أزواج يبحثون عن علاقة متوازنة مع الشريك.. والمعايير محكومة بالتحصيل العلمي والثقافة

أزواج يبحثون عن علاقة متوازنة مع الشريك.. والمعايير محكومة بالتحصيل العلمي والثقافة

آدم وحواء

الخميس، ٩ فبراير ٢٠١٧

في مجتمعنا يهاجم الناس كل زواج مبني على اختلاف درجة التحصيل العلمي بين الزوجين، وخاصة إذا كانت الزوجة متعلمة، والزوج غير متعلم، ويحكمون على مثل هذا الزواج بالفشل، ويترقبون ذلك في حال إتمام الزواج فعلاً، فحسب رأيهم لا يمكن للمرأة المثقفة أن تقترن برجل أمي، فالمثقفة لا يمكن أن تتزوج إلّا مثقفاً رغم أن أغلبهم يتقبّل فكرة اقتران المثقف من أمية حتى أصبح هذا الشعور سلوكاً اجتماعياً، وهناك من الرجال من يرى أن الزوجة المتعلّمة والمثقفة هي الزوجة المثالية، في حين أن البعض يحكم على هذه المرأة بأنها متعالية، ولا تكف عن اختلاق المشاكل لقدرتها على مناقشة القرارات، والبعض الآخر يرى أن الزوجة المثقفة تكون قادرة على تربية الأبناء تربية صحيحة.. وهناك من النساء من تقترن برجل يفوقها في التحصيل العلمي، فتعاني من نظرته الدونية لها، حيث يشعر أن هذا نقص فيها، ويشعرها بأنها لا تفهم شيئاً في هذه الحياة، ويبقى السؤال: هل ينجح زواج المرأة المتعلمة برجل أمي، والعكس هل ينجح زواج الرجل المتعلّم من أمية؟ بمعنى ما مدى أهمية التكافؤ بين الرجل والمرأة من النواحي العلمية والثقافية والفكرية عند تأسيس عش الزوجية؟..  وللوقوف أكثر على موقف المجتمع من هذه المسألة قمنا باستقصاء آراء بعض المواطنين والأكاديميين.
مضيعة للوقت
كوثر ” مدرّسة” متزوجة من رجل غير متعلم، يعتبر الثقافة مضيعة للوقت، ويتضايق كلما وجد بين يديها كتاباً، وهي لا تلومه، لديه عقدة، وهي أنه لا يقبل أن تكون زوجته أكثر منه ثقافة، فتكيّفت مع الوضع، وصارت تتحدث معه في الأمور التي يعرفها فقط.
فيما يرى “كريم”التقارب في المستوى التعليمي بين الزوجين مطلوباً كي يكون الطرفان قادرين على حل مشاكلهما، وهم بكامل وعيهم الفكري، والعبرة ليست في التقارب في المستوى العلمي بالشهادة، العبرة بعقل صاحب الشهادة، فكثيراً ما أصطدم بأصحاب شهادات، لكن عقله متحجر.

خطأ قاتل
غير أن “لشاهر” رأياً مختلفاً، ويخطئ الرجل أكبر خطأ حين يتزوج بامرأة تحمل شهادة علمية، إذ لابد أن تذله في يوم من الأيام بثقافتها، ولن يكون هذا الرجل صاحب الكلمة المسموعة في البيت.

غير المتكافىء
يقول الدكتور آصف يوسف، “كلية التربية”: إن أكثر مشاكل هذا الزواج غير المتكافئ هو إحساس الرجل بأن مكانته كزوج على المحك أمام من يعرفونه، وشعوره بالدونية وبعقدة النقص حيال زوجته المثقفة.. بعض الرجال يتفهمون ذلك، ويتقبلونه برحابة صدر، ولا يشعرون بالحرج، بل يفتخرون به، ولكن في الحقيقة تلعب الزوجة المتعلمة دوراً فعالاً في التوافق الزواجي، ومن ثم تأثير ذلك على زوجها بشكل إيجابي، متمثل في طريقة تناول الموضوعات الزوجية، وطريقة، ونوع الحوار، ومواجهة الصراعات، والاختلافات الزوجية بشكل آمن، ومن ثم تحقيق السعادة الزوجية.

توافق زوجي
وأضاف اليوسف: إن أجمل ما في الحياة هو ما تأتي به حياة زوجية سعيدة، كما أن الحياة الزوجية التعيسة، قد تكون سر شقاء الإنسان طوال حياته، وبالتالي يكون التوافق الزواجي هو أفضل ما يشعر به الزوج، إذا كانت الزوجة تدافع عن هذا، وتحافظ على استمراره، ولا يتحقق هذا الشعور إلّا بوجود التفاهم بين الزوجين، بل لا يوجد التفاهم إلّا بوجود مستوى تعليمي يحافظ على هذا التفاهم.

