المجتمع بحاجة إلى المزيد من التوعية لتبيان خطورته الـزواج الـعـرفـي .. جـدل بـيـن الـشـرع والـقـانون

المجتمع بحاجة إلى المزيد من التوعية لتبيان خطورته الـزواج الـعـرفـي .. جـدل بـيـن الـشـرع والـقـانون

آدم وحواء

الأربعاء، ٣ فبراير ٢٠١٦

توصيف جريء
الزواج العرفي رغم أنه لا يحقق أهدافاً ومقاصد الشرع من الزواج بصورةٍ كاملة، وأنا هنا لا أشرعنه ولا أشجّع عليه وإنما أوصفه، وفق المحامي عبود صالح فله بعض الفوائد والمميزات، والتي منها إشباع الغريزة، خاصة إذا كان الشباب في سن حساس، ويعانون الغلاء والبطالة، ولا توجد قدرات مالية لإتمام الزواج العادي.
وقد يكون هذا الزواج مناسباً لبعض الطلاب الجامعيِين كنوع من حمايتهم من الزنا، وسبباً للراحة والاستقرار النفسي في ظل عصر كثرت فيه الإغراءات، وغزو الفضائيات، وقد يرتقي هذا الزواج بعد التخرج فيكون رسمياً، وتكون نتائجه أسرة وأطفالاً، ومن إيجابيات الزواج العرفي: الحد من انتشار العنوسة المنتشرة في معظم البلدان العربية على حد تعبير صالح.

أسباب العرفي
الزواج العرفي يتم بين رجل وامرأة عقد يكون قولياً مشتملاً على إظهار الإيجاب والقبول في مجلسٍ واحدٍ، وبشهادة الشهود، وبحضور ولي، وبصداق معلوم بينهما، ولكن في الغالب يتم من دون إعلان، هذا هو الزواج العرفي كما يعرّفه الدكتور عبد المنعم السقا نائب عميد كلية الشريعة، وقد سمي بالعرفي؛ كونه عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم، وسبب انتشاره هذه الأيام قلة الرقابة الأسرية على الأبناء، وانتشار حالات الزواج العرفي في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية ؛ غلاء تكاليف الزواج، وتفاقم البطالة بين الشباب، وانتشار المواقع الإباحية التي تزيد وتحفز الرغبة الجنسية، ولأن الزواج العرفي يسقط جميع حقوق المرأة من مهر ونفقة ومسكن وغيرها.

خطر على المجتمع
من جهته، اعتبر عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق الدكتور محمد توفيق البوطي، أن الزواج العرفي يشكل خطراً على المجتمع، داعياً إلى تشديد العقوبة في حال حدوثه، وأضاف: إن سلبيات هذا الزواج كثيرة جداً، وخطره على المجتمع كبير، ولذلك فالمجتمع بحاجة إلى المزيد من التوعية، لتبيان خطورة الزواج من دون علم الأهل وخاصة في سن المراهقة، داعياً المحاكم إلى التشديد على حضور ولي الأمر، واعتبر أن مسؤولية انتشار هذه الظاهرة تقع على عاتق الأهل، معتبراً أن تعسف ولي الأمر في استخدام صلاحيات ولايته يؤدي إلى هروب الفتاة من المنزل، واللجوء إلى الزواج العرفي.

رأي الشرع
اعتبر الدكتور محمود المعراوي القاضي الشرعي الأول في دمشق أن الزواج العرفي هو زواج صحيح ما دام توافرت فيه جميع أركان وشروط العقد، وهو كل عقد يتم خارج المحكمة، وقد يلجأ الناس إلى الزواج العرفي لتعذر الحصول على الأوراق المطلوبة لعقد الزواج أمام المحكمة الشرعية مثل رخصة زواج من شعبة التجنيد وخاصة بالنسبة للمتخلفين أو المتواجدين في المناطق المحصورة أو للعسكريين المتطوعين والمجندين، وأيضاً عدم موافقة الولي لأسباب قد تكون مبررة وقد لا تكون مثلاً عدم أهلية الشاب المتقدم أو كونه غير كفء لهذه الأسرة وخاصة الأسر العريقة.
هناك أسباب دفعت البعض للجوء إلى هذا النوع من الزواج: منها ما يتعلق بالرجال، مثل خشية الرجل على تفكك أسرته، فقد تطلب زوجته الأولى الطلاق، ويضيع الأولاد، كما أن الزوجة الأولى قد تكون تساعده في الإنفاق على المنزل، فيتوقف عنه هذا العون، وربما ظن الرجل أنه لا يستطيع العدل والقيام بهذه المسؤولية، فرأى أن يجرب هذا الزواج، فإن نجح أمضاه، وإلّا فلا.
كما يعمد بعض الرجال إلى إخفاء زواجه العرفي لرغبته في التزوج بامرأة قد تكون أقل منه في المستوى المعيشي، أو من غير مدينته، أو من طبقة ينظر إليها بالدون، كالخادمة مثلاً.
وهناك بعض الرجال يلجؤون إلى الزواج العرفي للحصول على المتعة، مع عدم إنجاب الأطفال، وإجبار المرأة على ذلك، حيث تقل فرص الأطفال في الرعاية والتسجيل في المدارس، وغير ذلك، وإذا حملت المرأة أجبرها على إسقاطه، أو تخلّى عنها.
كما يُعد كبر السن أحد دوافع هذا الزواج لدى الرجال، فبعض كبار السن يظنون أنهم لا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، ويخشون إن تزوجوا زواجاً رسمياً أن يكلفهم ذلك الشيء الكثيَر دون فائدة، فيلجأ البعض إلى الزواج العرفي، فإذا استطاع التكيّف معه سجله رسمياً، وإلّا ترك هذا الزواج دون تكاليف تُذكر، ودون كلمة أو تهمة تُطلق عليه من قبل أهله وأولاده أو جيرانه.

