عوامل تُدمّر الرغبة الجنسية!

عوامل تُدمّر الرغبة الجنسية!

آدم وحواء

السبت، ١٤ ديسمبر ٢٠١٣

الرغبة الجنسية هي عبارة عن إستعداد نفسي مُحدد يُحرّك ويُثير انتباه الشخص واهتمامه، ويدفعه إلى البحث والسعي وراء إرضاء جنسي يتمحور على “موضوع” رغبته، وهنا نعني بكلمة “موضوع” التحليل النفسي. قد يكون “الموضوع” شخصاً، أو تجسيداً لشخص، أو تصوّراً ما، أو حتى هوّامات قادرة على إيقاظ الرغبة. هذه الرغبة إذاً، تُحرّك الخيال والواقع في آن واحد. هي عامل مُحرّك لتوتر داخلي مصحوب بردة فعل مُحفّزة ومُثيرة جسدياً. فالإغراء بين شخصين ضمن أُطر محددة ثقافياً هو الذي يرعى ويُعزّز الرغبة بينهما. ظاهرة الإنجذاب هي التي تساعدنا في تقبّل الشريك كما هو… والرغبة الجنسيّة تخضع لتأثير عوامل ثقافية وعائلية وتربوية مختلفة وليست في معزل عن الجوانب الإجتماعية والنفسية التي تحوطها.

عوامل وتعابير:
هذا العنصر الأساسي لفهم الحياة الجنسيّة يندرج في إطارين زمنيين مُؤقتين وأساسيين: يرتبط الأول بحدث مُعيّن كالحب من أول نظرة أو علاقة جنسيّة معينة، فيما يتمحور الثاني على إستمرار محتمل للرغبة، على شكل إرتباط دائم كالحب بين الثنائي في مراحله المتنوّعة. هذه المقاربات تسمح بإظهار وبتسليط الضوء على العوامل التي تُحفّز الرغبة أو تُدمّرها. ترتبط الرغبة بعوامل عدة، وتتخذ أشكالاً وتعابير مختلفة وفقاً لـ:

- العمر والجنس؛ إن الرغبة التي تكون قوية للغاية وفي أوجها خلال فترة المراهقة، تميل إلى التراجع مع التقدم في العمر. وهي تدوم لفترة أطول لدى المرأة مقارنة بالرجل.

- الإستعداد الهرموني والشهواني؛ ثمة علاقة وثيقة تجمع بين هذين العاملين: إنخفاض إفراز التستوستيرون يؤدي إلى تراجع الرغبة والإثارة الجنسية لدى المرأة، وأحياناً إلى مشكلات في الإنتصاب لدى الرجل.

- العامل النفسي؛ بالتأكيد له دور في الحياة الجنسيّة فهو يُؤثّر بشكل مهم في الرغبة والتغييرات التي تطاولها وفق جاذبية “موضوع” الرغبة.

حين يختلف “الموضوع”!
في “الموضوع”؛ تختلف الرغبة بحسب “موضوعها” وتمنح للشخص هوية محددة وفقاً لهذ “الموضوع”، تتخذ أشكالاً مختلفة في حال كانت مرتبطة بميل مثلي (homosexuel) أو ميل غيري (hétérosexuel) أو ولع جنسي (paraphilique)، بغضّ النظر عن أمور وملاحظات محددة متعلقة بإختيار الشريك. وللرغبة لدى الثنائي وظائف عديدة تتخطى دور المُحفّز الأول للعمل الجنسي. إذ أن الرغبة المتبادلة تبعث إحساساً بالإطمئنان كوننا “موضوع” الرغبة لدى الآخر، فهي تُطمئن الشخص على قيمته النرجسيّة وعلى الأسس التي قام عليها الثنائي. تفتح مجالاً للحميمية والتبادل اللذين يعززان العلاقة ويسهمان في الحفاظ على التوافق الغرامي والإنسجام العاطفي. يُلحق تراجع أو إنعدام الرغبة ضرراً كبيراً بالروابط العاطفية التي تجمع الثنائي وتجعله عُرضة للمشكلات.

