المشاركة العربية في مهرجان دبي السينمائي الـ13: تدوير الحياة

المشاركة العربية في مهرجان دبي السينمائي الـ13: تدوير الحياة

سينما

الأربعاء، ٧ ديسمبر ٢٠١٦

الحُظوَة التي يتمتع بها عربيا اليوم «مهرجان دبي السينمائي»، جعلت من ذراعه برنامج «إنجاز» - الداعم للمشاريع الشابة والتابع الى سوقه الدولي ـ قوّة إبداعية لا تضاهى، بخاصة بعد شطب نظيره «سند» التابع الى «مهرجان أبو ظبي السينمائي» المُلغى بدوره بعد ثماني دورات مجيدة، ونكوص مهرجانات إقليمية عريقة موازية في تعزيز برمجات ديناميكية تضمن قدراتها على إدارة منظومات إنتاجية مستدامة، نتيجة للأزمات الاقتصادية المريرة التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط.
قطعاً، ليس صندوق «إنجاز»، الذي دعم أكثر من 120 شريطاً منذ إطلاقه عام 2009، هو الخلاص الأوحد لأزمة الفيلم العربي، بيد أنه حقق توازناً مثالياً مع منصات تمويلية ذات فعالية وحماسة لعل أبرزها «صندوق العربي للثقافة والفنون» (آفاق) اللبناني و «مؤسسة الدوحة للأفلام» القطرية و «صندوق الأردن للأفلام» بعمان، وأخيرا «ملتقى القاهرة السينمائي» المصري من بين أخريات. هذه كتجمع اقتصادي طوبت على اعتبار أن توزيع أموالها ضامن لتغطية نفقات مرحلة إنتاجية تقع ما بين التطوير أو الإتمام، وليس العمل السينمائي ككل. وهو (المال) في المحصلة كفيل قطعي لحقيقة أن الشاشات العربية ستستقبل شريطاً جديداً.
نحبك هادي
عضد «إنجاز» برمجة أيام دبي السينمائية وأمّن لها عناوين جديدة وتسبيقات حاسمة، جعلت من مسابقات «المهر» وجوائزها أكبر من رافد وأبلغ من تكريم. الشاهد على هذا، وجود 11 فيلماً دفعة واحدة حملت شارة «إنجاز» ودعمه ستُعرض خلال الدورة الـ13 (7 ـ 14 كانون الأول 2016)، في مقدمتها النصّ البليغ والحساس للتونسي محمد بن عطية «نحبك هادي» الحائز جائزة أفضل فيلم أول وأفضل ممثل (ماجد مستوره) في مهرجان برلين السينمائي (شباط 2016)، والمقارِب لمفهوم الحرية الشخصية من باب سايكولوجي فردي حيث يصبح البطل الشاب، ضمن اشتراطاتها الأخلاقية، عدواً مضمراً لقيم عائلة وفساد إرادات وخراب أنفس وانحطاط ضمائر. ما إن يلتقي هادي بالشابة الحيوية ريم حتى يجد أن خنوعه لبطريركية أمومية سهلت من هزائمه وخيباته ونكوصه الاجتماعي، لتأتي ثورته التي تتم بتدرج سينمائي باهر الصنعة والمدعومة بفيوض من العواطف الجامحة، ممتحنة قراره الأصعب في جسارته السريعة: هل يرحل مرافقاً ريم ذات الروح الحرّة نحو مجهول عاطفي أم أن عليه البقاء ليحقق خياراً عقلانياً ينتشله من رضوخه، ويضمن له حريته الى الأبد؟ يبان هذا الخيار وجغرافيته بقوّة في الشريط الوثائقي المعروض ضمن خانة «ليالٍ عربية» لمواطنته كوثر بن هنية «زينب تكره الثلج» (95 د) حينما تجد البطلة المراهقة نفسها في ورطة إثر غرام والدتها الأرملة برجل تونسي يقيم في كندا، وقرارها الهجرة معا الى البلاد الجديدة. تعجز زينب على تدوير حياتها والتأقلم مع محيط بارد وثلجي وبشر منطوين على رغباتهم وأسرارهم. تكبر المراهقة وفي كيانها «كرهان»، لوالدتها التي أرغمتها على ترك وطنها، وللثلج كتأويل عن عزلة مُقحمة على حياتها.