دوافع النساء
كما أن للرجال أسبابهم الخاصة التي تدفعهم إلى الجوء للزواج العرفي، فإن للنساء أيضاً دوافع لمثل هذا الزواج كالاحتفاظ بالمعاش الذي تتقاضاه عن زوجها المتوفى أو أبيها، وينطبق هذا أيضاً على المرأة الحاضنة التي تريد الاحتفاظ بأبنائها مع تلبية حاجتها الفطرية.
وكذلك خوف البنت من شبح العنوسة هو أحد الأسباب التي تدفع المرأة للقبول بهذا الزواج، خصوصاً إذا رأت من العادات الاجتماعية في الزواج العادي الرسمي من متطلبات كثيرة تثقل كاهل الرجل، وتنفره من الزواج.

دوافع مشتركة
هناك عوامل مشتركة بين النساء والرجال كتورط بعض الشباب والفتيات في علاقة آثمة، ربما نتج عنها حمل، فلا سبيل للخروج من تلك الورطة إلّا بوجود الورقة العرفية؛ لتثبت زواجهما خشية افتضاح أمرهما أمام أهلهما، أو الناس.

اعتقاد خاطئ
وهناك اعتقاد عند بعض الناس أن عقد الزواج الذي يجريه الشيخ هو موافق للشرع خلافاً للعقد الرسمي الذي يجري في المحكمة الشرعية، وهذا مفهوم خاطئ لأنه مأخوذ من كافة المذاهب.. وهذا ما أدى إلى انتشار العقد العرفي وبعض الناس يلجؤون إلى العقد العرفي بحضور أحد العلماء تبركاً لأن فيه خيراً كثيراً ويتباهون بعاقد هذا العقد بينما الرسمي عاقده هو مجرد موظف.

رضوخ المحكمة
وأضاف المعراوي: إن عدد حالات تثبيت الزواج العرفي، وهو ما يعرف بالزواج الإداري، قد بلغت أكثر من عشرة آلاف حالة في العام الماضي، لأنه عندما يظهر الحمل، أو إنجاب طفل، تضطر المحكمة الشرعية لتثبيت هذا الزواج، بغض النظر عن الأوراق المطلوبة، أو موافقة الولي، لأن الحفاظ على نسب الولد وحقوق الجنين مقدمة على أية شروط أو وثائق أخرى.

حكايات القصر العدلي
هذا وسرد المعراوي بعض القصص التي مرت عليه أثناء عمله في المحكمة الشرعية، ومنها أن شاباً أقدم على الزواج من فتاة تنتمي إلى عائلة متدينة، ولكي يحصل على موافقة الأهل لبس لباس الدين وأوهمهم أنه من ذوي الأخلاق الحسنة، وبعد عقد النكاح اكتشف الأهل أنه من ذوي السمعة السيئة، وأنه لا يقيم للأخلاق أي وزن، كما أن زوجته الحالية كانت الزوجة السابعة، ومن البديهي أن يطلب أهل الزوجة منه الطلاق، إلا أنه رفض ذلك شريطة أن يدفعوا له تعويضاً بهدف أن يتزوج من فتاة أخرى قائلاً: من يعوضني لكي أتزوج الزوجة الثامنة.
ويعرض القاضي الشرعي الأول قصة أخرى عن امرأة اكتشفت بعد زواجها بفترة أن زوجها قد تزوج بأختها، وقد سافرا إلى تركيا لتثبيت زواجهما بعقد مدني هناك، ما يعني أن الزوج جمع بين الأختين، وهذا محرم في الشريعة الإسلامية، وقصة أخرى كان هدف الزوج هو الاسترزاق عبر جلب زبائن الى بيته، وممارسة الدعارة مع زوجته مقابل المنفعة المادية، ولكن الأخطر، على حد تعبير المعراوي، أن يتزوج بعض المتنفذين في المجتمع زواجاً عرفياً باسم أحد الموظفين تحت أمرتهم، بينما الزوج الفعلي هو رئيسه بالعمل، وهذا قمة الاحتيال!.

طبول الخطر
إن المرأة حين تقدم على الزواج العرفي تتنازل عن جزء كبير من حقوقها، فلا تستطيع حينها أن تحمي نسلها الجديد في نسبته إلى الأب إذا ما تنكّر له، فيصبح هناك أطفال بلا آباء، وقد تنشأ أسرة مفككة مع انعدام الراحة النفسية، وكثرة القلق والهواجس، ما ينعكس على سائر المجتمع، وهذا يتطلب من الجهات الوصائية البحث عن حلول دائمة وليست إسعافية.
عــارف الـعـلي