لقاء الأشباه والأضداد...مغناطيسية الحب بين التجاذب والتنافر

لقاء الأشباه والأضداد...مغناطيسية الحب بين التجاذب والتنافر

آدم وحواء

الثلاثاء، ٢٤ فبراير ٢٠١٥

«لا يتم الزواج مطلقاً بين شخصين لهما الطباع نفسها. لماذا؟ لأن الطباع المتشابهة تتنافر، ولا تتجاذب».
 
هكذا يقول الكاتب الأميركي تيم لاهاي في كتابه (الأضداد تتجاذب) الذي قال فيه بأن الإنسان بطبيعته يبحث عن الكمال، وهو ما يدفعه للإعجاب بالصفات التي يمتلكها آخرون دوناً عنه، وهنا يحدث التكامل بين الشريكين الذين لا يشبهون بعضهم، بل يختلفون بمقدار يجعل منهما وجهين لعملة واحدة. إذ إن الاختلاف بين الشريكين بمثابة توابل للحياة، يضفي عليها إثارة وبريقاً وقوة وحماسة، فما معنى أن نمضي حياتنا مع نسخة عنا، نراها بأعيننا ولا نجد فيا ما يثير اهتمامنا، نلمسها ولا نتحسس فارقاًُ يجذبنا، إلا أنه في المقابل تقول دراسات أخرى بتوافق الشخصين المتشابهين في الحياة الزوجية وهو داعم أساسي لاستقرارها، فالفوضوي في الحياة لا يناسبه شخص مفرط في التنظيم لما يحمله الأمر من تبعات لا بد أن تنتهي بالانفصال. وهو الأمر ذاته الذي تؤيده الأمثال الشعبية التي تقول (الطيور على أشكالها تقع).
وكما جرت العادة فإن للسينما كلمتها في هذا الشأن، وتجسد ذلك من خلال أفلام عظيمة وخالدة تركت بصمتها الخاصة لدى المشاهد، والتي عكست بإبداعٍ العلاقة المتميزة التي تنشأ بين شخصين نقيضين يملكان طباعاً مختلفة وأساليب حياة وأفكار متباعدة، فمن منا لا يعرف قصة «الجميلة والوحش» للروائي الفرنسي جان ماري دي بومون التي يعود تاريخها إلى عام 1756، التي جرى تقديمها من خلال عدد مهول من الروايات المقتبسة منها والأفلام السينمائية والتلفزيونية والأعمال المسرحية، وكان أبرزها الفيلم السينمائي الذي أبدعه المخرج الفرنسي «جين كوكتو» عام 1946 وجلب به الرواية إلى الشاشة الفضية، وتتحدث قصة الفيلم عن فتاة جميلة يرتكب والدها ذنباً في حق وحش مسحور ويحكم عليه بالإعدام، إلا أنه يعرض عليه العفو مقابل أن يرسل له إحدى بناته لتعيش معه سجينة في القلعة التي يسكنها، فتقرر ابنته الجميلة أن تضحي بنفسها لإنقاذ والدها وتذهب خلسة إلى القلعة التي يقيم بها الوحش لتؤدي العقوبة، يعاملها الوحش بلطف وتهذيب، ويبذل قصارى جهده ليكسب ودها ورضاها، ومع مرور الوقت ينقلب خوفها من مظهره القبيح إلى تعاطف إنساني عميق تجاهه، وعندما يتعرض والدها لوعكة صحية يسمح لها الوحش بمغادرة القلعة وزيارته لمدة أسبوع، إلا أنها تعود إلى القلعة بعد انقضاء عدة أيام من الأسبوع لتجد الوحش في حالة احتضار يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتعبّر له عن مشاعر الحب التي تعتريها وهي في أوج حزنها عليه، تلك المشاعر التي نتجت عن حسن معاملته لها، فينكسر السحر ويزول عنه بتلك اللحظة التي تصارحه بها، ويتحول إلى أمير بارع الجمال، لتكون العبرة من هذه القصة أن الاختلاف الجذري بينهما على الصُّعد كافة  لم يمنع نشوء تلك الحالة الإنسانية والمشاعر الجياشة التي دفعت الحسناء للوقوع في حب الوحش القبيح.
وفي السياق ذاته نستذكر رائعة الأديب الفرنسي فيكتور هوغو «أحدب نوتردام»، التي ألفها عام 1831 وتم تحويلها إلى ستة أفلام سينمائية كان أولها عام 1923، كما تم عرضها على خشبات المسرح، وتتناول الرواية شخصية كوازيمودو (الأحدب) ذي المظهر الخارجي القبيح والمضمون الحسن، الذي بقي قابعاً خلف أسوار كاتدرائية نوتردام في باريس منعزلاً عن العالم بأمر من سيده الذي منعه عن أي اتصال بالعالم الخارجي، يقع أحدب نوتردام في حب نقيضته أزميرالدا الفتاة الغجرية الشابة فاتنة الجمال، التي قبلته كما هو ولم تسخر من العاهة التي يعانيها في جسده كما فعل الآخرون، بل عطفت عليه وأظهرت له مشاعر الود والحنان، وهذا ما دفعه للتضحية بحياته مرات عدة لكي ينقذها من أخطار تتعرض لها، وبذلك حولته تلك الفتاة بجمال مظهرها وجمال إنسانيتها من كائن عاجز ومنعزل إلى شخص فاعلٍ ومؤثرٍ بما يملكه من صفات حسنة وقدرة على فعل الخير إثبات أنه أفضل من كل هؤلاء الذين يسخرون منه.
