الهدية: من عاطفة الهادي إلى عاطفة المهداة إليه

الهدية: من عاطفة الهادي إلى عاطفة المهداة إليه

آدم وحواء

الاثنين، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٣

تختلف المعاني والمدلولات باختلاف الهديّة والمهداة إليه وظرف تقديمها. ولأن الهدية رسالة، مهما كان نوعها، فهي تتضمّن ثلاث مكوّنات أساسية هي: الوجدان والمعرفة والسلوك.
ـ فهي تنبع من وجدان الهادي وتتّجه إلى وجدان المهداة إليه.
ـ والمعرفة تعني إدراك سبب تقديم الهدية والرسالة المرجو إيصالها ومراعاة ذوق المُهدى وحاجته بغية اختيار الهدية المناسبة والمفيدة.
ـ أما السلوك فيعني حُسن اختيار المناسبة أو الوقت لتقديم الهدية بالشكل الصحيح لئلاّ تفقد قيمتها.
الهدية عاطفة راقية تؤثّر في النفس والقلب
من هنا، فالهدية عاطفة إيجابية تعبّر عن المشاعر الطيبة كالمَوَدة والمحبة والتقدير والإعجاب والشكر والإمتنان والاهتمام والاعتذار والتعبير عن الحب، ورسالتها هي الحب والمحبة، كونها تتضمّن جانبًا عاطفيًا يؤثّر في تكوين اتجاه إيجابي معاكس يستقي أهميته من مكانة المُهدى وخصوصيته بالنسبة للهادي، فضلاً عن الوقت الذي استغرقه الهادي لاختيار الهدية المناسبة والمعبّرة.
لذلك وصف علم النفس الهدية بأنها سلوك إنساني راقٍ يفعل في العلاقات الإنسانية ما يعجز عن فعله شيء آخر لأنها تؤثّر في النفس والقلب، واعتبرها نوعًا من أنواع العلاج النفسي السريع المفعول والطويل الأمد.
الهدية تعني نُبل العواطف وأصدق المشاعر
تكمن أهمية الهدية في أنها لا تنتظر مقابلاً ماديًا بل أحيانًا نظرة أو ابتسامة أو خفقة قلب، أو للتعبير عن الشكر أو المكافأة. ما يعني أن أهميتها تنبع من قدرتها على التعبير عن مكنونات نفس مقدّمها ونبل عواطفه وأصدق مشاعره. وهذا ما نشدّد عليه في العيادة النفسية لمساعدة المرضى على حل الخلافات العلائقية الإنسانية بأقصر الطرق وأكثرها تعبيرًا وتأثيرًا، إنطلاقًا من اعتبار علم النفس للهدية نبضات تهمس كلامًا وجدانيًا.
هكذا نوصل الرسالة من خلال الهدية
لكل هدية خصوصيتها، ولكل متلقٍّ خصوصيته ومكانته، لذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عدة عناصر لتصل الرسالة من أهمها:
سبب تقديمها واختيار الهدية التي تلائم السبب، عنصر المفاجأة، تقديمها بشوق ومحبة وإرفاقها بالكلمات المعبّرة.
فإذا كانت الرسالة مثلاً تقديم اعتذار من أحد أفراد العائلة، يمكن اختيار الهدية التي يحتاجها. أما الحبيب فيمكن أن يصله الاعتذار من خلال باقة من الورود مرفقة ببطاقة مختارة بدقة وتقديمها بمحبة ومع كلمات تناسب الموقف والمبادرة. أما الهدية التي يُرجى من خلالها إيصال رسالة شكر وامتنان لأحد على خدماته أو مبادرة لطيفة فمن الضروري، إضافة إلى العناصر السابق ذكرها، احترام الإمكانيات المادية للهادي والمهداة إليه على السواء، فلا يقع الهادي بعجز ولا تفوق قيمة الهدية إمكانيات المهداة إليه.
لكلّ هدية تعريف..
