تبكي النساء ولكن: متى يبكي الرجال؟!

تبكي النساء ولكن: متى يبكي الرجال؟!

آدم وحواء

الأربعاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٥

خص الله المرأة بعاطفة جياشة لا تستطيع أن تخفيها وإن استطاعت فإلى حين. الأمومة لدى المرأة هي منبع عاطفتها ، ولصلة ذلك بالحياة ، تكون هذه العاطفة من أسمى العواطف الإنسانية الفاعلة المتصلة بفطرة الخلق اتصالا عظيما.
لما كان فقد الولد لدى المرأة عبارة عن فقدان شيء من كيانها من حيث كونها حملته تسعا ودأبت على الاعتناء به عمرا ،كان فاجعة فقدانه ذات وقع ألمه شديد على نفسها ، فنراها تبكي بكاء يستجد كلما مر ذكر فقيدها.
مناسبة هذه المقدمة هي ما يجري على أرض العرب من مآس بفضل الربيع الأحمر العربي ، الذي أُلبس لمنطقة وشعوبها لباسا كما لو أنه الحديد المحمّى ،لا تمت له أزهار الربيع ودفئه الخلاق بصلة! المرأة تضحي : تفقد ولدها على جبهات القتال ولا حول لها ولا قوة ،تحمله صغيرا على كتفها وهي مهاجرة فرارا من العيش الذليل من غير أن تعي ما الذي ستواجهه هناك في الأرض لمجهولة التي يممت وجهها شطرها .المرأة العربية تبكي لأنها غير مصانة في أرضها العربية وبين ذويها وبني ملتها ، ممن ادعوا حرصا عليها من جملة ما ادعوا .فهي الأم والزوجة والابنة والأخت والعمة والخالة ، وبرغم ذلك لم يحفظ لها هذا كرامتها ،فتهان وتسبى وتغتصب وتباع وتشرى وترجم وتسجن وتقتل، ويفرض عليها شكل سلوك منتقى لم تعده حتى النساء من أمهات المؤمنين!...فتبكي وتبكي في كنف من يرفع شعار الرحمة منهجا لإحكام قبضته على مقدرات الأمة من ألفها إلى يائها بالقوة المتاحة وبالوسائل المستدعاة من أعماق التاريخ الإسلامي المدمى.! تبكي المرأة على ولدها حيا وميتا ،وهي في غيبة لا تراه ولا يرى نور دموعها وألقها الحيوي ورسالتها التي تقول :أنت مني يا بني فلماذا تفعل بي ما تفعل ،فلا أرى جنازتك ولا أصلي عليها، فأقرأ الفاتحة على قبرك وأنت إما بقايا أشلاء تأكلها الهوام أو مدفونا في أرض لا أستطبع الوصول إليها فأضع غصن ريحان أخضر يؤنس عطره وحشة موتك ...كل الأمهات يبكين سواء من هنا وهناك ولا يملكن أمرهن في وسيلة تغير حقيقة الهجران العاطفي بينهن وبين أولادهن سوى بقوة البكاء والدعاء الدموع . لا يهمهن على أي مذهب أو طريقة أو ولاء مات أو قتل أو استشهد الولد .هناك شيء واحد تفقهه الأمهات ،هو أنهن قد فقدن جزءا من كيانهن، ولا صدى لصرخة التاريخ"وامعتصماه"حتى يبرز فارق واحد على صيغة سؤال :
هل فقدن الولد في سبيل حق أم في سبيل باطل ..في سبيل صيانة الوطن أم في سبيل تخريبه ؟
صيانة الأسرة من صيانة البيت وصيانة البيت من صيانة الوطن وصيانة الوطن من صيانة الحق في الوجود الآمن والسلام والعيش الكريم. وبرغم ذلك تتحد الأمهات في عاطفتهن الخلاقة إزاء فقد الولد ، بكاء وحزنا ممضا.
هذي هي حال النساء فما هي حال الرجال ؟
تبكي المرأة عن عاطفة الأمومة ،فهي حرزها وتعبيرها ورسالتها إلى العالم ومعلما من معالم تاريخ الإنسان.فعن أي شيء يبكي الرجل؟
إنه العجز أولا والقهر ثانيا :
العجز:
بكي النبي يعقوب لما عجز عن اكتشاف مآل ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن ، كما بكى النبي محمد عندما فقد ابنه ابراهيم ...وهكذا الرجال يبكون عندما يعجزون عن تلبية النداء ..والعجز هنا بالنسبة لنا يكون لفقد أدوات القوة ووسائل استخدامها في سبيل رد العدوان على الحياة ، والحياة هنا تتمثل بالأسرة وبالبيت وبالوطن وبالحق في الوجود الآمن والسلام والعيش الكريم. أمام هذا يكون الصبر مع العجز والدفاع بالمتاح من قوة علاجا ناجعا بفعل الزمن ، من غير تنازل عن رموز الوطنية والكرامة والعيش الكريم .لقد صبر الأنبياء وظفروا ، وللمؤمنين من رجال ونساء في الأنبياء قدوة حسنة .
القهر:
يمتلك الرجل أسباب القوة ،لكنه لا يستطيع استخدامها ، فتتفلت من بين يديه حيل رد العدوان على الحياة ، وهو يرى بأم عينيه كيف يسلب حقه في صيانة أسرته وبيته ووطنه وحقه وكرامته، ودون ذلك التهلكة إلى غير رجعة ... ولكن مع القهر وجد الإيمان بالنصر، والشرط هو العمل على استرداد عناصر القوة بالوسائل الممكنة..ففقدان شيء أفضل من فقدان كل شيء ، لأنه يبنى على الشيء مقتضاه في الوقت المناسب.هنا يبكي الرجال على من فقدوا من ولد وأرض وكيان،لما كانوا في معرض الدفاع عن كل ذلك ولم يفلحوا.ضحوا ويضحون لكن طاقتهم محدودة أمام العدوان الذي يعصف بالوطن العربي ، وأمام من اختار أن يكون عونا للأجنبي على بني قومه عكس ما رمى إليه الشاعر العربي بقوله "فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ....وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا" هذا هو مبعث القهر الذي ينتاب الرجال المتمسكين بأوطانهم ، وبالتالي مبعث بكائهم ..نعم هنا يبكي الرجال من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لكنهم مع إيمانهم بالنصر سيكون بكاؤهم الصامت تحفيزا للهمم وتثويرا للغضب وإجلاء للملتبس فيما يجري تحت ستر من عماء بحق الإنسان العربي.
وسبحان الذي قهر عباده بالموت ، والموت حق ...القهر سلاح إلهي فلا غرو أن من يستخدمه من الناس اعتداء على أخيه من غير وجه حق ،لا بد أن يكون قد ضل ضلالا كبيرا.