بينما يأخذنا المخرج الأميركي غاري مارشال إلى قصة من نوع آخر عبر فيلمه الشهير «امرأة جميلة Pretty Woman» عام 1990 الذي جمع بين النجمين ريتشارد غير وجوليا روبرتس، ففي مزج بين الرومانسية والكوميديا تدور أحداث الفيلم الذي يتمحور حول شخصيتين رئيسيتين هما الرجل الأرستقراطي الثري ذو المظهر الحسن الذي يبحث عن امرأة لكي ترافقه في إحدى المناسبات الاجتماعية مقابل مبلغ من المال، فيقع اختياره مصادفة على واحدة من فتيات الليل الفقيرة وغير المتعلمة التي تنتمي إلى أدنى طبقات المجتمع، وفي الوقت ذاته تعتبره الفتاة بأنه زبون لا أكثر، ومع تطور العلاقة ودوامها لأيام عدة كانت كفيلة بأن يكتشفا خلالها ما هو غير متوقع، فهو يتعرف على مدى معاناة تلك الفتاة وتدهشه بساطتها وعفويتها ونبل مشاعرها وبحثها عن الخلاص من تلك المهنة الرخيصة، وهي بدورها تجد في هذا الزبون إنساناً مختلفاً غير تقليدي يحس بها ويلاطفها ويعنى باحترامها بعد أن كانت بنظر غيره مجرد جسد وسلعة متداولة، فتبصر الحنان والعاطفة والحب المختفية خلف قسوة ظاهرة، يكتشفان ما بداخل كل منهما من جوانب إنسانية تجمع بينهما ليكمل كل منهما الآخر.
على حين سعى لون شيرفيج مخرج فيلم «ذات يوم One Day» لإثبات وجهة النظر ذاتها من خلال سرده لعلاقة الصداقة التي تنشأ بين إيما مورلي الفتاة التي تنتمي إلى الطبقة العاملة بشخصيتها العفوية البسيطة وحسها المرهف، وديكستر مايوهيو الشاب الوسيم ابن العائلة الثرية الذي يدخل عالم الشهرة والنجومية من أوسع الأبواب بما ينطوي عليه ذلك من مضاعفات لا تحمد عقباها، يجمعهما موعد غرامي أول في يوم تخرجهما من الكلية، وتنشأ إثره علاقة صداقة وطيدة وحميمة تربط بينهما وتتفاعل على الرغم من التناقض الجذري في سلوكهما وأفكارهما وتباعد الدروب والتطورات السلبية التي تلم بصداقتهما، إلا أن سعيهما الدؤوب لمحاربة تلك الانتكاسات المتعاقبة والتغاضي عن المنغصات المتواصلة يؤدي بهما للتغلب على الاختلاف وقبولهما لبعضهما بعضاً كل على حاله، فيكمل كل منهما الآخر ويصونان تلك الصداقة الأزلية التي تدوم مدى الحياة.
قد نتفق أو نختلف، لكن هل من السهل أن نتفق كيف نختلف؟ لعله من الصعب أن ننكر أو أن نبهم الاعتقاد السائد بأن الاختلاف والتناقض في الأفكار والمعتقدات والخصال بين شخصين هو سبب مباشر وكاف للحد من استمرارية وتطور أي نواة علاقة قد تنشأ وتجمع بينهما، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث تنافر وجفاء وخصومة قد تبلغ درجة العداء والقطيعة في بعض الأحيان، لكن هذا يعتمد بالدرجة الأولى على سعة أفق الطرفين المتناقضين ومدى تقبل كل منهما لفكرة الاختلاف بالرأي والطباع، فقد يعتبره البعض مصدر غنى يدفع للارتقاء بالعلاقة وسموها بينما يعتبره البعض الآخر باعثاً على الشقاق، لكن بقليل من التأمل نجد أن العلاقة القائمة بين شخصين على اختلاف أوجهها، سواء كانت علاقة زوجية أو حباً أو صداقة أو شراكة في عمل، تشبه بمفهومها اللوحة الفنية التي لا تكتمل بلون واحد من دون اندماج لونين مختلفين يجمّل كل منهما الآخر ويظهره ويزيد من تألقه.