«قطعُ اليدين».. إستراتيجية سوريـة الجديدة

«قطعُ اليدين».. إستراتيجية سوريـة الجديدة

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٤ أبريل ٢٠١٥

كشّرت الدبلوماسية السورية عن أنيابها بمواجهة التكبّر السعودي الذي وصل حد الغرور ودفعها للتطاول وتهديد سوريا بشن “عاصفة حزم” مماثلة لتلك التي شُنتّ على اليمن، مُخيّلاً لها ان الوضع في سوريا هو مطابق لما هو في بلاد سبأ.

لم يعهد أحداً الدبلوماسية السورية بهذه الصرامة قبلاً، الدبلوماسية هذه التي ألفها العالم هادئة بهدوء “المعلم”، إنفجرت دفعة واحدة بوجه دبلوماسية التمادي على سيادات الدول الموجهة من المملكة العربية السعودية، رافعةً العصا بوجهها، واضعة حداً وخطاً أحمر لها ممنوع عبوره.

سفير سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشّار الجعفري، لم يكن يحتاج إلى تكليفٍ مباشر من قيادته في دمشق لتوجيه تهديدٍ عسكريٍ قاسٍ للمملكة، لكن ما صرّح به لا شك بانه نابعٌ من ضيق صدرٍ لدى القيادة السورية من تصرفات السعودية التي بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه من التدخل بالدول والتطاول على سيادتها النابعة من نشوة العدوان على اليمن، فالجعفري كان يومها رئيس جمهورية بلاده في جلسة مجلس الامن التي كان حلبة وضع النقاط على الحروف. لبس الرجل زياً عسكرياً مواجهاً لزي التعالي للسفير السعودي الواقع تحت تأثير هلوسات “الحزم” بعد ان هدّد بـ “توجيه ضربات عسكرية لدمشق”. وبلسان القوي، خاطب الجعفري نظيره قائلاً “إذا كان لدى السفير السعودي فعلاً صلاحية أن يهدد بلادي بما قال، فإنني أضعه أمام الامتحان، أمامكم جميعاً. فلترنا السعودية ماذا تستطيع أن تفعل ضد بلادي، وعندها سنقطع اليد التي ستمتد إلى سوريا، وسنعاقب السعودية بما تستحق”.

تهديد علني هو الأول من نوعه من دبلوماسي أو عسكري سوري، وضع المملكة أمام إتجاهٍ سوريٍ جديد من سياسة رد العدوان مبدؤها قطع الايدي. إستراتيجية “قطع الايادي” كانت قد بدأت بسوريا قبل ذلك وبشكلٍ غير مباشر، حيث عمل الجيش السوري على تقطيع أذرع السعودية في أنحاء البلاد. بقيت المعارك يومها ضمن ما يوصف بـ “الترتيب الداخلي”، فعلى الرغم من توجيه تهديدات صريحة للسعودية بالضلوع مباشرةً بتدريب ميليشيات تهدف لضرب بنية الدولة السورية، لم يصل حد الإتهام إلى “قطع أيادٍ” او “شن عملية عسكرية”. الإتجاه الجديد يدل على حالة الغضب من قوة النظام القائم في دمشق الذي وإلى اليوم، أسقط كل المكائد التي تُحاك له، وتظهر حالة الغليان في العلاقة بين الرياض ودمشق التي تتجه إلى العسكرة العلنيّة مغلقة الباب امام كل أشكال التفاوض معها.

بالعودة إلى الميدان، كانت سياسة التقطيع هذه، ظهرت على يد الجيش السوري في أرياف دمشق سيما غوطتها الشرقية التي يتواجد فيها ذراع سعودي يعتبر الأقوى يتمثل بـ “جيش الاسلام” وعلوشه. كان للجيش صولات وجولات في معارك تأمين دمشق من الغوطة الشرقية التي اثقل بها “العلالشة” جراحاً بلغت حد النزيف مع تطويقهم في تلك المنطقة وقضم المساحات وإستعادة المناطق وإفشال المخطط السعودي بالتقدم إلى العاصمة من الخاصرة الشرقية.

سياسة الجيش هذه إتبعت موجهة إلى السعودية بشكلٍ غير مباشر في الميدان، عبر سلسلة العمليات التي دارت وتدور في أرياف درعا. جديدها تقدم الجيش السوري على جبهة ريف درعا وقطعه خط الامداد للمسلحين من الاردن، هذا الخط الذي يعتبر للسعودية فيه دور لوجستي علني.

لكن تهديدات “الجعفري” نقلت الحرب مع السعودية من حرب “الوكالة” إلى الحرب الشاملة المباشرة، حيث اصبحت دمشق بمواجهة الرياض في طور تهديدات السعودية الجديدة، وبنت دمشق من خلف تلك التصريحات، إستراتيجية جديدة بمواجهة التهديد السعودي، فالامر لم يعد يأخذ شكل إمتصاص تصريحات المملكة بل بات أمر مواجهة يتسلح فيها الدبلوماسيون بعبارات العسكريين، وبات لهم أقلاماً يرسمون فيها الخطوط التي لا يسمح بتجاوزها البته مع رفع العصا وهزها تهديداً عن الحاجة.

إنتقال الريـاض إلى نمط المواجهة المباشرة مع سوريا نابع من شعور الهزيمة بعد خمسة أعوام على المخططات الفاشلة، نمط جديد تؤكدها المعلومات التي تُشير ان السعودية تتجه لان ترمي كامل ثقلها من أجل إيجاد سيناريو عسكري يؤرق دمشق من خاصرتها الشرقية، كما يؤثر عليها من الخاصرة الجنوبية. تهديد “المملكة” ربما يُعبّر عنه من سياق ما يُحضر على إمتداد الجغرافية، سيما زيارة ذراع السعودية الرسمية في سوريا، زهران علوش إلى تركيا، وما يتسرّب من هناك عن لقاءات تُعقد مع الاستخبارات التركية بمباركة سعودية من أجل ترتيب الوضع الداخلي وفتح تفويض لـ “علوش” من أجل قيادة حالة عسكرية جديدة يُراد منها تهديد العاصمة تُدعم غريباً.

إذاً فالامور ذاهبة إلى المواجهة المباشرة هذه المرة. تهديد السفير السعودي “عبد الله المعلمي”، ورده من قبل “الجعفري” بالطريقة التي ردّ بها، لا تأتي من فراغ أبداً، بل من معلومات تشير إلى نوايا سعودية مبيتة مطلع “الجعفري” عن كثب عليها، وكان ينتظر ذلّة لسان سعودية ليقنص تهديداً يختلج صدر دمشق منذ اعوام.

دون أدنى شك، لا تستطيع السعودية مواجهة سوريا عسكرياً وبشكلٍ مباشر، او تنفيذ سيناريو مشابه لليمن، فسوريا ليست اليمن ابداً، وقوة سوريا ليست كقوة اليمن، والسعودية تحسب الف حساب قبل ان تفكر في التحرك عسكرياً بشكلٍ مباشر نحو دمشق التي تمتلك من الحلفاء المشاركين في الميدان حلقة واسعة تعلم السعودية جيداً تأثيرهم الذي ينقل المعركة إلى جبهات داخلية.