الصداقة بين الرجال والنساء... تفاعل روحي واحترام وعطاء

الصداقة بين الرجال والنساء... تفاعل روحي واحترام وعطاء

آدم وحواء

الأحد، ٢٨ يونيو ٢٠١٥

الصداقة شعور جميل يعيشه الانسان وهي عنصر أساسي في حياته ومكمّل لسعادته، والجميع يعترف بأنّ «السعادة تضفي نكهة خاصّة على حياتنا وتجعلنا نقضي وقتاً ممتعاً ومسلياً بعيداً من الضغوط الحياتية واليومية». ويعتبر البعض أنّ «الصداقة أهمّ من الارتباط والزواج». فما مدى أهميّة الصداقة في حياتنا؟ وهل للصداقة مفهوم واحد عند الرجل والمرأة ام أنّها تختلف بحسب اختلاف الجنس... وأشياء أخرى؟

ما هي الصداقة؟

«الصداقة» كلمة مشتقة من الصدق وهو نقيض الكذب، وبهذا تكون الصداقة دليل إخاء ومودة. وقد فسّر علم النفس الصداقة على أنها شعور بالاتفاق وبالعاطفة الإيجابية ما بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص، حيث لا وجود للاستفادة المادية بينهم بل تقوم علاقتهم على الاستفادة المعنوية المتبادلة والتعاطف.

قد تبدأ الصداقة منذ اللحظة الأولى وتجمع بين الأطفال في الصفوف الدراسية، وقد تستمرّ معهم حتى وصولهم إلى المقاعد الجامعية أو مع مراحل حياتهم المختلفة وصولاً إلى الشيخوخة. وتقوم على أسس ثابتة، أبرزها: السعادة والعطف المتبادل والتشابه والمشاركة الوجدانية بين شخصين أو أكثر.

ولا تكون علاقة الأصدقاء «خبيثة» أو قائمة على «الاستفادة» الماديّة والمصلحة، بل بالعكس تقوم على التفاهم والعطف حتى يكاد الصديقان يشبهان بعضهما بعضاً بالتصرفات أو طريقة التفكير وصولاً إلى الأذواق. يُذكر أنّ الصداقة تُبنى في أيّ مرحلة من مراحل الانسان بدءاً بالطفولة مروراً بالمراهقة أو بعد الزواج أو حتّى في مرحلة الشيخوخة في دار المسنّين.

المرأة... والصداقة

كما ذكرنا سابقاً، فإنّ الصداقة حاجة أساسية في الحياة وهي ضرورية للاستمرارية عند الرجل والمرأة على حدّ سواء. وأكدت دراسات عدّة في علم النفس الاجتماعي أنّ «المرأة لا تستطيع العيش من دون صديقات يشاطرنها حياتها وخبراتها وتلتجئ إليهنّ عند الشعور بالحزن والأسى». وطبعاً، فإنّ الأصدقاء الحقيقيين هم الذين يمدّون بعضهم بعضاً بالعاطفة والنصائح الإيجابية ويدعمون بعضهم البعض الآخر في وقت الحاجة والمِحن.

وفصّلت دراسات أخرى موضوع الصداقة عند صاحبات الجنس اللطيف، وخلصت إلى أنّه «يصعب على المرأة الحصول على صديقة وفيّة وذلك بسبب الغيرة التي تنشأ بين النساء، في حين تجد المرأة صديقاً رجلاً يكون وفيّاً ومخلصاً لها». ونلاحظ أنّ نساء كثيرات يعترفن بعدم وجود صداقة بين الناس باعتبار أنّ «الصداقة منفعة مؤقتة تنتهي وتنقطع بانقطاع الفائدة».

