الجائزة الكبرى لفلسطين... ولو نكاية بترامب

الجائزة الكبرى لفلسطين... ولو نكاية بترامب

سينما

الجمعة، ١٥ ديسمبر ٢٠١٧

يُدهش المتأمل في المستوى الفني والفكري لما يقرب من نصف عدد الأفلام العربية المتنافسة بمسابقة المهر الطويل بدبي السينمائي الدولي الذي اختتم فعاليات دورته الرابعة عشرة مساء الأربعاء الماضي- خصوصاً اللبنانية («بان أوبتيك»– «غداء العيد») والجزائرية («إلى آخر الزمان»– «السعداء»)، والتونسية («بنزين»– «الرجل خلف الكاميرا»)، والعراقي «زاغروس» والمغربي «غزية»– يُدهش كون السينما الفلسطينية نالت حظ الأسد من جوائزه. وقد يتساءل المرء هل الأحداث السياسية وقرار ترامب الأخير لعب دوراً في التعاطف وتوجيه دفة الجوائز؟! فجائزة أحسن ممثل التي كان يتنافس عليها بقوة كل من الممثل الجزائري جيلالي بوجمعة عن دوره كحفار قبور في الفيلم البديع «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ، والممثل التونسي علي يحياوي عن دوره في فيلم «بنزين» حيث يجسد معاناة والد أحد المهاجرين الذي لا يعرف هل غرق أم لايزال على قيد الحياة، هذه الجائزة ذهبت مناصفة إلى الفنان الفلسطيني محمد بكري وابنه صالح بكري بطلي فيلم «واجب» للمخرجة آن ماري جاسر التي حصدت هي أيضاً جائزة أفضل فيلم وهو أمر مثير للدهشة لتفوق أفلام أخرى عليه.

 

أذواق لجنة ما...

صحيح أن الأفلام المتنافسة على المهر القصير كانت تنحصر بين اللبنانية والفلسطينية نظراً لضعف مستوى المشاركات الأخرى لكن جائزة أفضل فيلم التي نالها المخرج مهدي فليفل عن شريطه «رجل يغرق» تثير هي أيضاً التساؤل لتفوق الأفلام اللبنانية عليه ومنها: «زيارة الرئيس» للمخرج سيريل عريس والذي نال جائزة لجنة التحكيم، و «تشويش» للمخرجة فيروز سحال، و «متوسط» طلال خوري على الأخص لما به من مشهدية سينمائية وتشكيل بصري مبتكر تعبيراً عن الهجرة غير الشرعية وابتلاع البحر للمهاجرين، في حين يستعرض «رجل يغرق» لمهدي فليفل وفي شكل مباشر استغلال الشاب الفلسطيني المهاجر في السرقة أو الاستغلال الجنسي الشاذ مقابل سيجارة أو وجبة طعام بخمسة أو ٣ يورو، لكن في النهاية لا يمكن إنكار أن الجوائز تخضع لأذواق لجان التحكيم والتي في الأغلب لا تخلو من توجهات سياسية.

كانت فلسطين حاضرة أيضاً من خلال فيلمين آخرين قصيرين هما «العبور»، و «بونبونة»، أما في قسم «ليال عربية» فشارك الوثائقي «نائلة والانتفاضة» عن المناضلة الفلسطينية التي خاضت تجربة الحمل والولادة في السجون الإسرائيلية وحتى بعد الإفراج عنها بصحبة طفلها عاشت الغربة عن زوجها ثم لاحقاً عندما اجتمع شمل الأسرة كان مشروطاً بالنفي عن الوطن. أما في «أرض الآباء» للمخرج العراقي علاوي سليم- والذي نال جائزة أفضل فيلم في مسابقة المهر الخليجي– فيصطحب البطل ابنه الشاب الذي يزور الأردن للسباحة على شاطئ البحر المواجه لفلسطين ويحكي له عن ذكرياته مع الجد الذي اعتبر القدس أجمل مدينة في الكون والتي تم طردهم منها، وأصبح ممنوعاً عليهم أن يدخلوها، فصارا يجلسان ساعات في هذا المكان الذي يمكن من خلاله رؤية فلسطين.

