ناشونال إنتريست: من المستحيل أن تعترف تركيا بمجازر الأرمن

ناشونال إنتريست: من المستحيل أن تعترف تركيا بمجازر الأرمن

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٦ أبريل ٢٠١٥

 بعد مرور مائة عام على الفظائع التي تعرض لها الأرمن في ظل العهد العثماني، ما زالت معركة البحث عن الحقيقة التاريخية قائمة بين تركيا وأرمينيا. وفي تلك الحرب، حل الساسة وزعماء اللوبيات الشعبية مكان الجنرالات، وتقوم ساحات القضاء الدولية مقام ساحات المعارك حيث غالباً ما يمتزج التاريخ بالسياسة دون التوصل لنتيجة محقة.

وكما تشير صحيفة ناشونال إنتريست الأمريكية، يجتمع ممثلون عن الطائفة الأرمنية في كل عام في يوم 24 إبريل (نيسان) لتكريم ذكرى من قضوا جراء فظائع ارتكبت بحق أجدادهم من قبل الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى. ويقدر معظم المؤرخين عدد الأرمن المسيحيين الذين ماتوا في تلك الفترة ما بين مليون إلى مليون ونصف ضحية، ويعتبرون بأنه ما جرى يعد حرب إبادة منظمة. ولكن السلطات التركية، شككت في صحة تلك الإحصائيات، ورفضت استخدام كلمة إبادة. وعوضاً عن ذلك، يعزو الموقف الرسمي التركي الوفيات والتشريد إلى عمليات وقعت في إطار الحرب، والتي قضى فيها أعداد كبيرة من المسلمين والأتراك وغيرهم من الأقليات. ورغم أن السجل التاريخي لما جرى غير غامض، أيد مسؤولون أتراك تشكيل لجنة دولية من مؤرخين لدراسة القضية قبل التوصل لنتيجة محددة. وبالنسبة للأرمن، يظل تشكيك تركيا بالوقائع التاريخية، ورفض تحمل مسؤولية ما جرى، مصدر ألم عميق لهم.

وكما هو معروف، تقول الصحيفة، تحل في العام الحالي ذكرى مرور مائة عام على "مدز ييجيرن" وهو تعبير أرمني يعني "الكارثة الكبرى"، بما تحمله الذكرى من آلام وذكريات مروعة. ولتكريم تلك الذكرى، دعا زعماء أرمن قادة العالم للاجتماع في العاصمة الأرمنية، يريفان. وتم تنظيم عدة احتفالات وغيرها من الأحداث التاريخية بقصد لفت أنظار العالم للمأساة التاريخية. وتكثفت جهود الأرمن وحملتهم في بلاد الشتات من أجل نيل اعتراف حكومات وهيئات محلية وصحف ومؤسسات أكاديمية بأن ما جرى كان حرب إبادة. وفي الأيام الأخيرة، دعا البابا فرانسيس، والبرلمان الأوروبي الحكومة التركية للاعتراف بأن عمليات الترحيل القسري والقتل هي حرب إبادة، كما أعلنت الحكومة الألمانية، يوم الاثنين الماضي، بأن ما جرى بحق الأرمن في عام 1915، كان حرب إبادة.

وتشير ناشونال إنتريست إلى رفض الحكومة التركية المتواصل لاستخدام تعبير إبادة لما يترتب على ذلك الاعتراف من تبعات مالية وقانونية. ولا عجب، تبعاً لذلك، أن ردت تركيا على تلك الدعوات باتخاذ موقف دفاعي، كما استدعت سفيرها في الفاتيكان للتشاور، وحذرت من كون مثل تلك الدعوات تسيء للعلاقات بين مختلف الأطراف. ومن خلال حرب كلامية قاسية، وصف زعماء أتراك البابا فرانسيس بأنه يمثل جزءاً من "جبهة شريرة" وأنه يثير الكراهية ويستخدم "الابتزاز" للتآمر ضد بلدهم، وشنوا حملة لتكذيب كل ما قيل عن تلك المجازر.

وسبق رد الفعل الحاد الأخير، قرار تركي صدر في بداية العام الجاري من أجل تغيير موعد إحياء ذكرى معركة غاليبولي التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية من 18 مارس (آذار) إلى يومي 24 ـ 25 أبريل (نيسان) لمنافسة المناسبات التي شهدتها العاصمة الأرمنية، يريفان. وأدت تلك المناورة السياسية لإثارة استياء الجانب الأرمني، وأجبرت قادة العالم، والذين كان من المفترض أن يشاركوا في كلا المناسبتين على مواجهة خيار صعب.

ويعتقد الأرمن بأن تلك تطورات مؤسفة، وجاءت في أعقاب اتخاذ مسؤولين أتراك عدداً من الخطوات خلال السنوات الأخيرة باتجاه المصالحة مع أرمينيا والأرمن في بلاد الشتات. وانبثق الغضب الأرمني جراء رفض حسن النية التركي الرمزي لأنه جاء بعد تصريحات لرئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو، تم عبرها الاعتراف بمعاناة الأرمن وتقديم التعازي لأحفاد الموتى. وسمح ذلك التصعيد الحاد للقوميين المتشددين من كلا الطرفين بتبادل الاتهامات والألفاظ الجارحة.

وتقول الصحيفة: من المحزن أيضاً، أن يغطي التوتر بين الجانبين على تحولات اجتماعية هامة تجري حالياً في تركيا بشأن معرفة مصير الأرمن العثمانيين. إذ حتى إلى ما قبل عشر سنوات، كانت الحكومة التركية لا تزال تحاكم الأتراك الذين يصفون أحداث عام 1915 بأنها حرب إبادة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت عملية إحياء" القضية الأرمنية"، ونشرت عدة كتب، وعقدت مؤتمرات دولية، وجرت نقاشات تلفزيونية، وتلقت حملة اعتذار عبر الإنترنت أكثر من 30 ألف توقيع من مؤيدين للحملة. وكشف عدد كبير من الأتراك أسراراً تمت مدفونة لمدة طويلة بشأن أجدادهم الذين كانوا أرمن وتم إنقاذهم من مسيرة الموت من قبل أسر تركية. وقد ساعدت تلك التطورات على إثارة ماضٍ مثير للجدل في الوعي التركي.
 
لكن، بحسب ناشونال إنتريست، كانت عملية "ذوبان الجليد التركي، كما يصفها الكاتب ثوماس دي وال، متقطعة وعلقت عدة مرات من قبل تيارات سياسية قوية. وتصدرت أوصاف "حرب إبادة" و"مجازر جماعية" الأنباء وعناوين الصحف في شتى أنحاء العالم وذلك قبل وقت قصير من الانتخابات التركية العامة في يونيو (حزيران) المقبل. وسوف تقرر نتيجة الانتخابات فيما إذا كان الحزب الحاكم، وزعيمة السابق، الرئيس التركي أردوغان، سيعيدون كتابة الدستور وتحويل النظام البرلماني التركي إلى نظام رئاسي. وتظهر استطلاعات الرأي وجود تنافس حاد بين الأحزاب السياسية التركية، ولذا تعمل الحكومة التركية على إثارة المشاعر القومية من أجل كسب أصوات مزيد من أصوات الأتراك القوميين.