هَل تُميِّز الأمّ بين أولادها؟

هَل تُميِّز الأمّ بين أولادها؟

آدم وحواء

الجمعة، ٢٣ مايو ٢٠١٤

أيٌّ من أولادك تُفضّلين؟ سؤالٌ قد نطرحه على الأمّ، ولم لا؟ إنما غالباً ما تلتزم هي الصمت المُحرج أو تنفي مؤكّدةً: «لا أفضّل أيّاً منهم على الآخرين، بل أحبّهم جميعاً بالتساوي».
وعن اتّهامها بميلها إلى الاهتمام بأحدهم أكثر من أشقّائه، توضح: «قد أُحبّ الشخصيّة القويّة التي يتمتّع بها الطفل البِكر، ودلال الثاني وذكاءَ الثالث... لكنّ هذا لا يعني أنّني أميّزُ بينهم». وبالتالي ترفض حُكماً، نظريّة أنّ «الأمّ تُميِّز في طريقة حبّها لأولادها، أو أنّها تُفضّل أحدهم على الآخرين».
تكوينها النفسي
وتعليقاً على هذا الموضوع، أكّدت المُرشدة النفسيّة جويل خوري صوما أنّه «من الناحية النظريّة والمثاليّات، لا تُميّز الأمّ بين أولادها، حيث إنَّ لكُلّ واحد منهم ميزة معيّنة، وجميع أولادها مُمَيّزون في نظرها بطريقة مختلفة عن غيرهم، لكنّها أحياناً قد تميّز بين أطفالها وهذا عائد الى تكوينها النفسي ونسبة نضوجها».
وأوضحت صوما لـ»الجمهورية» أنّ «بعض الأمّهات يُفضّلنَ الطفل الناجح والذكيّ والمتفوّق، فيما تفضّل أخريات الطفل الذي يشبههنَّ نفسياً وجسدياً أكثر من أشقّائه، وتميل أخريات الى تمييز الطفل المريض، فيولين اهتماماً كبيراً به أكثر من أشقّائه، إذ إنّهُنَّ يشعرن بالذنب تجاهه».
وفي هذا السياق، شدّدت صوما على أنَّ «تمييز الطفل المريض يَتمُّ إيجاباً أو سلباً، فإمّا تُحيطه الأمّ بحبّها وحنانها، أو على العكس تهمله لأنّها من الناحية النرجسيّة لا تتقبَّله». وأكّدت المرشدة النفسيّة أنّ «علامات تمييز الأمّ بين أولادها تكون واضحة، خصوصاً وأنّها على صعيد المعاملة تكافئ الطفل المُميَّز أكثر من أشقّائه، وتُبرِّر أخطاءه، فيما تُعاقب إخوته على ارتكابهم الخطأ ذاته».
موضوع شائع؟
لكن على رغم إقرار عدد ضئيل من الأمّهات بمَنح أحد أطفالهنّ دلالاً أكثر من الآخرين، وبالتالي تفضيله عليهم نوعاً ما، «إلّا أنّ هذا الموضوع لا يزال مُندرجاً ضمن خانة المُحرَّمات، ولا تجرؤ الأمّهات على الإقرار به»، حسب ما أكّدت عالمة النفس والاجتماع كاثرين سيلنيت. وقد تناولت الباحثة موضوع «الطفل المُدلّل» في كتابها، مُبيّنةً مساوِئه ومنافعه.
وأكّدت سيلنيت في كتابها أنّ «تفضيل الأمّ أحد أولادها على أشقّائه موضوعٌ مُثار مُنذ زَمَن، وقد تحدّثت الأساطير القديمة عن نزاع الأخوة بسبب هذا الموضوع». فلمَ هذا الإحراج والنفي إذاً؟ «لأنّه ابتداءً من القرن العشرين، باتت التربية مَبنيّة على المُساواة، وكان على الأمّ أن تحبّ جميع أولادها بالتساوي بعيداً من المفاضلة أو التمييز».
... وهذه علاماته
وأوضحت عالمة النفس والاجتماع في كتابها، أنّ علامات تمييز الأمّ في حبّها لأولادها تتأرجح بين علامات واضحة وأُخرى خفيّة، «فبطريقة غير واعية، تتقرّب الأمّ من طفلها المُفضّل حسّياً ونفسيّاً، وتميل إلى الجلوس بقربه دائماً الى مائدة الطعام أو في غرفة الجلوس، ومرافقته في نشاطاته الاجتماعيّة والرياضيّة». وشدّدت سيلنيت على أنّ هذا القرب يكون نفسيّاً أيضاً «فتخوض الأمّ في نقاشات مُهمّة مع طفلها المُدلّل والمُفضَّل، تتمحور حول ألعابه ونشاطاته ومخاوفه وأصدقائه وكلّ ما يتعلّق بتفاصيل حياته».