رافعاً شعاراً متفلسفاً يقول: «لا تخمد نار فينا ما دام وقودها ما فينا من نار»، يعود صاحب «رصاصة طايشة» (جائزة المهر الذهبي عام 2010) اللبناني جورج هاشم مع جديده «نار من نار» مقارباً، من خلال سرد حكاية ذات مستويات درامية متعددة، لوعات شخصية ومنفى ولقاء صدفة يجتمع فيه بعد غياب طويل رفيقا صبا أيام الحرب الأهلية، قبل أن تفرقهما لعناتها. يلتقي أندريه مع صاحبه وليد ليعيدا تشكيل صورة صداقة حميمية وعشق للسينما وحب مشترك غير محسوب العواقب لامرأة تدعى أميرة. فيما ناقش مواطنه فاتشي بولغورجيان في باكورته «ربيع» ثيمة الهوية وغربتها والورطة السياسية وحروبها التي عقّدت الأصول والنّطف، عبر حكاية موسيقي شاب ضرير يكتشف، حينما يشرع في إصدار جواز سفره للمشاركة في حفلة أوروبية، أنه يعيش في كنف عائلة تبنّته. يخوض ربيع رحلة مضنية بحثاً عن حقيقة منبته. أما مخرجة الفيلم الإشكالي «ليال بلا نوم» (2012) إليان الراهب فتعرض وثائقيّها الجديد «ميّل يا غزيّل» حول يوميات رجل ستيني يعيش في أعلى جرود لبنان المسماة «الشمبوق»، يدير مزرعته ومطعمه وسط تجاذبات الطوائف والحزبية والتهريب والحرب على سوريا وتداعياتها وكساد المواسم، من دون أن تكسر تهديداتها شكيمته، ويتخلى عن مملكة أشادها بالصبر والعمل الدؤوب. فيما صوّر الأردني محمود المساد كوميدياه السوداء «إنشالله استفدت» (83 د) حول لقاءات مصائر بشرية جمعتها مفارقات حياتية وسقطات شخصية وتورطات نافذين وخطايا عائلية واستلابات بيروقراطية. يتهم أحمد وهو مقاول بالاحتيال ويُسجن، بيد أن ابن عمه المالك لمال الكفالة يفضل شراء خروف العيد على إطلاق سراحه! يلتقي الرجل الممحون مع معتقل آخر يدعى ابراهيم، ويتشاركان في اكتشاف عوالم السجن وإيقاعاته وقواعده ورموزه ومحتاليه وأباليسه، ويتوصلان الى قناعة متفجرة بأن الداخل لا يختلف عن الخارج وكذبة حريته، إن لم يبزه إنسانية وتآلفاً. عن قصة لمخرج «عين شمس»(2008) و «الشتا اللي فات» (2013) المصري إبراهيم البطوط، أنجز مواطنه شريف البنداري باكورته الروائية «علي معزة وإبراهيم» (97 د) بحكايتها الثنائية والمتداخلة التفاصيل حول الشاب علي المغرم بعنزته ومعاناته من مشاكسات الآخرين بسببها والتي تدفع أهله الى الاستنجاد بمعالج روحي! قبل أن يلتقي مع إبراهيم الذي يعاني من تهويماته وكآبته، ليترافقا في رحلة استكشاف ذاتية طويلة.
روح استقصائية
ضمن مسابقة «المهر الإماراتي»، تشارك الشاعرة والمخرجة من دبي نجوم الغانم بعملها الوثائقي «عسل ومطر وغبار» الذي حمل روحاً استقصائية حول صنّاع العسل ومربي نحله وتجار ثروته. وتقابل حكايته التي تستمر 86 دقيقة بين عالمين متناقضين، الأول لعسال يدعى غريب يتحصّن في محميته بأعالي جبال المنطقة الشمالية. والآخر لثنائي نسوي هما عائشة وفاطمة تتقفيان مسارات النحل وآثاره في المناطق الجرداء متسلحتين بالفطنة والإقدام. على منوالها ولكن عند حافة بحرية، صوّر المغربي لوران أيت بنعلا فيلمه الوثائقي «اليابسة» في مرفأ «سات» الواقع جنوب فرنسا، راصداً تدوير حياة وتبدّلات بشرها وأقدارهم وصفقاتهم. عمال سوريون يفرغون شحنة ماشية. بحارة مغاربة محتارون بمصائرهم منذ مصادرة سفنهم قبل عامين. جبال من الفحم وآلاف السيارات وركاب عالميون. كل شيء يتحرك أو يتغير أو يرحل أو يتفكك، سوى فطنة واحدة عظيمة: الحياة.