قراءة في ثقافة “هذا حلو وهذا بشع” التربية الجمالية.. ضرورة لبناء الشخصية وتهذيب السلوك أم ترف اجتماعي وتبسيط للفكر؟

قراءة في ثقافة “هذا حلو وهذا بشع” التربية الجمالية.. ضرورة لبناء الشخصية وتهذيب السلوك أم ترف اجتماعي وتبسيط للفكر؟

آدم وحواء

الجمعة، ٣ أبريل ٢٠١٥

كثيراً ما نلاحظ في مجتمعنا ميل الأفراد إلى تصنيف الموجودات والحكم عليها من منطلق القبح والجمال، وكثيرا ما تتردد على مسامعنا كلمة (هذا حلو وهذا بشع …) سواء كان الوصف لإنسان أو جماد.. ولا شك بأن ذلك يعود إلى الدور الذي يلعبه العنصر الجمالي في بناء شخصية الفرد،  وتهذيب سلوكه واختياراته، وفي ذات الوقت يحمل الجمال العديد من التناقضات، ونكتشف في كثير من الأحيان، وفي وقت متأخر، أننا خدعنا بجمال الشكل وحلاوة التصرف اللذين يخفيان وراءهما سلوكاً شنيعاً وغايات دنيئة تريد الإيقاع بالآخرين، فإلى أي مدى نحن بحاجة للتربية الجمالية، ولغرس القيم الجميلة في أبنائنا من أجل إدراك الجمال الحقيقي الذي يجب أن يتحلى به المجتمع؟؟..

غريزة فطرية
يمتلك كل إنسان ميلاً فطرياً نحو الجمال، وهو يرغب دائماً بأن يكون جميلاً في مظهره، لذلك يسعى دائماً إلى الاهتمام بنفسه ليظهر بأبهى حلّة، وليلفت أنظار الجميع، وإذا ما أراد اقتناء شيء يحاول اختيار الأجمل، وإذا ما أراد الارتباط يبحث عن شريكة حياة جميلة، فالجمال، كما عبّرت عنه الدكتورة في علم الاجتماع رشا شعبان، هو سر من أسرار الخالق، وهو يُدْرَك بالحس والقلب، وليس من السهل تعريفه أو تحديده بأوصاف أو رسوم أو عبارات، وهو شعور داخلي قد يترجمه صاحبه في عبارات أو إشارات، وقد يظهر في لغة الملامح والتقاسيم.. والإحساس بالجمال عجيب في كيان الإنسان، حيث يَحدث توافق بين الحس البشري والجمال الخارجي من خلال المُدْرَكات الحسية التي وهبها الله للإنسان، وإن الحكم الجمالي الذي يطلقه الفرد على أي موجود في الطبيعة هو جزء من الوعي الجمالي، ويدخل في إطار تشكل الذوق الجمالي..
وتضيف شعبان بأن الوعي الجمالي أهم أشكال الوعي في المجتمعات، فهو يخلق القدرة على تذوق الجمال وممارسته بإبداع، فتخرج الأعمال الفنية واللوحات والمنحوتات والشعر والأغنية، وبذلك الوعي الجمالي استطاعت الحضارات تخليد نفسها بالزخارف والنقوش التي تزخر بها الكهوف والآثار العمرانية للحضارات القديمة، والتي بقيت إلى يومنا هذا تروي قصص الأجداد، وتعكس ذوقهم الجمالي.
جمال الروح
يختلف البشر في تذوقهم الجمالي، وينقسم الحكم الجمالي، كما أفادت شعبان، إلى مطلق ونسبي، فالجمال المطلق هو الذي يتحد الجميع في الحكم عليه انه جميل، بحيث يحمل الموجود معايير ثابتة ومستقلة لا تتغير مع تغير الزمان والمكان، أما الجمال النسبي فهو يتغير مع تغير الزمان، فعلى سبيل المثال كان اليونانيون قديماً يرون الجمال في المرأة الممتلئة، أما اليوم فإن الجمال يتمثل بالمرأة النحيفة والرشيقة.. والجمال الذي يُشَاهد في الطبيعة في وجه امرأة أو زهرة أو فراشة إنَّما هو جمال نعشقه بالفطرة نتيجة الراحة لرؤية هذه العناصر، فكما يُقال”إنَّ الزهرة جميلة” يقال”إنَّ الفكرة جميلة، والسلوك جميل، وحل المسألة الرياضية جميل”، فكأنَّ الجمال تعميم للرؤية والإدراك على سائر الكائنات بحيث يكشف الإنسان من ثناياها ما تنمّ عنه من علاقات مريحة تبعث على السرور، ولذلك يُقال عنها جميلة؛ فالجمال يُرى في كل شيء إذا كان متناسقاً سواء كان في وجه امرأة أو كيان حشرة أو حيوان أو زورق شراعي يدفعه الريح فوق بركة من الماء أو فكرة حية، والجمال يُدْرَك في المعنويات في صياغة الألفاظ والأنغام والأصوات والحركات.. إلا أن الجمال يتجسد في حقيقته بالروح والمضمون، وليس بالشكل. وتعيب شعبان على أولئك الذين يشترطون في شريكة حياتهم جمال الشكل، ويفضلونه على أي شيء آخر، وفي ذلك تسطيح للعقل واستهلاك للأمور، وهو ينبئ بتصدع في بنية الشخصية، ويقود المجتمع إلى حافة الهاوية عندما تسيطر الثقافة المبتذلة والميل فقط إلى إرضاء الغرائز، بغض النظر عن النتائج التي تكون كارثية أحياناً، فيستغل الجمال من أجل صفقات مادية رابحة اليوم، وليس من أجل زواج واستقرار، وتكوين عائلة سليمة، وغيرها من الغايات الدنيئة التي يستعمل الجمال وسيلة للوصول لها.

ضرورة ملحة
باتت اليوم التربية الجمالية ضرورة ملحة ومهمة في إعداد الإنسان، وتنمية ميوله وتحويله الى كائن مفكر يبدع ويبتكر ويغير، وليس صحيحاً ان التربية الجمالية ترف اجتماعي، فقد حرصت المجتمعات الحديثة على الاهتمام بالتربية الجمالية، وأفردت لها مقررات في مناهجها الدراسية، بغية صقل شخصية الطالب في كافة الجوانب، وزيادة الوعي، والتذوق الجمالي من أجل إعداد جيل واعد يتفاعل مع الحياة بإيجابية وذوق رفيعين، فيرتقي المجتمع  إلى الأفضل.
فاطمة كنايسي- البعث