وسلّطت الكاتبة الضوء على استخدام الأمّ بعض الألفاظ والتعابير الرقيقة الخاصّة لمُناداة طفلها المُدلّل، فتصِفُه مثلاً بـ»أميري الصغير»، أو «كنزي الثمين»، فيما تُنادي الأطفال الآخرين بأسمائهم فقط. كذلك «يحظى الطفل المُفضَّل بمكانة خاصّة ومُميّزة في المنزل، فيحصل دائماً على كثير من الهدايا، ولا يُعاقَب على الأخطاء التي يرتكبها، ويُقدَّر لأيّ عمل يؤدّيه مهما يَكُن بسيطاً».
تُفضِّل مَن يُشبهها؟
وقالت سيلنيت إنَّ «تمييز الأهل بين أولادهم يرتكز على مبدأ «حبّ الذات»، فيُفضِّلون الطفل الذي يُشبههم أكثر سواء نفسيّاً أو جسديّاً». والسبب «يمثّل الطفل الذي يشبه والديه ويكون صورةً مُصغَّرة عنهم، مرآةً تعكس طباعهم الحميدة والمميزة، وهذا ما يشفي غرورهم ونرجسيّتهم». وأوضحت الكاتبة أنّ الأمّ قد تميّز بين أولادها على أساس جنسهم «فالفتاة التي تأتي بعدَ صبيَين تحظى بمكانة خاصّة وبحبّ أمّها إذ تجسّد أحلامها».
وثمّة مُعطيات أخرى تدخل على خطّ تمييز الأهل بين أولادهم، منها على سبيل المثال ترتيبه بين إخوته. «فيحظى الطفل البكر بالاهتمام الأكبر لأنّه أوّل مَن جَعَل أهله يشعرون بالأمومة والأبوّة»، حسب ما حللت الخبيرة النفسية والاجتماعية. «في المقابل، ينسج الأهل علاقاتٍ خاصّة ومتينة مع الطفل الأصغر». وذكرت سيلنيت في كتابها، موضوع «تعويض الأهل النقص لدى أحد أولادهم، خصوصاً إذا كان يُعاني إعاقةً وأمراضاً».
فرصة أو عبء؟
بالنسبة الى «الطفل المدلل»، لا يمرّ غنجه الزائد بلا نتائج إيجابية وسلبية واضحة. «فمن الناحية النرجسيّة، يكون المُدَلّل مميّزاً في نظر والديه، وهذا ما يلقي عليه ثقلاً وضغوطاً كثيرة. فالأهل يراهنون عليه وعلى نجاحه، وبالتالي يجب أن يكون عندَ حسن ظنّهم ويُلبّي طموحاتهم وأحلامهم».
وفي هذه الحال أيضاً، تدخل فكرة «الدَّين»، «فالأهل ينتظرون من الطفل المُدَلّل الذي يُقدِّمون له كلّ شيء ويُميّزونه بطريقة مُعاملتهم له، أن يكون في المقابل وفيّاً لهم ويهتمّ بهم في المُستقبَل فيكون بمثابة العصا التي يستندون إليها في شيخوختهم». غير أنّ الأطبّاء يُجمعون على أنَّ «مدّ الطفل بالدلال الزائد والغنج وتذكيره بضرورة أن يهتمّ بأمّه وأبيه عندما يشيخان، قد يعوق نموّه النفسي واستقلاليّته».
... نيران الغيرة
وتظهر انعكسات التمييز بين الاولاد على علاقة الأخوة، «فيشعر الأطفال الآخرون بالغيرة من «الطفل المُدلّل»، ويستغلّونه لتحقيق مآربهم الشخصية، أو يلحقون به الضرر والأذى، وهذا ما يُشعره بالسوء». وتؤكِّد سيلينيت في هذا السياق، أنّه ليس سهلاً أن يكون الطفل مُدلّلاً لدى والديه، داعيةً الأمّهات الى عدم التمييز بين أولادهنّ ومعاملتهم على أسس المساواة الواعية، أي تربيتهم مع أخذ احتياجات كُلّ منهم في الاعتبار».
وختمت كتابها مؤكّدةً أنّه «لا يمكن الحدّ من التمييز بين الأولاد، ولكن على الأهل أن يوجدوا توازناً في طريقة مُعاملتهم لأولادهم تجنُّباً للآثار السلبيّة التي قد تترتّب مُستقبَلاً».