أفلام عربية تتصدر الشاشات الباريسية

أفلام عربية تتصدر الشاشات الباريسية

سينما

الجمعة، ١٦ مارس ٢٠١٨

من «حب الرجال»
من «السعداء»

هذا أمر نادر الحدوث! سبعة أفلام عربية تحتل شاشات فرنسية وبالأحرى باريسية، في الوقت ذاته! أمر قد يكون باعثاً على التفاؤل أيضاً حين نعلم أن عدد الأفلام العربية المعروض سنوياً في فرنسا يتراوح بين العشرة والعشرين كأقصى حد، كما تبدي الإحصاءات.
 
بين «حبّ الرجال» آخرها في تاريخ العرض، و «حادثة هيلتون النيل» أولها، ثمة «طبيعة الحال» و «السعداء» و «القضية 23» و «الواجب» و «جسد غريب»، ثمّ «غزيّة» الذي سيضاف إلى اللائحة قريباً. أفلام ترصد في معظمها الواقع القاتم في مجتمعاتها ويعود بعضها إلى حروب أهلية ما زالت آثارها المعنوية والجسدية حاضرة رغم مرور السنين.
 
 
 
بداية «سويدية»
 
كانت البداية مع «حادثة هيلتون النيل»، أو «أسرار القاهرة» وفق العنوان الفرنسي، لمخرجه المصري- السويدي طارق صالح الذي بدأ عرضه في تموز (يوليو) من العام الفائت. الفيلم وهو إنتاج سويدي- ألماني هولندي ناطق بالعربية لا يزال يعرض حتى اليوم، وإن كان في شكل محدود في صالات باريسية من نوع «فن وتجربة»، وقد اقترب عدد مشاهديه من النصف مليون ما يعتبر رقماً جيداً بالنسبة إلى فيلم «أجنبي» في فرنسا.
 
والفيلم كما بات معروفاً مستوحى من قضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم في دبي على يد رجل أمن بتحريض من رجل أعمال مصري عام 2008، لكن مخرجه وهو كاتب السيناريو كذلك اختار له عشية الثورة المصرية ضد حسني مبارك ونظامه زماناً والقاهرة مكاناً، رابطاً على نحو فعّال بين الجريمة وأجواء مدينة غابت عنها العدالة واستشرى الفساد في نظامها القضائي، مبشراً هكذا بانفجار قريب!
 
ثمّ جاء فيلمان جزائريان ليستقرا في دور العرض الباريسية إلى جانب «حادثة هيلتون النيل» ولا يزالان يعرضان إلى اليوم في بعض الصالات وإن حازا على نسبة إقبال أقل بكثير من الفيلم المصري. في «طبيعة الحال» أو «في انتظار السنونو» لكريم موسوي، صور للجزائر المعاصرة وثلاث حكايا لفساد مستشري وسلطة أبوية وجروح حقيقية معنوية وجسدية لم تلتئم بعد لحرب أهلية مضت. هذه الحرب تحضر كذلك بذكرياتها الأليمة في «السعداء» لصوفيا جمعة، التي ترصد أحوال العاصمة سنوات بعد انتهاء تلك الحقبة السوداء في تاريخ الجزائر حيث شخصيات مفعمة بالمرارة والغمّ، بين كبار حلموا بوطن مثالي وشباب يتسكع في بلد ساحر لكنه مسكون بذكريات مضنية. تخترق صوفيا جمعة جدران المدينة وتتجول في حاراتها وأزقتها الضيقة لترافق شخصياتها الشابة النزقة في ضياعها ومللها، في بحثها عن هدف لم تحدده بعد، فيجد بعضها ملاذاً في الدين وآخر في الانطلاق والتمرد على الأهل بكثير من التصميم والسعي نحو تحرر جسدي وحرية في التعبير عن الرأي تتجاوز كل الحدود...
 