 

لبنانيون مُدهشون

المشاركة اللبنانية في هذه الدورة من مهرجان دبي تُؤكد استمرار تقدم مستواها الفني والفكري، والنقلة النوعية التي تشهدها هذه السينما على أيدي شابات وشباب واعدين، وذلك على رغم قلة عدد الأفلام الروائية الطويلة هذا العام مقارنة بالدورة السابقة للمهرجان اذ اقتصر على ثلاثة أعمال فقط، لكنها ثلاثة أفلام مُدهشة في صدقها وتلقائيتها وأداء أبطالها وبناء السيناريو السينمائي لها، وبمقدرتها على إيجاد معادل بصري إبداعي خصوصاً في الشريط الوثائقي «Panoptic» للمخرجة رنا عيد، ليس فقط على مستوى شريط الصوت الذي تميزت فيه بمهارة لافتة، ولكن أيضاً على مستوى الإبداع البصري وزوايا التصوير وتكوين الكوادر، وتوظيف الميثولوجيا للتعبير عن فكرتها في شكل خاطف وسريع.

أما الفيلم الروائي الطويل «غداء العيد» فهو أحد أصعب أنواع الأفلام لأنه يدور في مدة زمنية لا تتجاوز 91 دقيقة هي الزمن الفعلي للشريط السينمائي، وتدور غالبية الأحداث على مائدة الطعام لأفراد أسرة مسيحية أثناء تناولهم وجبة غداء العيد وأحاديثهم المتنوعة وعلاقتهم وتفاعلهم الذي يشي لنا بقوة علاقتهم وارتباطهم الحميمي، لكن فجأة تنقلب الأمور رأساً على عقب وتنشب معركة حامية بينهم تكشف عما دُفن في الأعماق حيث الإهانات والضرب وكأنها حرب أهلية داخل أسرة لبنانية. الفيلم أخرجه وكتب له السيناريو المحكم بكل تفاصيله التي قد تبدو شديدة العادية والتلقائية مثلما قام بمونتاجه أيضاً لوسيان بورجيلي وقد نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة المهر الطويل- فهو من شدة صدقيته يجعل المتلقي يتخيل أنه عمل وثائقي تُتابع فيه الكاميرا الخفية أبطالها المختلفين.

أما الروائي الطويل «يوم ببيروت» للمخرج نديم تابت والذي عرض بقسم «ليال عربية» فهو لا يقل أهمية عن سابقيه في قدرته على التعبير الموضوعي- بعيداً عن إصدار أي أحكام- عن حالة الارتباك التي يعيشها الشباب والشابات، عن الحب، والعواطف والرغبات، عن الانفصال المربك، وتغير الإنسان وفقدان الحب، والرغبة في استعادة خفة الشباب وبراءته، عن اكتشاف العالم، وقراءة التاريخ في محاولة للاستفادة منه في الحاضر، عن الموسيقى التي تربط بين العشاق، عن محاولة نسيان الواقع والضياع في المخدرات وإهدار الموهبة، كل هذا على خلفية التظاهرات وأحاديث عن الحرب والتفجيرات بأداء متقن وإيقاع سينمائي متوازن.

 

على طريق السينما

لم ينل الفيلم الجزائري «إلى آخر الزمان» أي جائزة لكنه أتى واحداً من أجمل وأرق الأفلام التي عرضت في دبي السينمائي وأكثرها بساطة على رغم أهميته، ويُؤكد حساسية ورهافة الوعي العميق لمخرجته الجزائرية ياسمين شويخ التي كشفت عن موهبتها باكراً منذ فيلمها القصير «باب» 2007. على رغم ما سبق لم تخرج السينما الجزائرية خالية الوفاض إذا نال فيلم «السعداء» جائزة أفضل مخرج لصاحبته صوفيا جامه، والذي تبدأ أحداثه من عام ٢٠٠٨ فيكشف عبر تفاصيل الحياة اليومية كيف لا يزال هذا البلد- وبعد سنوات من الحرب الأهلية– غير قادر على تضميد جراحه، وكيف أن ذكرى الضحايا لاتزال حاضرة، وهو أثناء ذلك يتناول الحالة الجوانية للجيل الذي خاض تلك الحرب وبقاء الجرح مفتوحاً على رغم مرور سنوات على انتهائها، وذلك بالتوازي مع وضعية الشباب والجيل الجديد وبقايا آثار التطرف الإرهاب الذي لايزال يبحث له عن طريق بين هؤلاء المراهقين.

