية الشر»، التي كان قد بدأها بـ «عيدي أمين داده» و«محامي الشيطان».
الطفولة المعذبة ألقت بظلالها على خمسة أفلام هي: «بلا حب» لأندريه زفاغينتسيف، و«خزانة العجائب» لهاينز، Okja لبونغ جان هو، و«نهاية سعيدة» لهانيكه، و«مقتل الأيل المقدس» للانثيموس. برزت تيمة المثلث العاطفي في أربعة أفلام، وهي: «العشيق المزدوج» لأوزون، و«رودان» لجاك دوايون، و«اليوم الموالي» لهونغ سانسو، وفيلم الافتتاح «أشباح إسماعيل» لأرنو ديبليشان.
أما الوعي البيئي، فقد شكّل انشغالاً مركزياً في فيلمين نافسا على «السعفة»، وهما «الحديقة» لروبن أوستلوند وOkja لبونغ جان هو، فضلاً عن التوثيقي «تتمة مزعجة» لنائب الرئيس الأميركي السابق، آل غور، الذي حطّ الرحال مجدداً على الكروازيت، بعد عشر سنوات من مرافعته البيئية الأولى «حقيقة مزعجة».

جوائز أخرى

نال شريط الفرنسية ليونور سيراي «امرأة شابة» الذي عرض ضمن «نظرة ما»، جائزة «الكاميرا الذهبية». علماً أنّ العمل يصوّر تخبّطات الشباب الفرنسي اليوم في مستقبل غامض ومضطرب وغير مضمون. كما حصل الصيني سيو يانغ على جائزة «السعفة الذهبية» لأفضل فيلم قصير عن عمله «ليلة ناعمة» حيث امرأة في مدينة صينية صغيرة تبحث عن ابنتها المفقودة، بينما نال فيلم «السقف» لتيبو أيراكسينين تنويهاً خاصاً من لجنة تحكيم الفيلم القصير. وفي سبعينية المهرجان، استُحدثت جائزة خاصة راحت للنجمة الاسترالية نيكول كيدمان التي أدت بطولة فيلم صوفيا كوبولا «الفريسة». يذكر أنّ لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الاسباني بيدرو ألمودوفار، تألّفت من الممثلة الأميركية جيسيكا تشاستين، والممثلة والمخرجة الفرنسية أنييس جاوي، والمخرجة الألمانية مارن أدي، والممثلة الصينية فان بينغبينغ، والمؤلف الموسيقي اللبناني غابريال يارد، والممثل الأميركي ويل سميث، والمخرج الإيطالي باولو سورنتينو، والمخرج الكوري الجنوبي بارك شان ووك.