 
 
... ووصل الملف الصاخب
 
ومع السنة الجديدة أضيف إلى القائمة فيلم اللبناني زياد دويري «القضية 23» أو- «الإهانة» بحسب العنوان بالفرنسية-، ومن جديد الحرب الأهلية اللبنانية. دويري الذي أثار الكثير من الجدل بسبب تصوير فيلمه السابق «الصدمة» في قلسطين المحتلة، أثار المزيد والمزيد بسبب فيلمه هذا. «الإهانة» وهو بالمناسبة الفيلم العربي الوحيد الذي ترشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، يبين أن آثار الحرب الأهلية ما زالت هنا بعد مرور قرابة الثلاثة عقود على انتهائها. إذ كيف لخلاف بسيط في الحارة بين مسيحي مؤيد للقوات اللبنانية وفلسطيني لاجئ أن يتحول إلى قضية تشغل الرأي العام اللبناني؟ ثمة الكثير من مشاعر الحقد والإحساس بالظلم في الأعماق، لكن ليس فقط! فهي لا تبقى فيها بل تصعد وبسرعة إلى السطح عند أول بادرة. جذب الفيلم إلى اليوم أكثر من تسعين ألف مشاهد في فرنسا نصفهم في باريس وحدها!
 
أسبوعان بعدها خرج فيلم الفلسطينية آن ماري جاسر «واجب» الذي صور في فلسطين، وفيه رصد حساس لمدى التفاوت في النظرة والسلوك الاجتماعي والشخصي والموقف من المحتل بين جيلين في فلسطين، لا سيما بين هؤلاء الذين بقوا وأولئك الذين غادروا. كل ذلك يتبدى من خلال يوم يقضيه أب وابنه الشاب معاً لأداء مهمة توزيع بطاقات دعوة لحفل زواج الأخت.
 
وانضم إلى اللائحة فيلمان تونسيان: «جسد غريب» لرجاء عماري الذي بدأت عروضه نهاية الشهر الفائت، وهو حشد لمجموعة من المصادفات والقضايا من هجرة غير شرعية وغرق وتطرف إسلامي، ولكن الأهم رغبات خفية لمهاجرة غير شرعية لفرنسا ومهاجر شاب وامرأة من اصول تونسية في باريس في بحثهما عن الحرية والحبّ بكل اشكاله... هذا البحث عن «الحرية» و «الحسيّة» كان مصدر الهام للمخرج التونسي مهدي بن عطية، في فيلمه «حبّ الرجال»، غير هذا العنوان «الجاذب» بالتأكيد لا سيما حين تكون المرأة العربية هي التي تعبر عن ذلك الحبّ، تقرر البطلة (حفصية حرزي) التي فقدت زوجها في حادث والهاوية للتصوير، الاعتماد على الرجال كموديل لها في بلد ما زالت أعراف الذكور فيه تخلط بين العلاقات وتحيلها دوماً إلى علاقات جنسية. لكن هذا الموضوع «المبتكر» للفيلم أي أن تنظر المرأة إلى الرجل كما ينظر هو إليها، سرعان ما يسقط في الخواء ويغدو مجرد تكرار لمشاهد للفتاة وهي تصور الرجال في أوضاع أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غريبة! وجاءت محاولات إخراج السيناريو من الفراغ الذي هبط فيه بكل هذا التكرار واختلاق الحوادث المفتعلة، وبقي الفيلم يراوح مكانه.
 
أما الفيلم السابع فسيكون «غزيّة» للمغربي نبيل عيوش الذي سينزل لدور العرض هذا الأسبوع ويبدو من ملخصه أن فيه ثمة بحث عن الحرية أيضاً- راجع بصدد هذا الفيلم ملحق الأسبوع الفائت من «الحياة»-...
 
يذكر أخيراً أن الجمهور الباريسي يشكّل وفي الغالب، في ما يخص هذه الأفلام، ثلث مشاهدي فرنسا كلها إن لم يكن نصفهم، وأن فرنسا هي السباقة في معظم الأحوال في ما يتعلق بعرض الأفلام «الأجنبية» أي غير الأميركية أو الأوربية حيث تنطلق منها العروض نحو بلدان أخرى كايطاليا وألمانيا والولايات المتحدة.