أيّ مشرق عربي؟

أيّ مشرق عربي؟

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٦ مايو ٢٠١٥

..حتى اننا اغوينا السنغاليين بالقتال الى جانبنا، ضد الحفاة، في اليمن. ألم يقل شاعرهم ورئيسهم الراحل ليوبولد سنغور «حينما تطأ اقدامكم تضيء الارض»؟ الآن تضيء ارض «العربية السعيدة» بأقدام السنغاليين التي سبق واضاءت ارضنا حين اتى الانتداب الفرنسي بالجنود السنغاليين لاشاعة النظام والثقافة في لبـنان وسوريا.
هؤلاء معذبون مثلنا، محطمون مثلنا، وتلعب بهم العواصف مثلنا. ولكن اذا كان الشيشانيون قد اتوا الى الغوطة والرقة ودير الزور وحتى الى السلسلة الشرقية لكي يهزموا روسيا من سوريا، فما الذي استقطب السنغاليين للقتال في اليمن؟ نسأل، فعلاً،أي صرخة اتت بهؤلاء الناس الذين انتـقلوا من الفظاظة حين كنا بأمرة المفوض السامي الفرنسي الى الدماثة التي هي احدى المزايا الكبرى للزنوج؟
هل قيل لهم، مثلاً، ان الطريق الى القدس يمر بصنعاء او صعدة او تعز؟ لا بأس، ياسر عرفات كان يقول «ان الطريق الى رام اللــه يمر من جونيه وطرابلس وبعلبك... وكان يقول انها تمر من... المريخ».
قيل لنا انها صرخة الاسلام، غريب ذاك الاسلام الذي في نظرنا اندثر منذ الف عام، لا تهزه الوجوه المحطمة في المخيمات الفلسطـينية، ولا يرف له جفن امام بنيامين نتنياهو، وينتفض ويثور ويأتي من اقاصي الارض للقضاء على عبدالملك الحوثي وبشار الاسد.
ألم يهمس السفير الاسرائيلي في واشنطن رون ديرمر في اذن سفير عربي انه يحلم بأن يتنزه وإياه على ضفاف بردى؟
لا مستحيل الآن. العرب هم العرب. لا يقاتلون سوى بعضهم البعض. لا يقتلون سوى بعضهم البعض. غداً تستيقظون، وقد اصبح نبيل العربي (مع الاعتذار الشديد من فيفي عبده) أميناً عاماً لجامعة تضم اربعين او خمسين دولة عربية...
لا شيء يدعو الى الاستغراب، كل شيء يدعو الى البكاء، الاستخبارات التركية، وبالتنسيق العملاني، مع الاستخبارات الاسرائيلية (وهي رفقة قديمة) تتولى تنظيم الصفوف،وتوحيد الفصائل، ولملمة المرتزقة، وادارة المعارك في سوريا التي قـال الوزير المستوطن اوري ارييل، وهو من حزب «البيت اليهودي»،انها بعد الآن «لن تبعث بالرياح الصفراء الينا». وقال «الذئاب الصفراء»!
تعلمون ان خالد خوجة، الرئيس التركي، اجل التركي، لا يحمل معه سوى النسيم العليل، لاحظوا بمن التقى، في واشنطن، ومن هم المعلقون الذين هللوا له، وانتظروا ان تصل اليكم النسخة الاخيرة من خريطة سوريا التي لن تبقى دولة واحدة. ماذا ستأخذ اورشليم؟ وماذا ستأخذ الاستانة؟ هذه الاسئلة لا توجه، عادة، الى عرب البسوس...
الآن، وقت ساعة التجزئة، هناك دولتان معنيتان بتحويل العرب الى فتات جغرافي، وفتات استراتيجي، تركيا واسرائيل، ونحن العرب، كفئة ضالة، نضطلع بالدور اياه الذي اضطلعنا به دائماً والا كيف خرجنا من غرناطة وكيف خرجنا من سمرقند.
لا ريب ان لايران حصتها في العراق الذي سيعود الى ما قبل ونستون تشرشل، وتوحيده ولايات بغداد والبصرة والموصل، سوريا تعود الى خريطة الجنرال هنري غورو او ربما الى ما هو اسوأ ولا ندري ما اذا كان غبطة البطريرك قد سمع في الاليزية ما يتردد في بعض الاوساط الاعلامية الفرنسية حول «وفاة الصيغة اللبنانية» حيث التقاطع بين ثقافة المافيات وثقافة المذاهب، اي لبنان سيكون بعد الآن؟
....بل اي مشرق عربي سيكون بعد الآن اذا كان علينا ان نستعين حتى بالسنغاليين لحمايتنا؟ وضد من؟ ضد اليمنيين البؤساء الذين طالما قلنا اننا نحن المسؤولون عن بقائهم هكذا بين جاذبية القاب وجاذبية الخنجر..
كلنا الآن على المائدة، اطباق بشرية وتوزع طائفياً واتنياً وحـتى قبلياً وعشائرياً.. لا يغركنّ ضجيج الشاشات، انه.. ضجيج الفتات!!