تزامناً مع الخطوة الجريئة التي أعلنت عن إعادة فتح ما يزيد عن 300 دور عرض وإقامة مهرجان سينمائي في المملكة السعودية– على رغم حداثة الفن السابع هناك والمعوقات الكثيرة– بدا حضور سينمائيات سعوديات واضحاً في دبي السينمائي سواء من خلال لجان التحكيم ممثلاً في الممثلة والمخرجة عهد كامل بمسابقة المهر القصير والخليجي، أو من خلال قسم ليال عربية بفيلم وثائقي عن الشاعرة السعودية المتمردة التي اقتحمت برنامج شاعر المليون لتعبر عن آرائها وشخصيتها، وإن اختفت المشاركة السعودية من مسابقة المهر الطويل واقتصرت على المهر الخليجي من خلال ثلاثة أفلام تميز منها بوضوح فيلما «حلاوة» و «احتجاز»، ثم جاء فوز هيفاء المنصور بجائزة آي دبليو سي عن مشروع فيلمها Miss Camel والمشروع يحكي قصّة هايلا الفتاة السعودية التي تسعى بكل السبل إلى التخلّص من زواجها المدبّر لها، وتحقيق هدفها في الالتحاق بكلّية الفنون خارج أرض بلدها، وأثناء محاولاتها ولقاءاتها لدخول الكليّة بدولة خليجية مجاورة، تكتشف هايلا موهبة وقدرات جديدة تتمتع بها.

 

مصر ... رغم كل شيء

على رغم ضعف المشاركة المصرية فنياً وفكرياً وعددياً فإنها خرجت بجائزة أحسن ممثلة لمنحة البطراوي عن دورها في «زهرة الصبار» للمخرجة هالة القوصي في أول تجاربها، وهو الفيلم الذي انقسم من حوله النقاد فالبعض هاجم مستواه بشده واعتبره سيئاً، والبعض الآخر خصوصاً النقاد من غير المصريين احتفوا بالفيلم واعتبروه تحفة سينمائية، ومن رأي كاتبة هذه السطور أنه عمل ينتمي إلى «الآرت هاوس» يتميز بطزاجة فكرته وبكارة كثير من المواقف والمشاهد والأحلام واللقطات التشكيلية فيه، لكنه يعاني من ترهل في الإيقاع واضح، ويحتاج إلى إعادة مونتاج والاستغناء عن عدد من الأحلام التي زادت جرعتها وكانت عبئاً ثقيلاً عليه. أما الفيلمان الآخران اللذان حاولا التسلح بخفة الظل والكوميديا فجاء الأول «بلاش تبوسني» لأحمد عامر أقرب إلى التحقيق التليفزيوني ويخلو من روح السينما، في حين جعلنا «طلق صناعي» لخالد دياب نتساءل- خصوصاً بعد مشاهدة كثير من أفلام العروض الافتتاحية بالمهرجان مثل «الفنان الفاشل» و «شكل الماء» و «موت ستالين»، «راديو غرام»– كيف نصدق عملاً يتحدث عن حب خيالي مستحيل بين فتاة بكماء وبين وحش عنيف ونتعاطف معهما ونقع في حب هذا الكائن المشوه القبيح في حين لا نتجاوب ولا نصدق قصة حقيقية من أرض الواقع المصري عن معاناة الشباب ورغبته في الحصول على تأشيرة السفر إلى أرض الأحلام؟!