ـ العطور: رغم أن إهداء العطور بات من الأمور الشائعة بين الأهل والأصدقاء، إلا أنها شديدة الخصوصية عند المحبّين وتعني الدعوة لتذكر الحبيب مع كل رشّة منها. وفي بعض الأحيان يكون الهادي يسعى إلى شمّ رائحة العطر على جسد الحبيب تمهيدًا لقبلة أو ضمّة أو علاقة.
ـ الورود: لكل نوع ولون دلالاته التي لا يتّسع المجال لذكرها، لكنها تبقى من أكثر الهدايا تأثيرًا في المشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، لما لها من مفعول سحري إيجابي على الصحتَين العاطفية والنفسية، إذ أثبتت الدراسات أن رؤية الورود تمدّ المخ بالبهجة فيُرسل من جانبه إشارات تنعكس على الشخص راحة نفسية وسعادة. وهذا ما أكّد عليه المعالجون النفسيون الذين تعمدوا استقبال مرضاهم بوردة أو بوضع باقة من الزهور في مكان لافت لا يمكن للمريض تجاهله أو عدم ملاحظته، وتبين لهم قدرة الزهور على التخفيف من الشعور بالإكتئاب، لأن ردّة الفعل الأولى للمرضى كانت الابتسامة. أما في عالم الحب والعشاق فأصبحت الورود رمزًا للحب ورسوله الذي ينقل المشاعر والأشواق والرغبات ويقدّم الاعتذارات.
ـ الكتاب: كرمز للعقل والفكر يعني تقديمه احترام ثقافة المهدى إليه وتقدير فكره.
ـ المجوهرات: بعيدًا عن المعنى المادي لها لأنها من أكثر الهدايا حفاظًا على قيمتها المادية، فالذهب بشكل خاص دليل احترام كبير إذا قُدّم لشخص تعبيرًا عن الشكر والامتنان شرط اختيار الهدية التي لا خصوصية لها. وبين المحبّين والأزواج يؤكد الذهب على متانة العلاقة ورغبة الهادي في استمرارها. أما الماس واللؤلؤ فيرمزان إلى نقاء المشاعر وصفائها وقوة العاطفة.
ـ النبيذ: بات أيضًا من أكثر الهدايا تداولا، لكن تقديمه يعبّر، أساساً، عن الرغبة في جلسة حالمة ورومانسية.
ـ الشوكولا: يقدّم عادة للنساء بسبب عشقهنّ له كتعبير عن الاهتمام بهن. أمّا تقديمه للحبيبة مع الزهور بعد مرحلة من الخصام والتوتر فتمهيد لفتح باب الحوار ومناقشة أسباب الخلافات، بمعرفة أو بغير معرفة لما للشوكولا من قدرة على تهدئة الأعصاب، كونه ينشّط الجهاز العصبي ويمدّه بالراحة والهدوء بسبب احتوائه على مادّة الكافيين ومواد أخرى شبيهة، إلى حدّ كبير، وبالمركّبات الدماغية المسؤولة عن المزاج، فضلاً عن أن السكّر يرفع مستويات السيروتونين الذي ينظّم المزاج أيضًا. من جهة أخرى يزيد الشوكولا الشعور بالحنين والشوق إلى الأحبّة الذين نحمل لهم ذكريات حلوة. وفي هذا الإحساس نكوص إلى الطفولة الشهيرة بعشق هذا النوع من الحلويات الذي طالما اعتُمد من قِبَل الأهل للتعبير عن حبّهم لأطفالهم، أو لمكافأتهم على سلوكهم.
ـ الدمية: تعبير من الهادي عن حبّه للطفل الذي في شخص المهداة إليه وإشارة إلى أن هذا الأخير هو دميته المفضلة.
ـ الهدايا التي يجلبها المسافرون: تعبّر عن المحبة وشدّة الاهتمام، مهما كانت بساطتها وقيمتها المادية، فأهميتها التي لا تقدَّر بأي ثمن، تكمن في عنصر المفاجأة وفي بقاء المُهدى حاضرًا في وجدان المسافر.