... وما دور المصلحة؟

وبصفتي اختصاصيّ في التحليل النفسي والأمراض النفسية، أحبّ أن أفسّر هذه النقطة المهمة، مُستهلاً التحليل بسؤال بسيط وهو: هل صحيح أنّ المرأة ليس لديها صديقات؟ وهل صحيح أنّ الصداقة إن وُجدت بين النساء تكون قائمة على المصلحة المشتركة؟

والجواب أبسط من السؤال: «طبعاً كلا، فلكلّ شخص أصدقاء إلّا أنّه يصعب على الإنسان الحفاظ على صداقات كثيرة لأنّ الصداقة تحتاج إلى اهتمام وعطاء كبير». وهنا أستغلّ هذه النقطة لأوضح أنّ الصداقات ما بين الأفراد المنتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة موجودة طبعاً، خصوصاً عند الأشخاص الذين لا يميّزون الآخرين بحسب المكانة الاجتماعية.

وطبعاً يرجع هذا الأمر إلى التربية التي تلقّاها الإنسان في صغره وفهمه لمبدأ المساواة وتبادل الخدمات الاجتماعية. ولكن في المقابل، عاينت دراسات أخرى هذه النقطة واعتبرت أنّ «الصداقة تتقلّص بين النساء عموماً عندما تتفاوَت مراكزهنّ الاجتماعية والمهنية».

الصداقة ما بين المرأة والرجل... موجودة؟

هناك خيط رفيع يفصل بين الصداقة والحبّ، ويبقى على الصديقين أن يحافظا عليه كي لا يخسرا صداقتهما في سبيل الحبّ. وكما ذكرنا في بداية المقال، فإنّ الصداقة هي علاقة مودّة واحترام وإخلاص، تنشأ ما بين شخصين أو أكثر. كذلك هي حوار عقلاني وتفاعل إيجابي حيث يساعد الأصدقاء بعضهم في أوقات المِحن والمصاعب ويتساعدون لتخطّي المشكلات. بجملة واحدة، الصديق الحقيقي هو الذي يريد الخير للآخر.

ومن المعروف بأنّ الصداقة غالباً ما تنشأ بين أصحاب الجنس الواحد، فهل هي مُتاحة بين الرجل والمرأة أيضاً؟ أم أنّها تتحوّل مع الوقت إعجاباً وحبّاً؟

صداقة تتخطّى الحبّ

في الحقيقة، الصداقة هي تفاعل روحي لا يخاطب فيها الرجل المرأة كأنثى وإنّما كإنسانة والعكس صحيح، ولا وجود لمشاريع الحب أو الرغبات بينهما، بل هي نوع من التسامي أو التعالي عن كل ما هو «غرائزي».

وطبعاً يتطلّب ذلك الكثير من النضج العقلي والنضج الفكري. في هذه الحالة، حيث لا تتداخل مشاعر الحب، لا تتخطّى علاقة الرجل بالمرأة أطر الصداقة الحقيقية فيتشاطران تجاربهما اليومية والحياتية من دون الشعور بالحب والرغبة بامتلاك الآخر.

ولكن في بعض الأحيان، ينمو الحب في «صداقة» الرجل والمرأة، فيحاولان كبت مشاعرهما وعدم تطويرها إلّا أنّهما في غالبية الأحيان لا يستطيعان الإفلات من شباك الغرام والحب. وطبعاً لا ضرر في ذلك إذا كان الحبّ متبادلاً، فالحب الذي بُني على الصداقة هو حب ثابت وقوي.

... تناقضات

ولكن هناك أيضاً آراء أخرى تناقض وجهة النظر هذه وتعتبر أنّه لا وجود للصداقة بين الرجل والمرأة، خصوصاً في عصرنا الحالي، متسائلةً: «إذا كانت الصداقة بين أصحاب الجنس الواحد غير موجودة، فكم بالحريّ الصداقة بين الرجل والمرأة»؟

أخيراً، هناك الكثير من الآراء فسّرت مفهوم الصداقة وناقشته وعدّلته. منهم من أيّدها في حين رفضها آخرون، ولكن تبقى الصداقة أساساً لعلاقة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، سواء أكان رجلاً أو امرأة، وهي من أجمل العلاقات التي تميّزه عن سائر الكائنات الأخرى وأقواها.