استيعاب زوجها
فيما ترى الدكتورة سميرة القاضي” كلية التربية” أن المرأة المتعلمة والمثقفة هي القادرة على استيعاب زوجها واحتياجاته في ظل متاعب العمل وأعباء الحياة، أو حتى في ظل أزماته النفسية والصحية، والزوجة الواعية للحياة، وفق تعبير القاضي، التي لديها الكثير من الذكاء الاجتماعي، لا تحمّل زوجها الكثير من الأعباء عن مشاكل الأبناء والبيت طالما أنها قادرة على إيجاد حلول لها، وتمثّل نقطة فارقة في أسلوب حياة عائلتها، وكذلك عاداتهم الغذائية، فكل الأطراف تلجأ إليها، حتى الزوج ينقصه الكثير إذا ما توقفت عن العطاء بعض الشيء.

نصف المجتمع وأكثر
إنه ما من شك في أن التعليم يرقى بالسلوك، ويلطف الأخلاق، ويوسع مدارك المرأة، حسب تعبير الدكتور فواز العبد الله، “كلية التربية”، لأنها نصف المجتمع، وهي التي تلد النصف الآخر، فالمرأة هي المجتمع بأسره، أو بعبارة أدق هي التي تصيغ المجتمع، وبصفة عامة المرأة المتعلّمة لديها القدرة على فهم طبيعة الرجل أكثر من غيرها، كما أنها قادرة على فهم طبيعة الحياة ومتغيراتها، واعية في تصرفاتها، حكيمة في قرارها، غير متسرّعة، قادرة على إقامة وإدارة حوار بنّاء مع الرجل، حوار يتسم بالموضوعية، بل وتستطيع أن تعبّر عن وجهة نظرها بحجة قوية، وحسن بيان.

رأي معاكس
غير أن للدكتور محمد المدني، “كلية الشريعة”، رأياً معاكساً، حيث يتفق في بعض النقاط، مثل ضرورة تعليمها، وثقافتها، ويختلف في أخرى  كوظيفتها، ولكن الثابت، على حد قوله، لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الأساسي والرئيسي للأم المتعلّمة المثقفة في تربية الأبناء، والاهتمام بهم في المنزل، والاهتمام بتنشئتهم العلمية، حيث يقع على المرأة أولاً، لأنها تعتبر العمود الفقري للأسرة في المنزل، وإن قصّرت فيه فسوف يعود بالسلب على التحصيل المدرسي لأبنائها في المنزل، وتدني مستوى تعليمهم، وبالتالي لابد أن تهتم بوظيفتها الأساسية، وفق تعبيره، التي لا يمكن أن تتنصل من مسؤوليتها في هذا الصدد، وأن تفكر في عملها هذا كأنه نوع من أنواع الأعمال المختلفة، ألا وهي ربة المنزل التي ترعى أبناءها، وتتابعهم في دراستهم، بالإضافة إلى أنها لابد أن تعلم أن المنزل وأبناءها مسؤوليتها على المستوى العام، كما أن رب البيت أو الزوج مسؤول عن أعمال وأشغال معينة يقوم بتوفيرها للزوجة وأطفاله، ومع ذلك لا ننكر أن الأب مسؤول كمسؤولية الأم في عملية التنشئة العلمية للأطفال، ولكن الأم يقع عليها العبء الأكبر هنا، وبالتالي يجب على المرأة أن تختار بين عملها وبيتها، وأن تكرّس حياتها لتربية أبنائها، والاهتمام بتنشئتهم العلمية الصحيحة.

تبرير
ويبرر المدني لدعم وجهة نظره بأن الأسرة مقسمة بين أب وأم، فالأب لديه واجبات وحقوق يتكفل بها، ويعمل على أن يوفر الحياة الكريمة لأسرته، وفي المقابل الأم عليها متابعة أبنائها في البيت، والتخلص مما يعيق ذلك، وخاصة أنها تعتبر الأقدر على التعامل معهم، ولديها القدرات الهائلة على إتمام هذا الأمر بصورة ميسرة وبسيطة، وذلك من خلال الصبر، وطول البال الموجودين عندها أكثر من الأب، لأن الأب يتحمّل ضغوط الحياة ومشكلاتها، بينما الأم لا يوجد عليها عبء آخر، وفق تفسيره.

شهادة
لا شك في أن الأم المتعلّمة هي جناح، والأب المتعلّم الجناح الثاني، ومن دون هذين الجناحين لا تستطيع الأسرة التحليق، والارتفاع، والسمو، وقد يعترض أحدهم هنا أو هناك على علم وعمل الأم بشهادتها، وحسن ثقافتها، أو عملها خارج البيت، غير أنه لا أحد يستطيع أن يخبئ  الشمس بغربال، حيث يقول أحد الأدباء في الأم المتعلّمة: “يتوقف الوجود بنفي وجودها، وتقف عند حدود قدميها جنان الله، هي الحياة بكل معانيها، هي صانعة الرجل، وسكنه، وشريكته، وبهجته، كيف لنا بعد كل هذا أن نقصيها من معادلة المعرفة والحياة”؟!.
عارف العلي