من جانب آخر، تؤدي متطلبات مختلفة إلى حصول نزاعات ومشكلات داخل الثنائي؛ كما يحصل عندما يشعر أحد الشريكين بالرغبة في تكرار سيناريو جنسي معيّن في كل مرة في حين يبني الشريك الآخر حياته الجنسية على التغيير أو على خرق المحظورات أو غيره…

… وحين تتقلّب
نقص الرغبة يُؤثّر إلى حد كبير في السلوك الجنسي وفي العلاقة مع الجسد. وفي ظل غياب الحوار بين الثنائي، يميل الشخص المعني إلى العزلة والإمتناع عن الإستمناء ورفض إضفاء أي طابع مثير جنسياً على جسده، مما يجعله يشعر بالنفور والقرف والإشمئزاز من ماهية الإستعداد الحسّي للشريك، وقد يصل به الأمر إلى رفض عروضه الجنسيّة.

إن مشكلات وتقلّبات الرغبة التي تصحبها أنواع عدة من المشاعر كالإحساس بالذنب أو الخجل أو العار وأحياناً الغضب عند عدم فهم الوضع القائم، هي مصدر قلق مرتبط بالخوف من الحكم السلبي أو النبذ أو الإذلال، وهي تفتح الباب أمام طرح التساؤلات بشأن الثنائي لدى كلا الشريكين.

وتراجع أو نقص الرغبة نحو الشريك من الجنس الآخر، قد يكون مردّه ميل جنسي نحو أشخاص من الجنس نفسه أي ميول مثلية مصحوبة بإحساس بالذنب بالخروج عن المألوف والطبيعي. من هنا يفُضّل الكثير من الأشخاص، في اللاوعي، إغفال ميولهم والتغاضي عنها رغم كونها حاضرة في هوّاماتهم. في بعض الحالات يجربون حظهم مع شخص من الجنس الآخر، على أمل أن فيهم يوقظ هذا الشخص رغبة جنسية غيرية ويشفيهم من هذه الميول.

بين العضوي والنفسي:

أسباب هذه المشكلات والإضطرابات متعددة:

منها العضوي؛ فالخلل الهرموني يؤدي إلى إضطراب في تركيبة الهرمونات الجنسية ويكون وقعه سلبياً على الرغبة والتزليق والرعشة. كما أن أي تشوّه أو أمراض في الأعضاء التناسلية تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى نقص في الرغبة لأن الألم الذي تتسبّب به مُضرّ. فمن الطبيعي أن لا يشجعنا الشعور بألم خلال العمل الجنسي على تكراره مرة أخرى. ومنها النفسي كالتربية الجنسية السلبية، والإستغلال الجنسي، والتعلق الشديد بالأهل عموماً وبالأم خصوصاً، والتوجه الجنسي المثلي المخفي أو غير المُدرك. فالتربية الجنسية السلبية قد تُخلّف لدى الشخص إحساساً بالذنب عند القيام بنشاطات جنسية إلى درجة قد تدفعه إلى الإمتناع عن القيام بهذه الأعمال وتفاديها على الصعيد الفردي أو مع شخص آخر. لذا، يتجنّب الشخص أي تعبير جنسي ويكتفي بالإفصاح عن مشاعره العاطفية للشريك. أما بالنسبة الى الشخص الذي تعرّض لإستغلال أو إعتداء جنسي، فيرتبط العمل الجنسي والحياة الحميمة لديه بالإحساس بالعار والعجز ويشعر بأنه مُجبر على ممارسة الجنس. هذا عدا عن العلاقة الوثيقة التي تربط بين الجنس والألم النفسي الهائل الذي تسعى الضحية غالباً إلى التخفيف من وطأته قدر الإمكان. وعندما تُشكّل الضحية ثنائياً مع شخص آخر، تشعر مجدداً بالإضطرار عند القيام بالفعل الجنسي، وتعود للإحساس بهذا الألم ولا تتمكن من إستعادة الرغبة الجنسية تجاه الشريك، بينما تشعر بالرغبة غالباً عندما تكون لوحدها.

ومن بين الأسباب النفسية الأخرى: قلق الأداء، تجربة جنسية محدودة أو سلبية أو غير مُرضية، إحترام ضعيف للذات، صورة سلبية وانطباع سيء عن الجسد، قيم أخلاقية غير مُستحسنة أو غير مُؤيدة للإنفتاح والنضج الجنسي وغيرها… ومن الضروري في هذه الحالات إستشارة شخص متخصص في الصحة الجنسيّة لمعرفة السبب المحدد لهذه المشكلات والتوصل إلى حل لها.